30-يناير-2024
الإمام الشافعي الشاعر والفقيه

الإمام الشافعي.. الفقيه الشاعر

يعتبر الإمام الشافعي واحدًا من أهم الشخصيات الإسلامية التي أثْرت علم الفقه وبذلت في سبيل ذلك الكثير من الجهد والتعب والمشقة، وهو صاحب المذهب الشافعي، أحد المذاهب الأربعة المشهورة، فمن هو الإمام الشافعي، وما هي الرحلة التي استنفد فيها عمره ليصل إلينا أخيرًا بمذهبه الجديد؟

هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، أبو عبد الله القرشي الشافعي المكي، نسيب رسول الله وابن عمه.

 

ولادة الإمام الشافعي ونشأته

اتفق معظم المؤرخين على أن ولادة الإمام الشافعي كانت في غزة عام 150هـ، ارتحلت أمه به وهو في عمر السنتين إلى مكة المكرمة، ثم انتقل منها إلى المدينة المنورة. كما عرف عن الشافعي حبه للعلم ومواظبته على طلبه على يد شيوخ كبار ذوي شأن، ومنهم الشيخ مسلم بن خالد الزنجي. حفظ الشافعي القرآن الكريم وهو ابن 7 سنين، كما عُني بالأدب واللغة وكان عالمًا بلهجات العرب حافظًا للشعر، مما أجلى سليقته وأعلى من ذوقه، وعليه، فقد تميز بنبوغه منذ سن صغيرة جدًا، وقيل إنه أفتى بمسائل فقهية وهو ابن 18 عامًا.

بعد ذلك انتقل إلى المدينة المنورة طلبًا للعلم على يد الإمام مالك، وكان قد حفظ عنه الموطأ وهو ابن العاشرة.

وما بين اليمن والعراق، اجتهد الإمام الشافعي بعمله وطلبه للعلم في آن معًا، حيث كان طالبًا عند القاضي محمد بن الحسن الشيباني، وكان من أنجب طلابه وأجلاهم فطرة. 

نشأة المذهب الشافعي

في عالم التجديد والإبداع يقول المختصون: "تعلم طرق الآخرين لتبتدع طريقتك".

كان من الجلي كما أسلفنا نبوغ الإمام الشافعي وجلاء بصيرته وإدراكه لما يريده تمامًا، وكان من الجلي كذلك سيره على خطى مستبينة في خطة مدروسة بهمة طالب للعلم، وهَمّ معلّم مؤتمن على إيصال رسالته.

درس الشافعي مذهب الإمام مالك على يده في المدينة المنورة كما أسلفنا، وفي بغداد درس المذهب الحنفي، وهكذا فقد جمع الشافعي فقه الحجاز وفقه العراق معًا. وكانت هذه أولى الخطوات لنشأة مذهبه الخاص "المذهب الشافعي".

بداية نشأة المذهب الشافعي كانت عام 184هـ عندما ارتحل إلى بغداد لأول مرة، وأطلق عليه في ذلك الوقت اسم المذهب القديم.

ارتحل الشافعي بعد ذلك إلى مصر، وتعلم على يد الليث بن سعد وأخذ عنه الكثير، وبعد ذياع صيته في مصر، صار مصدر جذب لطلاب العلم والمستفتين، ومن هنا بدأ الشافعي بإرساء قواعد واضحة أكثر لمذهبه، وقد سمى تلك الفترة بالمذهب الجديد.

كان الحظ الأوفر لانتشار المذهب الشافعي من نصيب مصر، حيث عاش فيها بقية حياته حتى وفاته، على أن المذهب الشافعي انتشر في بقية البلدان خاصة مكة والمدينة المنورة والعراق، وذلك نظرًا لتنقل الإمام الشافعي بين هذه البلدان، حيث تلقى الطلاب في كل من هذه المدن العلم وتتلمذوا على يديه، فنقل من خلال ذلك مذهبه إليهم.

 

الشافعي حلقة وصل المذاهب الأربعة

ذكرنا إقامة الشافعي في المدينة المنورة وتلقيه العلم على يد الإمام مالك بن أنس صاحب المذهب المالكي، ثم انتقاله إلى العراق ودراسته للمذهب الحنفي، لذا فقد افتخر فيه أصحاب المذهب المالكي لكونه أنبغ تلاميذه، ويجله الإمام أحمد بن حنبل ويعتبره من شيوخه، وبدراسته للمذهب الحنفي كذلك يكون الشافعي حلقة الوصل بين المذاهب الأربعة المشهورة.

لم يتبنّ الشافعي كل ما جاء في المذهب المالكي ولا كل ما جاء في المذهب الحنفي، إلا أنه وازن بينهما واختار لنفسه طريقة مختلفة تتميز بالنزعة النقلية وانتصاره للدليل، وحدة ذكائه، واستخدامه للعقل في إقامة الحجة على الخصوم. وبسبب ما تميزت به كتابته في أصول الفقه، وبيان الخاص والعام، والمطلق والمقيد، والمجمل والمفصل كان للإمام الشافعي الأثر البالغ في نفوس المسلمين مما أعظم منزلته عندهم، ولهذا تعدد تلاميذ الشافعي والذي كان من أبرزهم الإمام أحمد بن حنبل صاحب المذهب الحنبلي.

