13-مايو-2017

سوق شعبي في فاس (ديفيد كوردوفا/Getty)

يستعد المغرب لتعويم عملته المحلية مع بداية شهر حزيران/ يونيو المقبل، وسط مخاوف من التداعيات الاقتصادية لهذه العملية، التي قد تؤثر بالسلب على المواطنين كما حصل في مصر، إلا أن البنك المركزي المغربي يصر على أهمية الخطوة بالنسبة لاقتصاد البلاد، ويطمئن المواطنين والمقاولات الوطنية بقدرته على التحكم في المخاطر الناجمة عن تحرير الدرهم المغربي.

مع ضغوطات صندوق النقد الدولي وتآكل احتياطي العملة الصعبة، يتجه المغرب إلى تحرير عملته المحلية والانتقال إلى نظام الصرف المرن

ماذا يعني تعويم الدرهم؟

في ظل نظام العولمة الاقتصادية السائد، يحتاج كل بلد في العالم إلى البلدان الأخرى من أجل استيراد الحاجيات التي يفتقدها سوقه المحلي، مما جعل الحاجة إلى أداة ربط بين أسعار السلع في الاقتصاد المحلي وأسعارها في السوق العالمي من أجل تيسير التجارة الخارجية، هذه الأداة هي ما يسمى بسعر الصرف.

ويتحدد سعر الصرف إما عن طريق ربط العملة المحلية بالعملات المرجعية، كالدولار واليورو، بقيم محددة سلفًا، أو من خلال ترك سعره متداولاً بشكل حر في السوق وفق قانون العرض والطلب. وعادة ما تلجأ بلدان العالم الثالث إلى الطريقة الأولى لتحديد سعر الصرف، كونها أكثر أمانًا بالنسبة للاقتصادات الهشة.

اقرأ/ي أيضًا: تعويم الدرهم المغربي.. شروط خارجية ومخاوف داخلية

المغرب واحد من هذه البلدان التي تفرض أسعارًا محددة سلفًا للصرف اعتمادًا على العملات المرجعية، حيث يساوي الدرهم المغربي %60 من اليورو، و %40 من الدولار، ومن ثمة تتحدد قيمة الدرهم المغربي تناسبيًا مع ارتفاع أو انخفاض اليورو والدولار، لكن مع ضغوطات صندوق النقد الدولي وتآكل احتياطي العملة الصعبة، يتجه المغرب إلى تحرير عملته المحلية والانتقال إلى نظام الصرف المرن، حيث سيفك الدرهم المغربي ارتباطه بسلة العملات ليصبح متداولا حسب القيمة التي يحددها السوق وفق العرض والطلب.

وكان من المفترض للمغرب، كما كان مسطرًا من قبل، أن يبدأ تحرير عملته منذ بداية العام الجاري، إلا أن الذعر الذي أثارته تداعيات تعويم الجنيه المصري على المستوى العربي والدولي، اضطر البنك المركزي المغربي إلى إرجاء العملية حتى النصف الثاني من هذا العام، حيث سيشرع في تعويم الدرهم المغربي بشكل تدريجي على مراحل قد تستغرق أعوامًا، مثلما صرح والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري، قبل الوصول إلى التحرير الكامل.

تبدأ المرحلة الأولى بفرض الدولة حدودًا عليا ودنيا لسعر صرف الدرهم، وتتدخل في حالة تجاوزها، ثم تأتي بعدها المرحلة الثانية حيث سيتم تعويم العملة المحلية بشكل تام، وتصير خاضعة لقانون العرض والطلب. ومن خلال هذه الخطة التدريجية يطمئن بنك المغرب المغاربة بمحدودية مخاطر تحرير الدرهم، مستبعدًا لقاء مصير مصر، التي انهارت عملتها المحلية أمام الدولار بعد التعويم.

