07-أكتوبر-2016

أطفال من جرابلس بعد تحريرها من داعش (أمين سنسار/الأناضول)

خلال مناظرة المرشحين لمنصب نائب الرئيس الأمريكي، يوم الثلاثاء الماضي، كان هناك جدلٌ مقتضب بين مديرة المناظرة والمرشحَين، التقط بدقة الارتباك المشوش بشأن مهماتٍ عسكرية محتملة بقيادة الولايات المتحدة في سوريا. أظهر ذلك نوع الخطاب الغامض وغير الدقيق الذي قد ينتج عنه بسهولة دخول الولايات المتحدة لحربٍ يعارضها الرأي العام، حسب ما يرى مايكا زينكو، وهو زميلٌ بارز بمركز الإجراءات الوقائية التابع لمجلس العلاقات الخارجية، في مقالٍ بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.

صرحت كلينتون في عدة مناسبات أنها تدعم "منطقة حظر طيران" و"منطقة آمنة" في سوريا لكنها لم تصرح بأي تفاصيل تتجاوز ذلك

في منتصف المناظرة، سألت إلين كويجانو، مديرة المناظرة، حاكم ولاية إنديانا مايك بنس، المرشح الجمهوري لنائب الرئيس، والسناتور تيم كين، المرشح الديموقراطي لنفس المنصب، بشأن الحرب هناك: "250,000 شخص بينهم 100,000 من الأطفال تحت الحصار في حلب بسوريا. قنابل خارقة للتحصينات، ذخائر عنقودية، وأسلحة حارقة يتم إلقاؤها عليهم من قِبل الجيشين الروسي والسوري. هل تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية حماية المدنيين ومنع وقوع خسائر بشرية بذلك الحجم؟".

دافع بنس في البداية عن زيادة عدد الجنود في الجيش الأمريكي بصورةٍ كبيرة، وهو ما كان اقتراحًا مربكًا، بالنظر إلى أن ترامب لم يؤيد إرسال أي قواتٍ برية إلى سوريا، ثم أضاف: "علينا أن نبدأ التعامل مع ذلك الأمر بقيادةٍ أمريكية قوية".

ما الذي كان يدور في عقل بنس تحديدًا؟ "ما يجب على الولايات المتحدة فعله الآن هو إقامة مناطق آمنة على الفور حتى يمكن للعائلات المعرضة للخطر التي لديها أطفال ترك الأماكن الخطرة، والعمل مع شركائنًا العرب دقيقةً بدقيقة لتحقيق ذلك". لم يذكر بنس أين سيتم إقامة تلك المناطق على الفور في سوريا، أو من هم الشركاء العرب، أو كيف سيمكن لتلك القوات البرية التي لم يحددها ضمان عدم استخدام تلك المناطق من قِبل مقاتلين.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تحولت مكاسب روسيا في سوريا وأوكرانيا لخسائر؟

رد كين بربط ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكنه صرح بعدها قائلًا: "لقد قلت بشأن حلب إننا نتفق مع فكرة أن علينا إقامة منطقة إنسانية في شمال سوريا". باتفاقه مع بنس، دمج كين اقتراح حاكم ولاية إنديانا إقامة منطقة آمنة باقتراحه الخاص بإقامة منطقة إنسانية. ليس من المستغرب أن يعتقد المستمعون العاديون أنه ليس هناك أي فرق، لكن بالنسبة للمرشحين، والحملتين اللتين يمثلانهما، يمثل ذلك ارتباكًا بشأن السياسة العسكرية ليس له عذرٌ مقبول بعد خمس سنوات من الحرب السورية، وقبل 34 يومًا فقط من الانتخابات.

