21-يونيو-2017

ينعكس التهرب الضريبي سلبيًا خاصة على فقراء المغرب (فيليب ديسماسازس/أ.ف.ب)

التهرب الضريبي في المغرب بالأرقام

ربما يكون التهرب من أداء الضرائب في كثير من الدول سلوكًا استثنائيًا، لكن في المغرب يعتبر التهرب الضريبي نشاطًا طبيعيًا كما تظهر الأرقام، فبحسب المدير العام السالف لمديرية الضرائب بوزارة المالية والاقتصاد، نور الدين بن سودة، فإن حوالي %60 من الشركات الخاصة لا تدفع ما عليها من الضرائب، مُكبّدة ميزانية الدولة خسائر مالية تقدر بـ30 مليار درهم سنويًا، أي ما يعادل %8 من الدخل الإجمالي الخام في المغرب.

يعتبر التهرب الضريبي في المغرب نشاطًا منتشرًا إذ حوالي %60 من الشركات الخاصة لا تدفع ما عليها من ضرائب مُكبدة الدولة خسائر كبرى

إلى جانب ذلك، يحتل المغرب المرتبة 34 عالميًا لأكثر الدول تهريبًا للأموال خارج البلاد، وفق منظمة النزاهة المالية العالمية، التي أعدت دراسة في هذا الصدد بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، رصدت فيها حجم الأموال المهربة في 149 بلدًا على مستوى العالم خلال الفترة ما بين 2004 و2013، حيث نالت المملكة نصيب 41 مليار دولار أمريكي من الأموال التي تم تهريبها في مدة عقد من الزمن، وهو ما يعني أن المغرب خسر ملايين الدولارات كضرائب مقتطعة، هذا إن كانت أصول هذه الأموال المهربة شرعية.

ليس هذا فحسب، بل أيضًا تكشف دراسة منظمة النزاهة المالية العالمية أن المغرب سجّل عن طريق تزوير الفواتير على مستوى التجارة الخارجية فرقًا بقيمة 38 مليار دولار  بين الأرقام الحقيقية والأرقام المزيفة، أي أن الفائض المالي غير المسجل كان مصيره النهب، تهربًا من أداء الضرائب المستحقة على الفواتير الحقيقية.

فضلًا عن أن المنظومة الضريبية المغربية برمتها تعرف اختلالات حادة تناقض مبدأ العدالة، فعلى سبيل المثال تمنح امتيازات ضريبية واسعة لمالكي الأراضي الفلاحية الكبار، مثلما يحظى قطاع العقار بـ%22.1 من الإعفاءات الضريبية، بما يصل إلى 700 مليون دولار، علاوة على أن هناك قطاعات غير مهيكلة لا تؤدي الضريبة، بالرغم من أرقامها السوقية العالية كتجارة الحشيش.

اقرأ/ي أيضًا:  نساء التهريب المعيشي في المغرب.. "الإذلال" كمهنة

أساليب التهرب الضريبي

تهريب الأموال هو واحد من الطرق الشائعة التي يلجأ إليها أثرياء المغرب من أجل التهرب من الضرائب، كما أظهرت فضيحة "أوراق بنما"

يلجأ المتهربون من الضريبة بالمغرب إلى أساليب ملتوية للتحايل على القانون من أجل النفاذ دون أداء مستحقات الدولة، يُسعفهم في ذلك الفساد المستشري في دواليب السلطة، وضعف كفاءة النظام الجبائي في المملكة، ولاسيما في ظل غياب حرية الوصول إلى المعلومات المالية للشركات الوطنية ومؤسسات الدولة من طرف الصحافة.

تهريب الأموال هو واحد من الطرق الشائعة التي يلجأ إليها أثرياء المغرب من أجل التهرب من الضرائب، كما تظهر التسريبات المالية المتتالية، والتي كان أبرزها فضيحة "أوراق بنما"، حيث تتم الاستعانة بشركات مجهولة الإسم (الأوفشور) لتمرير الأموال إلى البنوك الخارجية، ويُقدر متوسط التهريب في المغرب بأربعة مليارات دولار سنويًا، وفق منظمة النزاهة المالية العالمية.