 

محنة الشافعي ما بين ذكائه و مكر المحيطين

لم يكن الشافعي من علماء السلاطين، ولا ممن يسعون إلى رضاهم، لذا، ولما تولى نجران في اليمن كان قائمًا على شؤونها بالعدل، رافضًا للمتملقين الذين لا يرون من منصبهم إلا حظ النفس من الدنيا. كما كان ناصحًا للوالي ناقدًا له، كل هذا أثار سخط المحيطين به وعلى رأسهم الوالي في اليمن.

في ذلك الوقت وفي بلاد الرافدين كانت الدولة العباسية قد أرست قواعدها وبسطت نفوذها على حدود الدولة الإسلامية، والمطّلع على تاريخ الدولة العباسية ونشأتها سيعلم حتمًا ما كانت تكنّه من بغض للعلويين نظرًا لمنافستهم لهم على الخلافة، والتي رأى كلا الطرفين أحقيّته بها، ومن هنا، استغل الوالي في اليمن هذا الأمر لصالحه وأرسل إلى الخليفة في العراق يوشي بالشافعي ما ليس به من تعنته للعلويين ونصرته لهم.

أمر الرشيد بإحضار الإمام الشافعي إلى العراق ليمثل أمامه بتهمة خيانة الخليفة مع مجموعة من أنصار العلويين، فلما قدمه الشافعي ومثل أمامه في المجلس وسأله عما يقال عنه، ذكر له الشافعي صلة نسبه مع الرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأنه ليس بالعلوي، وأوضح أن ما أوتي له من علم وفقه إلى جانب هذا النسب كان على يد القاضي محمد بن الحسن الشيباني وكان في حاضرًا في المجلس ذاته، فأكّد القاضي كلام الشافعي وأثنى عليه، وهكذا تفادى الإمام محنة عظيمة كانت ستحل عليه. 

 

الإمام الشافعي شاعرًا

يقول يونس بن عبد الأعلى في الإمام الشافعي: "كان الشافعي إذا تكلم في العربية، قلت: هو بهذا أعلم، وإذا تكلم في الشعر وإنشاده، قلت: هو بهذا أعلم، وإذا تكلم في الفقه، قلت: هو بهذا أعلم!"

وما زال الشافعي يرتقي ويسطع نجمه بين أقرانه بل وشيوخه حتى في قول الشعر، فللإمام الشافعي ديوان من الشعر، جُمع له في العصر الحديث من منثورات في الكتب والمخطوطات المختلفة.

ومن أشهر أشعاره وأكثرها تداولًا:

 

دَعِ الأَيَّامَ تَفْعَل مَا تَشَاءُ

وطب نفساً إذا حكمَ القضاءُ

وَلا تَجْزَعْ لحادثة الليالي

فما لحوادثِ الدنيا بقاءُ

 

أشهر تلاميذ الإمام الشافعي

تعدد تلاميذ الشافعي مع كل بلد كان يقطنها، وأشهرهم هم:

  1. إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان أبو ثور الكلبي البغدادي.
  2.  أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الذهلي وهو أحد الأئمة الأربعة.
  3.  إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق، 
  4. أبو إبراهيم المزني المصري، قال فيه الشافعي: «المزني ناصر مذهبي». 
  5. الحارث بن أسد أبو عبد الله المحاسبي، أحد مشايخ الصوفية.

 

شيوخ الشافعي

في كل مدينة ارتحل إليها الشافعي تلقى فيها العلم على يد شيوخها وأهمهم:

 

من أهل مكة:

  1.  سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي. 
  2. مسلم بن خالد بن فروة الزنجي.
  3.  سعيد بن سالم القداح.

 

من أهل اليمن: 

  1. مُطَرَّف بن مازن الصنعاني. 
  2. هشام بن يوسف الصنعاني قاضي صنعاء
  3. . عمرو بن أبي سلمة التنيسي، وهو صاحب الأوزاعي. 

 

من أهل العراق: 

  1. محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني الحنفي. 
  2. وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي. 
  3. حماد بن أسامة بن زيد، أبو أسامة الكوفي.

 

وفاة الإمام الشافعي

توفيّ الإمام الشافعي سنة 204هـ في مصر عن عمر يناهز 54 عامًا، بعد أن ارتحل إليها مرة أخرى عام 199هـ، وعاش فيها مدة خمس سنوات، ثم مرض واشتد عليه المرض وتوفي على إثره.

ما ذكر في هذا المقال ليس إلا غيضًا من فيض من حياة إمام قضاها ما بين القرآن والعلم والتفاسير، ولعلنا إن تأملنا حياته وما قدم للدين والعلم سنجد الكثير، الكثير حد أننا سنعجب من هذا الصنيع في أعوام لم تتجاوز الـ54، رحم الله الشافعي وعلماء الأمة الأجلاء.