25-يوليو-2020

ارتبط اسم سعد الجبري بولي العهد السابق محمد بن نايف (تويتر)

ألترا صوت – فريق التحرير

كشف تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن محاولات عديدة قام بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بشكل شخصي، لإقناع مسؤول الاستخبارات السعودي السابق سعد الجبري بالعودة إلى الرياض، سواءً عبر إغرائه بوظيفة جديدة في إدارة ابن سلمان، أو من خلال تهديده بتعميم اسمه على قائمة المطلوبين للشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول)، والضغط عليه باعتقال أولاده الاثنين، وهو ما يسلط الضوء لأول مرة على حجم الضغوط التي مورست ضد الجبري لإجباره على العودة إلى الرياض.

تشير نيويورك تايمز إلى أن اسم الجبري ارتبط بقصة الصعود والسقوط لولي العهد السابق ووزير الداخلية السابق محمد بن نايف

وقالت الصحيفة الأمريكية في تحقيقها إنه بعدما راجعت وثائق ورسائل نصية متبادلة بين ابن سلمان والجبري تُبيّن أن الأمير السعودي حاول جاهدًا إعادة الجبري إلى الرياض، مشيرةً إلى أن ابن سلمان كتب رسالة نصية إلى الجبري يقول فيها: "أنت متورط في كثير من حالات الفساد الكبرى التي تم إثباتها.. لا توجد دولة في العالم ترفض تسليمك".

اقرأ/ي أيضًا: "السجن ثمن التغريدة".. حملة جديدة من الاعتقالات تطال نشطاء وكتابًا سعوديين

وتشير الصحيفة إلى أن اسم الجبري ارتبط بقصة الصعود والسقوط لولي العهد السابق ووزير الداخلية السابق محمد بن نايف، في إشارة للانقلاب الأبيض الذي نفذه ابن سلمان داخل القصر الملكي في الرياض في حزيران/يونيو من العام 2017، أطاح من خلاله بابن نايف، إضافةً للمسؤولين والأمراء والشخصيات المقربة من ابن نايف، أو التي تختلف مع سياسة ابن سلمان.

وأضافت الصحيفة بأنه بعدما استعرضت عددًا من الرسائل النصية بين ابن سلمان والجبري حصلت عليها من شركة المحاماة نورتون روز فولبرايت الكندية التي يتعاون معها الجبري، فضلًا عن وثائق الإنتربول الخاصة بقضية الجبري، تبيّن أن ابن سلمان بعث أول رسالة نصية للجبري في 18 حزيران/يونيو 2017، يطلب منه العودة لنقاش قضية تخص ابن نايف، يقول فيها: "أريد أن أشرح لك ما الذي حدث مؤخرًا والاتفاق معك حول استراتيجية لمعالجة كل تلك الإشكاليات".

وتضيف نيويورك تايمز بأن الجبري رد على ابن سلمان بالقول: "جاهز لقبول كل ما تأمرونني به"، ثم عاد ابن سلمان بإرسال رسالة جديدة يوضح فيها للجبري بأنه يريد منه حضور اجتماع ثلاثي مع ابن نايف "حتى يكون بوسعنا التصالح وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه"، فرد الجبري على الرسالة في 20 حزيران/يونيو يخبر ابن سلمان بصعوبة عودته بسبب خضوعه للعلاج الطبي، ليجيبه ابن سلمان بالقول إن سبب استدعائه ناجم عن "الحاجة الماسة إلى مساعدته".

في اليوم التالي أطاح ابن سلمان بولي العهد السابق ابن نايف، وأمر بوضعه قيد الإقامة الجبرية، إضافةً لإصدار أمر بحظر أولاد الجبري من السفر، وتشير الرسائل النصية وفقًا لما ورد في التحقيق الصحفي إلى أن الجبري بعد منع أولاده من السفر كتب متعهدًا بالولاء لابن سلمان، غير أن الأمير السعودي رد عليه يشجعه على العودة بالقول: "حينما تعود بالسلامة، سأشرح لك خلفية المشكلة... ما زلت أحتاجك من أجل التعامل مع أي شخص يحاول خلق الفوضى والمشاكل".