ثم إن الكثير من رجال الأعمال المغاربة يحجمون عن الإفصاح على المداخيل الحقيقية لشركاتهم للحيلولة دون أداء الضريبة، ويُذكر أن %60 من الشركات المغربية البالغ عددها 278 ألفًا تصرح بالخسارة، حيث لا يمكنها تسديد الضريبة في هذه الحالة، ما يعني أن ميزانية الدولة تحرم من ضرائب ما يفوق عن 166 ألف شركة.

بالإضافة إلى ذلك، يتم اللجوء أيضًا للتهرب من الضريبة إلى التلاعب بالفواتير من خلال تزويرها أو تضخيمها أو التقليل منها، بهدف تخفيض المستحقات الضريبية الواجب أداؤها لصالح الدولة، ناهيك عن استغلال الثغرات القانونية في المنظومة الضريبية، التي تحابي الأغنياء والبرلمانيين، بعدم فرض ضريبة الثروة كما تفعل البلدان المتقدمة.

اقرأ/ي أيضًا:  وثائق بنما اللبنانية.. "شو وقفت عليهن"؟

تداعيات التهرب الضريبي بالمغرب

تعتمد أي دولة في تمويل ميزانيتها بالأساس على الضرائب، وذلك مقابل أن تقدم الحكومة خدماتها العمومية للمواطنين، من أمن وصحة وتعليم وسكن، ولذلك تجتهد البلدان في بناء منظومات فعالة لاستخلاص جباياتها المستحقة، وإن اقتضى الأمر متابعة نجوم الرياضة والغناء أو السياسيين الكبار أو حتى الشركات الضخمة نفسها، بيد أنه في المغرب يستمر مسلسل التهاون في مواجهة التهرب الضريبي، بالرغم من توصية صندوق النقد الدولي للمملكة منذ سنة 2011 بإصلاح النظام الجبائي.

الشيء الذي قلّص قدرة الدولة في تعبئة الموارد وتوفير الإيرادات اللازمة لتمويل النفقات العمومية، وبالتالي حصول المواطنين على خدمات عديمة الجودة، وهو ما يعرفه المغاربة اليوم مع قطاعات عدة، كالشأن في الصحة، حيث لا يجد المرضى مستشفيات مجهزة بأطر كفؤة تقدم علاجًا، وفي التعليم الذي يتجه نحو الخوصصة شيئًا فشيئًا بعدما تبين فشل المدرسة العمومية.

فضلاً عن أن التهرب الضريبي من قبل الأثرياء يقود الدولة، من جهة أولى، إلى رفع الضرائب على الطبقات الشعبية في المواد الغذائية والكهرباء والماء من أجل تعويض نقص تمويل الميزانية، ومن جهة ثانية، إلى نهج سياسات تقشفية تظهر في تقليل الوظائف الحكومية وهزالة الإنفاق العمومي.

وبذلك يساهم التهرب الضريبي بالمغرب في اغتناء النخب المالية المُتهربة من أداء مستحقات الدولة على حساب الفقراء، الذين يدفعون في الأخير ثمن نقص تمويل الميزانية الحكومية، وهو ما نبّه إليه صندوق النقد الدولي في الأيام الأخيرة بإصلاح النظام الضريبي في المغرب، من خلال إقرار الموارد البشرية المؤهلة والترسانة القانونية اللازمة لاستخلاص الجبايات الحكومية، لكن لا يبدو أن هناك إرادة سياسية حقيقية لعمل ذلك حتى الآن.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

5 لاعبين من برشلونة متهمين بالتهرب الضريبي

هوامش تونس.. جحيم التهريب ولا جنة الدولة