05-أكتوبر-2016

منذ الاستعداد الأمريكي لضرب الأسد، بعد استخدامه للأسلحة الكيماوية في 2013، لم تبدُ أمريكا أقرب للتفكير لضرب الأسد منها اليوم بعد فشل الهدنة (باسيفيك برس)

منذ الاستعداد الأمريكي لضرب الأسد، بعد استخدامه للأسلحة الكيماوية في قصف الغوطة في 2013، الاستعداد الذي انتهى باتفاقية لتسليم الأسد لأسلحته الكيماوية بوساطة روسية، لم تبدُ أمريكا أقرب للتفكير مرة أخرى لضرب الأسد منها اليوم، وبالتحديد منذ إفشال روسيا والأسد للهدنة الأخيرة، التي كانت ترجو أمريكا منها أن تكون بداية للحل السياسي في سوريا.

منذ الاستعداد الأمريكي لضرب الأسد، بعد استخدامه للأسلحة الكيماوية في 2013، لم تبدُ أمريكا أقرب للتفكير لضرب الأسد منها اليوم

تصريحات تصعيدية من الجانب الأمريكي، ووقف للمحادثات مع روسيا، وتهديدات مبطنة ومكررة عن "التفكير في كل البدائل بخصوص سوريا"، وتسريب احتمالات توجيه ضربات محدودة لنظام الأسد حتى يعود لطاولة المفاوضات مرة أخرى، كل هذا مع تغير واضح في لهجة الأمم المتحدة بشأن إدانة القصف الروسي، خاصة في حلب، وتلويح باللجوء للمحكمة الجنائية الدولية، لكن كل هذا الصخب، لم يولد أي حركة نوعية بعد.

اقرأ/ي أيضًا: واشنطن تضرب "فتح الشام"..وتعلق تعاونها مع موسكو

وفيما يمكن مقارنة المآلات المحتملة للتصعيد الأمريكي الحالي، بمآلات التصعيد في 2013، والذي انتهى إلى اتفاقية تسليم الأسلحة الكيماوية، والتي لم تغير بأي درجة أي شيء من المأساة السورية، بل كانت في الحقيقة ضمانة لاستمرارها وتفاقمها، إلا أنه يمكن رصد اختلافين جوهريين بين التصعيد في 2013 والتصعيد الحالي:

أولًا: كان يمكن لروسيا، الداعمة للأسد، لكن بشكل لوجستي ودبلوماسي فقط، وقتها، أن تقوم بدور الوسيط بينه وبين الولايات المتحدة، للخروج باتفاق يحفظ للولايات المتحدة صورتها كدولة قوية قادرة على الرد حين يتجاوز أحد خطوطها الحمراء، والتي كانت بشكل صريح استخدام الأسلحة الكيماوية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يحفظ للأسد سيطرته وقدرته على الاستمرار في المعركة، دون تنازل حيوي حقيقي. الآن، يبدو التصعيد الأمريكي، موجهًا مباشرة إلى روسيا، التي أصبحت شريكة فعلية للأسد في معاركه، كما استنفذت موسكو كل المناورات الممكنة لتطويل أمد الحرب حتى حسمها عسكريا، بشكل أصبح ينظر فيه للإدارة الأمريكية كلاعب دولي قليل الحيلة وتنطلي عليه نفس الخدعة كل مرة، وهو ما يجعل الولايات المتحدة، راغبة في إحداث تغيير فعلي في مسار الحرب، لتحفظ ما تبقى من مكانتها كفاعل دولي.

ثانيًا: تبدو المعارضة السورية المسلحة اليوم، بعدما واجهت هزائم عسكرية كبرى، وتلاشى طموحها في حسم عسكري قريب، أكثر قابلية للحديث مع الأمريكان، ولو عن طريق وسطاء، للتنسيق حول كيفية إنهاء الحرب بأقل الخسائر الممكنة، وبالتالي ينفتح باب كان مغلقًا أمام الأمريكان للتأثير في مسار الحرب، خاصة، بعدما أنهى التدخل التركي وعملية "درع الفرات" طموحهم بالاعتماد على الأكراد في حسم الأمور، وهو الطموح الذي عطل لفترة طويلة قدرة العقل الأمريكي على التخطيط في سوريا، إذ كان يستبعد بشكل تام كل المكونات السنية من المعركة، بحيث بدا وكأنه يتلاقى مع الطموح الأسدي لإبادتهم.

