25-يناير-2024
الروائية كاملة شمسي

الروائية الباكستانية كاملة شمسي

لا شك أن للكتابة سحرًا وسطوة على الخيال والذائقة، والقراءة تفتح للقارئ عوالم المجهول وتروي عطشه بمعايشة تجارب لشخصيات خاضت في الحياة صعودًا وهبوطًا، فيفرح لفرحها ويحزن لحزنها، ويغضب منها ويشفق عليها. وكل ذلك أو معظمه ما كان لولا الترجمة التي فتحت آفاقا للقراء للاطلاع على أهم الكتابات الروائية الإنسانية والفكرية، التي تجود بها أقلام حتى من لا يقاسمونه اللغة ولا الموروث ولا الجغرافيا، فكيف بهم وهم يقاسمونه تلك العوامل. هذا المقال يأخذ القارئ في جولة متواضعة لمحاولة التعريف بكاتبة من أبرز الكتاب الباكستانيين- البريطانيين، نالت كتاباتها شهرة عالمية، لأسلوبها الروائي الحساس ولغتها العذبة، ولتناولها قضايا إنسانية شائكة تؤرق الإنسان، وتفتح عينيه على الأسئلة الصعبة. 

 

نشأة روائية واعدة

ولدت الكاتبة الباكستانية- البريطانية، كاملة شمسي في الثلث الأول من سبعينات القرن الماضي 1973، في كراتشي باكستان، ضمن وسط ثقافي أدبي رفيع، يضم العديد من الكاتبات، كوالدتها منيزة شمسي الصحفية والمحررة، وخالتها عطية حسين الكاتبة، وجدتها كاتبة المذكرات، على خلاف السائد في ذلك الوقت.

تلقت تعليمها في مدارس باكستان، ثم أكملت تعليمها في الولايات المتحدة ضمن تبادل ثقافي للطلاب، ونالت شهادة البكالوريوس في الكتابة الإبداعية من كلية هاملتون، وأكملت دراستها حتى نالت الماجستير من برنامج الفنون الجميلة للشعراء.

تقيم كاملة شمسي في المملكة المتحدة حاليًا، وتحمل جنسيتها، وانعكس تعدد الهُوية هذا على أعمالها، فجاءت رواياتها تعبيرًا عن هذا التمازج الثقافي بكل ما فيه من مزايا وتناقضات.

الكاتبة كاملة شمسي
كاملة شمسي

أبرز مؤلفات كاملة شمسي

كتبت شمسي العديد من الروايات، ونشرت روايتها الأولى: في المدينة المطلة على البحر، حين كانت في الـ 25 من عمرها وذلك عام 1998، ولاقت أصداء إيجابية من النقاد والجمهور، ثم تلتها رواية ملح وزعفران عام 2000، ورسم الخرائط 2002، ومن ثم أشعار مكسورة 2005 أما أبرز رواياتها والتي نقلتها إلى العالمية وتُرجمت إلى عدة لغات، وكانت بداية انطلاقة شهرة واسعة لكاملة شمسي، فهي رواية الظلال المحترقة 2009، وقد بيع منها ما يقارب الـ20 مليون نسخة حول العالم. لاحقًا بعد 5 سنوات نَشرت روايتها إله في كل حجر، ثم الرواية الثانية التي تُرجمت إلى العربية وهي نار الدار، وأخيرا رواية الصديقتان 2022.

يُذكر أن رواية الظلال المحترقة من ترجمة إيمان حرز الله وصدرت عن دار بلومزبري، مؤسسة قطر للنشر، 2012. أما نار الدار ورواية الصديقتان فكانتا من ترجمة الحارث النبهان، عن دار التنوير.

تم إدراج شمسي ضمن قائمة مجلة جرانتا لأفضل 20 كاتبًا بريطانيًا شابًا، ووصفت في صحيفة نيو إنديان إكسبريس بأنها "روائية يحسب لها حساب ونتطلع إليها".

تتناول رواياتها (خاصة الروايات الأربع الأولى) هاجس الهجرة والتباين الثقافي بين المهاجرين ومجتمعاتهم الجديدة، وما يفرضه ذلك من قيود على الهوية، وما يخلقه كذلك من فرص للتعايش والاندماج، ويُذكر أنها ألقت محاضرة عام 2018، بعنوان "بريطانيا غير لائقة: المواطنة والهجرة وتحويل الحقوق إلى امتيازات" في جامعة كوليدج لندن.

 

رواية ظلال محترقة

وصفت الرواية وفقًا لصحيفة الغارديان: "تتابع في رواية ظلال محترقة العوالم المتنافرة والمحسوسة بجلاء، فتبوح بأثر الماضي المشترك، وترصد المآسي الكبيرة بعين الخسارة الفردية.."