ليس هناك تعريفٌ واحد لـ"المنطقة الآمنة" في العقيدة العسكرية الأمريكية، أو في العقيدة العسكرية لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، يتابع المقال. لكن نوع المنطقة التي بدا أن بنس يحاول وصفها ترتبط بما يسميه البنتاجون منطقة منزوعة السلاح: "منطقة محددة يحظر فيها نشر أو تركيز قواتٍ عسكرية أو الإبقاء على أو إنشاء منشآت عسكرية من أي نوع". يلفت زينكو النظر إلى أن تلك المنطقة، بالتعريف، لا يمكن أن تضم أفرادًا من المعارضة المسلحة.

بينما منطقة إنسانية من النوع الذي كان كين يتحدث عنه هي، في المقابل، ترتبط أكثر بالممرات الإنسانية، والتي هي ممرات معينة للانتقال أو مناطق محددة حيث يمكن أن تعمل المنظمات الإنسانية دون تدخل لتوفير المساعدات لغير المقاتلين.

للمزيد من الارتباك، قالت كويجانو: "الحاكم بنس، لقد ذكرت منطقة حظر طيران" وسألت كيف سيحافظ على تلك "المنطقة الآمنة" آمنة. حسنًا، لم يذكر بنس منطقة حظر طيران، والتي، بدورها، غير معرّفة أيضًا في العقيدة العسكرية للولايات المتحدة أو الأمم المتحدة، ولكنها تعني عادةً منطقة جغرافية محددة يحظر فوقها القيام بعملياتٍ عسكرية جوية محددة. لم يرد بنس مباشرةً أبدًا، متحدثًا بدلًا عن ذلك عن كيف "أيقظت" سياسة إدارة أوباما الخارجية "عدوانًا روسيًا".

بإصرار، حاولت كويجانو مجددًا: "كيف ستعمل تلك المناطق الآمنة بالتحديد؟"، رد بنس: "سوف تكون المناطق الآمنة.. هناك بالفعل إطارٌ لذلك اعترف به المجتمع الدولي. على الولايات المتحدة الأمريكية الاستعداد للعمل مع حلفائنا في المنطقة لإنشاء ممرٍ للعبور آمن، ثم حماية الموجودين في تلك المناطق، بما في ذلك منطقة حظر طيران".

لنفكك تلك الملاحظة سريعًا، يتابع المقال. "المجتمع الدولي" الوحيد الذي يمكن أن يعترف بمثل ذلك التدخل في بلدٍ آخر هو مجلس الأمن الدولي، والذي صادق على مثل ذلك القرار تمامًا داعمًا منطقة حظر جوي في ليبيا عام 2011، تحت الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة. بالنظر إلى قدرة روسيا على استخدام حق الفيتو في مواجهة مثل ذلك القرار كعضوٍ دائم بمجلس الأمن. يضيف الكاتب أنه من شبه المؤكد أن التدخل الذي يقترحه بنس لن يتم الاعتراف به.

ترامب،  لم يقل أبدًا أنه يدعم "منطقة حظر طيران"، مصرحًا: "لا أعتقد ذلك. أعتقد أن ما أرغب في القيام به هو الجلوس بالخلف والمتابعة"

"ممرٌ للعبور الآمن" لـ"حماية الموجودين في تلك المناطق" يعني ضمنيًا أن المدنيين لن يتم حمايتهم سوى في الطريق إلى مكانٍ آخر، والذي من الواضح في هذه الحالة أنه منطقة آمنة، لكن ربما إلى مناطق أخرى، مثل المعابر الحدودية. ليس هناك تعيين لمكان تلك الممرات تحديدًا، أو، مجددًا، مَن مِن بين "الآخرين في المنطقة"، سوف يختار تأمين مثل ذلك الممر، أو كيف سيقوم بذلك. سوف يبدو أن تلك المهمة تتضمن التزامًا واسع النطاق بنشر قوات مشاة راجلة، ومركبات انتقال برية ودعمٍ جوي لمرافقة قوافل المدنيين والمركبات الإغاثية. بالطبع، سوف يكون هناك أيضًا حاجةٌ إلى جيوشٍ مستعدة لفرض وتأمين منطقة حظر جوي فوق الممرات نفسها أو فوق مناطق محمية غير محددة جغرافيًا. لم يقدم بنس أي تفاصيل بشأن أي من تلك الأمور.