يتضح من تحقيق الصحيفة الأمريكية أن الجبري بعث أكثر من رسالة – في أوقات مختلفة – لابن سلمان يطلب فيها السماح لأولاده بالسفر لاستكمال تعليمهم، وكان يرد عليه الأمير السعودي بطلب العودة لأنه يريد "شرح خلفية الأمور"، مشيرةً إلى أن ابن سلمان ربط في نهاية المطاف عودة الجبري برفع الحظر عن أولاده بقوله: "أريد حل هذه المشكلة المتعلقة بابنك وابنتك، لكن هذا الملف حساس (قضية ابن نايف) هنا"، وتابع مضيفًا "أريد رأيك فيه، ومعلومات منك تخصه.. أريد أيضًا أن أصل إلى تفاهم معك في ما يخص وضعك المستقبلي وماذا ستكون التفاصيل"، مما اضطر الجبري إلى السفر من تركيا إلى كندا في عام 2017.

على خلفية فشل محاولات ابن سلمان الحثيثة بإقناع الجبري بالعودة إلى الرياض، كما يظهر تحقيق الصحيفة الأمريكية، أصدر أمرًا للسلطات السعودية بتقديم إخطار للإنتربول يطلب من الدول الأخرى المساعدة بإلقاء القبض عليه، إلا أن الإنتربول رفض الطلب السعودي مشككًا بالتزام الرياض بالإجراءات القانونية واحترام حقوق الإنسان في التحقيق بشأن قضايا الفساد، ووصف الطلب بأنه قدم بناء على "دوافع سياسية"، ما يعتبر انتهاكًا لقواعد الإنتربول مما دفعهم لإزالة اسم الجبري من النشرة الدولية.

وبعد الحملة التي أدت لاعتقال ما لا يقل عن 20 أميرًا، بمن فيهم ابن نايف، والأمير  أحمد بن عبد العزيز آخر أشقاء العاهل سلمان ممن لا يزالون على قيد الحياة، بذريعة تهم مرتبطة بالفساد والتخطيط لانقلاب داخل القصر الملكي، قامت السلطات السعودية باحتجاز عمر (21 عامًا) وسارة (20 عامًا)  أبناء الجبري بالإضافة لشقيقه الأكبر خالد الجبري، وسط تأكيدات من العائلة بأنهم لم يتواصلوا مع الأسماء الثلاثة منذ تاريخ اعتقالهم، بعدما منعهم من السفر منذ حزيران/يونيو 2017.

بينما كانت وسائل إعلام سعودية محلية تعتبر من الوسائل النافذة، والمؤيدة لسياسات ابن سلمان داخل البلاد، قد أعادت نشر تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية ينقل على لسان مسؤولين سعوديين وجود وثائق حكومية، تشير إلى أن الجبري متهم بإدارة شبكة من المسؤولين أهدرت ملايين الدولارات الأمريكية من أموال الحكومة السعودية المخصصة ضمن صندوق يتبع في مصروفاته لوزاة الداخلية خلال فترة رئاستها من قبل ابن نايف.

وتنوه الصحيفة الأمريكية إلى أن المعلومات الأخيرة تأتي وسط مخاوف بشأن صحة الملك سلمان بن عبد العزيز (84 عامًا)، الذي من الممكن أن تدفع وفاته ولي العهد إلى تولي العرش في بلاده لعقود، وذلك بعدما أشارت وسائل إعلام سعودية إلى دخول الملك المستشفى، حيثُ أجريت له عملية مرارة بنجاح، ومنذ استلم الملك سلمان الحكم في عام 2015، سيطر نجله ابن سلمان على الجيش والاقتصاد والسياسات الاجتماعية، واستهدف الناقدين والمعارضين بالاعتقال والمحاكمات والمنع من السفر.

كما تقول نيويورك تايمز إن أساليب ابن سلمان الاستبدادية لفتت انتباه المجتمع الدولي، بعدما قام عملاء سعوديين باغتيال وتقطيع جثة الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول في عام 2018، فضلًا عن أن تحركات الرياض لاعتقال الجبري لفتت انتباه المسؤولين الأمريكيين، على اعتبار أن الجبري كان واحدًا من الشركاء الاستخباراتيين القيمين لواشنطن.

تقول نيويورك تايمز إن أساليب ابن سلمان الاستبدادية لفتت انتباه المجتمع الدولي، بعدما قام عملاء سعوديين باغتيال وتقطيع جثة الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول

وكان أربعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي قد بعثوا برسالة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب يشيرون فيها إلى أن الجبري "حليف قريب للولايات المتحدة وصديق"، وأنه يقع على واشنطن "واجب أخلاقي لعمل ما يمكن عمله لمساعدته وتأمين الإفراج عن ولديه"، مشددين على أن "استخدام حكومة (السعودية) أساليب كهذه أمر بغيض ويجب الإفراج عنهما حالًا".