تراهن روسيا على أن الخوف الأمريكي من تصعيد غير محسوب، سيمنحها دائمًا القدرة على تحقيق التقدم العسكري الذي تريده قبل الجلوس للتفاوض معها

لكن هذه الاختلافات، تواجه اختلافات أخرى تصب في صالح الجمود الأمريكي في سوريا، وأهمها بالطبع الوجود الروسي على الأرض، والذي سيمنع بقدر استطاعته أي ضربات أمريكية للأسد، كما أن اشتباكًا روسيًا أمريكيًا مباشر يمثل سيناريو مرعب للقادة الأمريكيين، والذي لا يملكون أي تصور لما بعد حدوثه، في حين تراهن روسيا على أن هذا الخوف الأمريكي من تصعيد غير محسوب، سيجعلها قادرة بشكل دائم على اللعب التصعيدي العنيف ثم التراجع خطوة واحدة تتيح للأمريكان الجلوس للتفاوض بعد ما تكون الخارطة العسكرية قد تغيرت، وهي الطريقة التي يظهر أن روسيا تراهن عليها في معركة حلب، التي تسببت في كل هذا التصعيد، أي الضغط العسكري على المعارضة في حلب وإحراز انتصارات حاسمة لكن غير نهائية، ثم التفاوض على خروج المعارضة من المدينة، وإذن انتزاع واحد من أهم المعاقل المعنوية للمعارضة السورية.

كانت التحليلات الكلاسيكية للحرب السورية، تتحدث عن خطورة سيطرة الأسد على حلب تحديدًا، لأن ذلك سيعني أن سقوطه أصبح بعيدًا، لكونه أصبح يسيطر على أهم مدينتين في سوريا، ورغم أن هذا التحليل به بعض الصحة، إلا أنه عمليًا، ومنذ التدخل الروسي، أصبح سقوط الأسد صعبًا ومرهونًا بتغير موقف روسيا، ولم تعد معركة حلب، عدا ما يتعلق بالشق المعنوي، عسكريًا وسياسيًا عاملًا حاسمًا في المعركة.

في النهاية، التهديد الأمريكي بضربات محدودة ومباشرة للأسد، ستكون محدودة الأثر بالنظر إلى قدرة روسيا على تعويض خسائره بسرعة، وبحساب التخوف الأمريكي من الاصطدام المباشر مع الروس، وبعد تبين القدرة الضعيفة للأكراد على قيادة خطة الأمريكان في سوريا، خاصة بعد التدخل التركي، لا يتبقى أمام الإدارة الأمريكية سوى خيارين،: الأول هو أن تكرر ما تفعله في كل مرة، تصعيد كلامي قوي يعقبه رضوخ للتقدم الروسي على الأرض مع تنازلات شكلية وغير مؤثرة من طرف الأسد، تعقبها فترة دعم أمريكية للمعارضة بالسلاح ثم تتوقف، والثاني، هو أن تدعم بشكل حاسم المعارضة السورية المعتدلة المدعومة تركيًا في الشمال السوري. فوجود دعم أمريكي حقيقي للعملية التركية سيحدث أثرًا كبيرًا في الشمال السوري، إذ سيتيح للقوات السورية المعارضة السيطرة على مساحات أوسع في الشمال، خاصة إذا تم اعتمادها لتحرير الرقة عاصمة داعش، إلا أنه سيكون تغييرًا جوهريًا في الاستراتيجية الأمريكية، لأنه سيعني حينها أن استراتيجية الضغط على كل الأطراف للتفاوض ستتغير لصالح استراتيجية أخرى بدعم سيطرة المعارضة على مناطق واسعة، وهو ما سيكون مصيره النهائي الحديث عن التقسيم، الذي مازالت كل الأطراف الدولية تخشى الحديث عنه بصراحة.

اقرأ/ي أيضًا:

هل تعزل موسكو نفسها دوليًا؟