كما لم يكن المرشحين لمنصب نائب الرئيس مستعدين للرد على أكثر سؤالين مرتبطين بالمهمات العسكرية التي كانا يصفانها: هل سوف يتضمن فرض مناطق آمنة أو إنسانية أو حظر طيران مهاجمة القوات العسكرية الروسية التي تهدد أو تنتهك تلك المناطق؟ وهل سوف يتضمن فرض تلك المناطق مهاجمة مقاتلي المعارضة المسلحة الذين يهددون أو ينتهكون تلك المناطق؟. يرى زينكو أن كيفية إجابة المرشحين على هذين السؤالين سوف تكشف ما إذا كانوا جادين بشأن حماية جميع المدنيين من جميع أنواع التهديدات، أو ما إذا كانوا يدعمون تصعيد الأعمال العدائية بين الجيشين الأمريكي والروسي داخل سوريا، أو ما إذا كانوا يدعمون ضمنيًا توفير دعمٍ عسكري نيابةً عن أعضاءٍ بعينهم من المعارضة المسلحة الذين يهدفون إلى الإطاحة بنظام بشار الأسد.

بالطبع، يتابع المقال، يجب فهم تصريحات يوم الثلاثاء في سياق السياسات الموصوفة خلال الحملة الأوسع. لكن ذلك لا يبررها كثيرًا. صرحت هيلاري كلينتون في عدة مناسبات أنها تدعم "منطقة حظر طيران" و"منطقة آمنة"، وأشارت إلى أنها "تبحث عن نفوذ أكبر في المساعي الدبلوماسية مع روسيا"، لكنها لم تصرح بأي تفاصيل تتجاوز ذلك. ترامب، من جانبه، لم يقل أبدًا أنه يدعم "منطقة حظر طيران"، مصرحًا بشأنها في تشرين الأول/أكتوبر الماضي: "لا أعتقد ذلك. أعتقد أن ما أرغب في القيام به هو الجلوس بالخلف.. وأرغب في رؤية ماذا سيحدث". وبالتالي فإذا كان بنس يتحدث في الواقع عن زميله في السباق الرئاسي، فإنه قد أعلن عن سياسةٍ جديدة لحملة ترامب في المناظرة. في وقتٍ سابق، قال ترامب إنه يدعم فقط "منطقة آمنة للسكان.. حتى يستطيعون.. العودة من حيث أتوا".

يرى الكاتب أنه لا ينبغي لمديري المناظرات أو المحاورين السماح للأشخاص المترشحين لمنصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أو حتى نائبه، التفوه بعملياتٍ عسكرية مختلفة بشكلٍ عابر دون الضغط عليهم للإفصاح عن تفاصيل كيفية تنفيذها. منطقة إنسانية تختلف عن منطقة آمنة، والتي هي ليست منطقة حظر طيران. تتطلب كلٌ من تلك العمليات مستوياتٍ مختلفة من الالتزام العسكري ونشر القوات وحقوق استخدام المجال الجوي ودرجاتٍ مختلفة من الدعم اللوجستي والتحليلي، وأخيرًا سوف تؤثر على سلوك المتحاربين في الحرب السورية بصورٍ مختلفة.

واختتم زينكو مقاله أنه ينبغي على المتنافسين الجادين على أعلى منصب في الولايات المتحدة، والذين يسعون إلى التحكم في الجيش الأمريكي، عدم استخدام تلك المهمات العسكرية بديلًا عن بعضها البعض ودون النظر إلى تكاليفها وتبعاتها المحتملة. وإذا فعلوا ذلك، فإن على الإعلام مساعدة الجمهور الأمريكي، والذي سوف يكون ملزمًا بالقيام بأي مهمة يأمر بها القائد الأعلى في النهاية، ولفت أنظارهم إلى ذلك.

اقرأ/ي أيضًا:

هل تعزل موسكو نفسها دوليًا؟