ما تداعيات تحرير الدرهم على المواطنين المغاربة؟

كان من المفترض أن يبدأ تحرير الدرهم المغربي مع بداية العام الجاري إلا أن الذعر الذي أثاره تعويم الجنيه المصري ساهم في تأخير الأمر

يَعتبر خبراء صندوق النقد الدولي تحرير العملة إحدى الخطوات الضرورية بالنسبة للاقتصادات الساعية للنمو، إذ تغدو أكثر انفتاحاً وشفافية وتزيد قدراتها التنافسية عندما تتحدد قيمة العملة حسب العرض والطلب في السوق، ويصبح الاقتصاد قابلاً للنمو بصورة أكثر واقعية.

لكن رغم ذلك تهدد الاقتصادات الهشة، جراء تعويم العملة، مجموعة من المخاطر التي تؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين، كما حصل مع مصر، التي فقدت عملتها المحلية (الجنيه المصري) %35 من قيمتها الشرائية، ما يجعل احتمال خطر تحرير الدرهم المغربي قائمًا على المواطنين المغاربة رغم تطمينات البنك المركزي المغربي.

يعمل تحرير سعر الصرف على زيادة الربح على مستوى الصادرات، لأن الطلب يزداد على العملة المحلية من الخارج مقابل حيازة الدولار واليورو، لكنه في نفس الآن يرفع الخسارة على مستوى الواردات، التي تسدد بالعملات الصعبة، وبالتالي فإن البلدان التي تفتقد القدرات التنافسية على مستوى الإنتاج والتصدير، تتعرض عملتها المحلية للانهيار.

اقرأ/ي أيضًا: رفع الدعم عن المواد الأساسية.. هل هلع المغاربة مشروع؟

وفي هذا الصدد، يعتبر المغرب بلدًا من ذوي القدرات الاقتصادية المحدودة، لا يمكنه منافسة الاقتصادات العظمى والصاعدة على مستوى التجارة العالمية، كما أن ميزانه التجاري يعاني عجزًا يصل إلى 184 مليار درهم، حيث تستورد المملكة أكثر بكثير مما تصدر إلى الخارج، بالإضافة إلى أن احتياطات المغرب من العملة الصعبة لا تتعدى 25.25 مليار دولار، بما يكفي لشراء واردات البلاد من السلع والخدمات لمدة 7 أشهر فقط.

وفي هذه الحالة، سيقود تحرير الدرهم المغربي حتمًا إلى انخفاض سريع لقيمته السوقية أمام الدولار واليورو نتيجة ارتفاع الواردات عن الصادرات، وهو ما سيؤدي إلى إضعاف القدرة الشرائية للمواطنين المغاربة ورفع الأسعار في الأسواق المحلية، هذا ما يطلق عليه الاقتصاديون بتضخم الاستيراد.  

لكن بالمقابل، من شأن انخفاض قيمة العملة المحلية للمغرب، وهي الدرهم المغربي، أن يشجع السياح الأجانب والمستثمرين من البلدان المتقدمة على القدوم إلى المملكة، للتكاليف الرخيصة المتاحة في البلاد بالنسبة لحاملي الدولار واليورو، العملات الصعبة التي ستصبح بعد تحرير الدرهم مضاعفة للعملة المحلية بكثير مما هو عليه الآن. وبالتالي إنعاش سوق السياحة وتوفير مزيد من فرص الشغل.

ومع ذلك، يبقى أمل ازدهار سوق السياحة والاستثمارات في المغرب بعد تحرير الدرهم هدفًا غير مضمون، باعتبار أن هذين القطاعين يرتبطان أيضًا بالاستقرار وشفافية السوق داخل البلد، ولأن المغرب ليس بلدًا مستقرًا بالشكل الأمثل، بل تتهدده الاضطرابات الاجتماعية والأخطار الإرهابية، علاوة على الفساد المالي المستشري، لا يمكن توقع نمو مبالغ فيه للسياحة والاستثمارات في البلد.

اقرأ/ي أيضًا:

3 أسئلة نخجل من طرحها حول المال.. لحظة ما هو المال؟!

الجفاف كابوس الاقتصاد بالمغرب