أصدرت "دار مدارات للأبحاث والنشر" في القاهرة، حديثًا، كتاب "الفصل بين الدين الدولة في الإسلام المبكر" للمستشرق الأمريكي أيرا م. لابيدوس، ترجمة أحمد محمود إبراهيم، الذي يسلط فيه الضوء على طبيعة علاقة الدين بالدولة في الممارسة التاريخية عند المسلمين، ويبيّن أثر هذه العلاقة، من عدمه، في بناء الدولة القومية الحديثة.
يتناول لابيدوس في كتابه علاقة الدين بالدولة في الإسلام، ويبيّن أثر هذه العلاقة، من عدمه، في بناء الدولة القومية الحديثة
يسعى لابيدوس، عبر ثلاث دراسات متواشجة يتألف منها الكتاب، إلى الإجابة على سؤال: كيف كانت العلاقة بين الدين والدولة في الأزمنة الكلاسيكية، وما الذي يمثّله ميراث الإسلام المبكر للمجتمعات الإسلامية فيما تلا ذلك من عصور؟ كما يحاول أيضًا إزالة الغموض الذي اتسمت به هذه العلاقة، إذ يشير في دراسته الأولى "العصر الذهبي: المفاهيم السياسية للإسلام"، إلى أن هذا الغموض مرده إغفال أن الإسلام عرف، منذ قرونه الأولى، نموذجين متباينين للحكم.
يتألف النموذج الأول من دولة ومجتمع متكاملين وموحدين تحت القيادة السياسية والأخلاقية التي تمتع بها النبي وخلفاؤه الراشدون من بعده. بينما يحيل النموذج الثاني إلى مجتمع منقسم بين الدولة ونخبها السياسية من جهة، والمؤسسة الدينية ونخبها المدنية من جهة أخرى.
ويرى لابيدوس أن أثر النماذج الإسلامية التاريخية على تشكل الدولة القومية، في العصر الحديث، ضئيلٌ جدًا. وأن الدول الإسلامية التي تجاهر بطابعها الإسلامي، ليست إلا دولًا قومية معاصرة تستند إلى مفهوم جديد لإسلام الدولة القومية.
وتحت عنوان "الدين والدولة في المجتمعات الإسلامية"، يبحث لابيدوس في دراسته الثانية في الالتباس الذي شاب دراسة العلاقة بين الدولة والدين في الإسلام، وسوء الفهم الذي أحاط بهذه القضية. كما يسعى إلى تفسير ظهور الأنماط الإسلامية الرئيسية في مسألة العلاقة بين الدين والدولة، بهدف تقديم فهم شامل وغير متحيّز لتاريخ العلاقة بينهما في الدول الإسلامية.
يسعى لابيدوس في كتابه إلى تقديم فهم شامل وغير متحيّز لتاريخ العلاقة بين الدين والدولة في الدول الإسلامية
ويلفت المستشرق الأمريكي إلى وجود تباين ملحوظ بين الدولة والمؤسسات الدينية في المجتمعات الإسلامية، وإلى أنه لا يوجد نموذج إسلامي وحيد للدول والمؤسسات الدينية، وإنما نماذج عديدة متباينة وغامضة نتيجة عدة عوامل، أهمها اتصالها أو ارتباطها بمسائل تتعلق بتوزيع السلطة، وماهية الوظائف، والعلاقة بين المؤسسات.
أما الدراسة الثالثة والأخيرة "الفصل بين الدين والدولة في تطور المجتمع الإسلامي المبكر"، فقد خصصها للإجابة على ثلاثة أسئلة: ما العلاقة بين الدين والدولة في الإسلام؟ وكيف كانت هذه العلاقة في الأزمنة الإسلامية الكلاسيكية، على وجه الخصوص؟ وما هو ميراث الإسلام المبكر بالنسبة للمجتمعات الإسلامية فيما تلا ذلك من عصور؟