تعد رواية ظلال محترقة من أروع ما كتبت كاملة شمسي، فهي رواية ملحمية تمتد بخط زمني لأكثر من نصف قرن، خلال فترة الحرب العالمية الثانية، وصولًا إلى أحداث سقوط برجي التجارة العالميين في الحادي عشر من سبتمبر.

تعبر الرواية بالقارئ خلال رحلة أليمة مع البطلة في ناجازاكي اليابانية بعد سقوط القنبلة الذرية على المدينة وسحقها، مرورًا بالانقسامات التي تعرضت لها الهند البريطانية واستقلال باكستان الجديدة في 1947، ومنها إلى معسكرات اللاجئين الأفغان، ثم إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

تقع فتاة يابانية (هيروكو) في حب رجل ألماني يُقتل بسبب القصف على ناجازاكي، بينما تنجو هي مع حروق في ظهرها، لتنتقل إلى دلهي للبحث عن شقيقة حبيبها، وتتوطد علاقتهما. وهناك تلتقي بالشاب المسلم سجاد أشرف فتفتح قلبها له، ويتزوجان وينجبان رضا، ثم يضطران إلى الانتقال إلى باكستان، وهكذا فقد سجاد دلهي كما فقدت هيروكو من قبله مدينتها ناجازاكي.

هذه رواية ملحمية محفوفة بالأسئلة الشائكة، عن المكان والهوية واختلاف الثقافات وتقاطع المصائر. في محاولة بديعة لعبور الخط الفاصل بين وحشية الحرب وإنسانية البشر.

جدير بالذكر أن الظلال المحترقة وصلت إلى القائمة المختصرة لجائزة أورنج للرواية، وفازت بجائزة أنيسفيلد-وولف للكتاب الخيالي.

 

رواية نار الدار

"قصة قوية عن تعقيدات الحب والأسرة والدولة في زمن الحرب" بي بي سي

الثيمة الأساسية لرواية نار الدار تتلخص في مواجهة سؤال: ما هي التضحيات التي يمكن أن نبذلها باسم الحب؟

تأتي محاولة الإجابة من خلال عرض حياة الشخصيات وما يمرون به من ألم الخيانة، خيانة الذات والرابط الأخوي وخيانة الهوية.

تتحدث الرواية عن عائلة مهاجرة تضم ثلاثة إخوة لرجل له تاريخ جهادي، وقضى نحبه في الطريق إلى غوانتانامو، الشخصية الأساسية في الرواية عصمت، وهي الأخت الكبرى تسافر إلى أمريكا ولا تكف عن القلق على أختها أنيقة التي تسكن في لندن، وأخيها برويز الذي يقرر الانتساب إلى تنظيم جهادي، في سعي منه لاستكمال إرث والده، رغم أنه لا يعرف عنه شيئًا. لاحقًا تلتقي عصمت بابن عائلة مهاجرة له مطامح في العمل السياسي، ويحاول الحب أن يشق طريقه إليهما، لكن للظروف حكم آخر.

الرواية حساسة وشفيفة، تعرض فيها الروائية كعادتها أكثر القضايا حساسية، مسألة الهجرة وتداغم الهويات، والأحلام والطموحات في مواجهة الواقع

قيل عن الرواية في ببلشرز ويكلي "أنها تستحق أن تحظى بأعلى أوصاف المديح التى يمكن أن تقال في عمل أدبي، رواية تجعلك تفكر، محفزة ومقلقة"
 

يُذكر أن الرواية قد أدرجت في القائمة الطويلة لجائزة بوكر لعام 2017، وتم إدراجها أيضًا في القائمة المختصرة لجائزة IMPAC دبلن الأدبية الدولية، وفي عام 2018 فازت بجائزة المرأة للرواية.

 

رواية الصديقتان

رواية الصديقتان آخر إصدار لكاملة شمسي، تعرض فيها الحب والولاء بين الأصدقاء، لكن ماذا لو وقعت الصداقة في الفخ؟

الرواية هذه أيضًا تروي حكاية ممتدة عبر سنوات من الصداقة بين مريم وزهرة، الصديقتان منذ الطفولة في مدينة كراتشي الباكستانية، تربت كل منها في عائلة تحمل قيمًا مختلفة، ولم يكن ذلك هو الاختلاف الوحيد، فالاختلافات بينهما أكثر مما يجمعهما. لكن ذلك لم يكن عائقًا أمام صداقة الفتاتين التي استمرت حوالي 30 عاما، واستقرّتا في لندن وصارتا ناجحتين.

لكن لا شيء يثبت أمام اختبار المبادئ، فهل تصمد الصداقة أم تنهدم.

