04-فبراير-2018

تمثل تحويلات المهاجرين المغاربة إلى بلدهم 10% من إجمالي الناتج الوطني (Getty)

 ربما يكون المهاجرون مشكلة تؤرق بعض الدول الغنية، لكن بالنسبة لحكومات بلدان العالم الثالث، المُصدّرة للمهاجرين، فتعد الهجرة منجمًا ذهبيًا، يمكّنها من جلب العملة الصعبة بشكل مستمر، كما تخلصها الهجرة من عبء تشغيل ورعاية قسم واسع من المواطنين المهاجرين وأهاليهم، والمغرب هو أحد هذه البلدان المحظوظة بهذا المنجم، حيث يضخ أكثر من ستة ملايين مهاجر، مليارات الدولارات سنويًا إلى خزينة الدولة المغربية.

بالنسبة للمغرب، يُعد مهاجروه منجمًا ذهبيًا للعملة الصعبة، بسبب تحويلاتهم التي وصلت في 2016 إلى 10% من إجمالي الناتج الوطني

حجم التحويلات المالية إلى المغرب

أصدر مركز "بيو" للأبحاث، الواقع مقره في واشنطن، تقريرًا حديثًا بعنوان "تدفقات التحويلات المالية عبر العالم لعام 2016"، بناءً على قاعدة بيانات البنك الدولي، حيث أحصى ما يقدر بنحو 574 مليار دولار تم إرسالها من قبل المهاجرين إلى أقاربهم في بلدانهم الأصلية في عام 2016، وهو رقم يعادل ضعف مجموع التحويلات التي كان يرسلها المهاجرون قبل عقد من الزمن، كنتيجة طبيعية للهجرات المكثفة التي حدثت خلال السنوات الأخيرة من أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، نحو أوروبا وأمريكا.

اقرأ/ي أيضًا: تعويم الدرهم: في أي سياق وأي تداعيات ينتظرها المواطن المغربي؟

ويذكر مركز "بيو" أن إجمالي قيمة التحويلات المالية، التي أرسلها مغاربة المهجر، بلغت في 2016 حوالي سبع مليارات دولار، أي 10% من الناتج الوطني الإجمالي، قادمة من دول مختلفة، تتصدرها التحويلات الواردة من فرنسا بنحو 2.17 مليار دولار، ثم إسبانيا في الرتبة الثانية بـ 1.75 مليار دولار.

وجاءت إيطاليا في الرتبة الثالثة بـ 975 مليون دولار، تلتها بلجيكا في الرتبة الرابعة بـ482  مليون دولار، فيما وصلت التحويلات القادمة من هولندا إلى ما قيمته 424 مليون دولار، أما الكيان الإسرائيلي فجاء في الرتبة الخامسة بتحويلات بلغت 379 مليون دولار.

بينما لم تتجاوز مجموع  تحويلات المغرب إلى الخارج مبلغ 161 مليون دولار، الجزء الأكبر منها ذهب نحو فرنسا بما مجموعه 61 مليون دولار، ثم الجزائر بـ17 مليون دولار، بحسب إحصاءات المركز.

وكان من اللافت حجم التدفقات المالية من الكيان الإسرائيلي نحو المغرب، والتي بلغت 379 مليون دولار في 2016، حيث جاء المغرب في الوجهة الثانية بعد فرنسا من حيث التحويلات المالية الواردة من إسرائيل نحو بلدان أخرى.

كان لافتًا حجم التحويلات المالية من الكيان الإسرائيلي إلى المغرب، والتي بلغت في 2016 ما يقرب من 380 مليون دولار

ويحيل ذلك إلى أنه لا يزال هناك ارتباط وثيق لليهود المغاربة في إسرائيل مع بلدهم الأصلي، علاوة على أنهم يسافرون إلى المغرب كإسرائيليين دون عوائق رسمية.

أثر هذه التحويلات المالية على البلاد

تشير الأرقام الرسمية إلى أن 70% من تحويلات مغاربة المهجر تذهب للاستهلاك، حيث تستفيد عائلات المهاجرين من هذه الأموال كمصدر عيش، حتى باتت هناك مناطق في الجنوب الشرقي للمغرب وشماله، معروفة بأنها تعيش على حوالات الخارج، ما يزيل على عاتق الحكومة المغربية ثقل تشغيل ورعاية ملايين المغاربة.

اقرأ/ي أيضًا: كيف يدفع المغاربة تكلفة تهرب الأغنياء من الضرائب؟

في حين لا تتعدى التحويلات المالية الموجهة نحو الاستثمار في البلاد نسبة 10% من إجمالي التحويلات، معظمها يتوجه نحو قطاع العقارات، وذلك بسبب البيروقراطية المعقدة والرشوة المتفشية، وغيرها من العقبات التي تقف في طريق المهاجرين الراغبين في الاستثمار ببلدهم الأم. 

يضاف إلى ذلك أن قسمًا واسعًا من المهاجرين لا يملكون عقلية المقاولة والاستثمار في القطاعات الأكثر تطورًا، مثل وسائل الإعلام والتكنولوجيا، ما يشير، من جهة أولى، إلى أن معظم المهاجرين لا يراكمون أي خبرة في بلدان المهجر رغم توفر الظروف، ومن جهة ثانية يعني ذلك أن البلد لا يستفيد بالشكل الأمثل من التحويلات المالية، طالما أن الأخيرة تذهب نحو الاستهلاك وليس الاستثمار والإنتاج.

ومع ذلك يبقى البعد الاجتماعي حاضرًا بقوة، يظهر في التضامن الاقتصادي الذي يبديه المهاجرون المغاربة تجاه أهاليهم القاطنين في أنحاء المدن والقرى الفقيرة، في الوقت الذي تنهمك فيه النخبة الفاسدة من الأثرياء والسياسيين بالبلاد في تهريب الأموال نحو الخارج، بمعدل أربع مليارات دولار سنويًا، وفق تقرير منظمة النزاهة العالمية.

لكن الاستفادة الأكبر التي تتحصل عليها الدولة من وراء التحويلات المالية، هي تأمين احتياطي النقد الأجنبي، إذ تمثل تحويلات المهاجرين المغاربة المصدر الثاني للعملة الصعبة، التي يتم ضخها في خزينة الدولة، وبدونها لكان الاقتصاد الوطني يواجه تهديد الإفلاس التام، إذ لا يملك المغرب عادة سوى احتياطي نقد أجنبي يكفي لأشهر معدودة فقط.

تخفي التحويلات المالية الضخمة إلى المغرب، حقيقة مُرّة، وهي أن البلاد باتت ببيئة طاردة بسبب ظروف الفقر والقهر

وإذا كانت التحويلات المالية الضخمة تمثل منحة سهلة للحكومة المغربية وملايين المواطنيين في نفس الآن، فإنها تخفي وراءها حقيقة مرة، وهي أن البلاد صارت بيئة طاردة بسبب ظروف الفقر والقهر، حتى أصبح خمس سكان المغرب مشتتين في دول العالم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

البنوك الإسلامية في المغرب.. هل من إفادة؟

مديونية خارجية متفاقمة تنهك ميزانية المغرب