نجحت الروائية في نسج العلاقة بين البنتين -والمرأتين لاحقًا- بخلق تفاصيل الصداقة الدافئة، ومنعطفات العلاقة بين محاولة لعدم ترك الاختلاف يحدث فجوة بينهما، وبين الفجوة التي ستطرأ لاحقًا
 

تكريمات وجوائز

إضافة إلى الاحتفاء الجماهيري من القراء المحليين والعالميين، نالت كاملة شمسي العديد من التكريمات والجوائز والترشيحات على أعمالها الروائية:

التكريمات والترشيحات:

  • 2011: انتخبت شمسي أستاذًا زميلاً في الجمعية الملكية للآداب. 
  • 2013: اعترف بها كواحدة من 100 امرأة على قائمة بي بي سي.
  • 2013: أدرج اسمها في قائمة جرانتا لأفضل 20 كاتبًا بريطانيًا شابًا.
  • 2015: أدرجت روايتها إله في كل حجر في القائمة القصيرة لجائزة والتر سكوت، ولجائزة بايليز النسائية للخيال.
  • 2016: لقد شاركت شمسي في فعاليات دولية مثل مهرجان كليفلاند للعلوم الإنسانية ومهرجان NGC Bocas Lit Fest في ترينيداد، في عام وهي راعية لمهرجان مانشستر الأدبي. 
  • 2017: انضمت إلى مركز مانشستر للكتابة الجديدة، إذ عملت كأستاذة في الكتابة الإبداعية.
  • 2021: انضمت كاملة شمسي كعضو في لجنة تحكيم جائزة جولد سميث.

 

الجوائز 

  • 1999: نالت جائزة رئيس الوزراء للأدب في باكستان عن روايتها في المدينة المطلة على البحر.
  • 2002: نالت جائزة باتراس بخاري من أكاديمية الآداب في باكستان.
  • 2005: نالت جائزة باتراس بخاري عن روايتها أشعار مكسورة.
  • 2010: نالت جائزة أنيسفيلد-وولف للكتاب عن فئة الخيال، عن رواية ظلال محترقة.
  • 2018: نالت جائزة المرأة للرواية، عن روايتها نار الدار.

كاملة شمسي في تكريم
صورة لكاملة شمسي في حفل جائزة بايليز النسائية للخيال.

 

موقف ثابت.. وجائزة نيللي ساكس المسحوبة

روائية باكستانية بجنسية بريطانية، تكتب بحرفية روائية لتوصل صوتها حول الحب والصداقة وروابط الأخوة، والتلاقح الثقافي وبناء جسور بين الشعوب، وذلك كان السبب الرئيس لتنال جائزة نيللي ساكس الألمانية، حتى تعلن مدينة دورتموند سحب الجائزة من الكاتبة في غضون أيام.

سبب سحب الجائزة كان حسب قول القائمين عليها، أن الكاتبة أعلنت مساندتها لحركة (BDS) السلميّة من أجل الحقوق الفلسطينيّة. وهي حركة تدعو إلى مقاطعة دولة الاحتلال وفرض عقوبات عليها وسحب الاستثمارات منها. وهي حركة صُنفت بأنها معادية للسامية.

إذن يمكن للروائي والمفكر والمثقف والفنان والإنسان أن يعلنوا اعتناقهم لمبادئ الخير والعدالة، طالما لا تتجاوز الإطار النظري والدعائيّ!

لاقت كاملة شمسي إثر سحب الجائزة دعمًا عالميًا وعربيًا، ومن منظمات يهودية تناصر الحركة، وكذلك أصدر اتحاد الناشرين العرب بيانًا يدعم فيه الكاتبة التي عبرت عن دعمها لقضية فلسطين العادلة. بالإضافة إلى أن حركات المقاومة في العالم العربي أدانت سحب الجائزة، إذ أشار العضو السياسي في حركة الجهاد الإسلامي إلى أن سحب الجائزة يتنافى مع حقوق الإنسان التي يتغنى بها الغرب، ويتعامل بازدواجية فيما يتعلق بالصراع مع الاحتلال.

رغم أن الكاتبة عبرت عن شعورها بالحزن لاستسلام لجنة التحكيم للضغوط التي يفرضها الكيان، واعتبار المنظمة معادية للسامية، إلا أن تلك الحادثة كانت سببًا في تسليط الضوء على الكاتبة وإنتاجها الأدبي في العالم العربي فتُرجمت لها 3 روايات.
 

كاملة شمسي روائية باكستانية، كتبت في أبرز الصحف وألفت أولى رواياتها باكرًا، لها أعمال عديدة حظيت بالاحتفاء من النقاد والقراء، وبرزت أعمالها وترجمت إلى لغات عالمية وترجمت لها 3 روايات إلى العربية. المقال يعرض محطات من حياتها في محاولة للتعريف بها وبأعمالها المترجمة.