30-سبتمبر-2018

هاجم الجبير قطر عقب لقائه بمسؤولين في الموساد الإسرائيلي (تويتر)

"قطر هي السبب في ظهور تنظيمات القاعدة والتكفير والهجرة". ليس من قال هذه الكلمات ممثل في مشهد كوميدي، كما أنها ليست طرفة يتبادلها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وإنما تصريح صدر على لسان وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، عقب لقائه بممثلين عن الموساد الإسرائيلي في نيويورك.

اتهم عادل الجبير ، أثناء اجتماعه مع قيادات الموساد الإسرائيلي، قطر بتأسيس جماعة التكفير والهجرة، التي تشكلت في نهاية الستينات داخل السجون المصرية برعاية سعودية

اتهم الجبير بالفعل قطر بتأسيس جماعة التكفير والهجرة، التي تشكلت في نهاية الستينات داخل السجون المصرية، أي قبل استقلال دولة قطر بعدة سنوات، فيما بدا هذا التناقض انكشافًا لزيف الادعاءات السعودية.

وفي محاولته للقفز عن عشرات المشاهد والوقائع والاعترافات والتحليلات التي تتهم السعودية بتمويل ورعاية الإرهاب، كان آخرها ظهور "قانون جاستا" الذي يتيح لعائلات ضحايا أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، مقاضاة السعودية باعتبارها راعية للإرهاب، بدا وزير الخارجية السعودية متخبطًا، فيما كشف غياب المعلومات بشكل كبير إلقاءه الاتهامات جزافًا، وهي العادة التي سنتها إدارة ولي العهد المثير للجدل، محمد بن سلمان.

شطحات الجبير

ركزت دول حصار قطر هجومها على الدوحة خلال الأسبوع الماضي، الذي شهد للمرة الأولى ظهور وزير سعودي مع رئيس الموساد الإسرائيلي، بحضور السفير الإماراتي في الولايات المتحدة يوسف العتيبة ومسؤولين آخرين. واستمر الهجوم من جانب المسؤول السعودي ثم تبعه آخر إماراتي وبعده بحريني، على هامش جلسات أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ73، وكانت القصص التاريخية الخيالية حاضرة بقوة.

اقرأ/ي أيضًا: خطاب الجبير في الأمم المتحدة.. بجاحة التناقضات وسذاجة الادعاءات

ومن المفارقات في كلمة الجبير، إلى جانب السقطات التاريخية وغياب المنطق، أن يكون الحديث في مدينة نيويورك التي شهدت، وللمصادفة، في مثل هذا الشهر منذ 17 عامًا، أيلول/سبتمبر 2001، هجومًا، قتل فيه المئات من الأمريكيين، وتٌحمل أسر الضحايا فيه، وتقارير اخرى متعددة معززة بأدلة، السلطات السعودية المسؤولية عنه ورعاية المخططين له.

الوهابية السعودية ودعم الإرهاب

تخللت تصريحات الجبير التي نقلتها الصحف السعودية عدة تناقضات، بداية من السياق التاريخي حيث إن تنظيم "جماعة المسلمين" أو المعروف إعلاميًا بالتكفير والهجرة، تنظيم تأسس خلال اعتقالات طالت طلاب ودعاة مصريين عام 1965، حيث رأى زعيم التنظيم شكري مصطفى أن الحاكم كافر ومعاونيه كفار، وأن الهجرة ضرورة من المجتمع الكافر للعزلة الشعورية والمكانية، فيما لم يُعرف أن أفكار التنظيم انتشرت خارج مصر، فكيف يمكن لقطر التي أعلنت استقلالها في 1971 تأسيس التنظيم؟

يمكن أن يقاس الأمر نفسه على إنشاء تنظيم القاعدة الذي أعلن عن تأسيسه في نهاية الثمانينات، عقب الحرب الروسية الأفغانية، وكانت نواته من المقاتلين العرب والأجانب، بينما كان أغلبهم إما سعوديًا، أو تلقى دعمًا سعوديًا. جمعت هؤلاء المقاتلين أفكار وهابية خرجت من المملكة كما قالت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، أمام الكونغرس الأمريكي قبل سنوات، مبينة: "دعمنا تجنيد هؤلاء المجاهدين من السعودية وأماكن أخرى، ووظفنا النسخة الوهابية للإسلام، كي نستطيع الإجهاز على الاتحاد السوفيتي".

لا تكمن غرابة الاتهام السعودي الجديد في غياب الدليل لدى الجبير وأصدقائه في أبوظبي والمنامة وتل أبيب، فهذه عادة صارت معروفة، ولا تكمن فقط في تلفيق سردية تاريخية غير قابلة للتصديق، ولكن أيضًا، في القدرة على نفي التاريخ الممتد في دعم الكيانات والأنشطة المتطرفة، سواء على مستوى تصدير الآراء الفقهية المتشددة، أو من خلال الإرهاب العسكري باحتضان أبرز وأهم الحركات الجهادية التي تحولت فيما بعد إلى إرهابية، وفقًا للتصنيف الغربي والسعودي في الوقت الحالي.

 من المعروف أن السعودية واحدة من أبرز الدول التي تواجه اتهامات متعلقة برعاية الإرهاب، أو التمويل الحالي لجماعات لا يُعرف مصيرها أو التحولات الفكرية التي قد تطرأ عليها مستقبلًا. وعلى سبيل المثال دأبت المملكة على دعم جماعات سلفية لمحاربة اعدائها، ووفقًا لتقرير لموقع فرنسا 24، فإن السعودية ساهمت في إنشاء وتمويل ما يعرف بـ"الصحوات" في العراق وهي المجموعات المسلحة التي شُكلت لمحاربة تنظيم القاعدة في العراق، وداعش، وكان أغلب أعضاء هذا التنظيم من السلفيين المتشددين المختلفين مع القاعدة، فيما حدث الأمر فسه في سوريا، وفقًا لتقرير نشر عام 2013 في وكالة رويترز ، بين أن السعودية تدعم منافسي القاعدة باستخدام السلفيين. بينما كانت الصفقة التي كشفتها وكالة أسوشييتد برس في شهر آب/أغسطس الماضي، بين السعودية والإمارات وتنظيم القاعدة، لمقاتلة الحوثيين، أحدث الأدلة.

لا يتوقف الأمرعلى الماضي، فقد خلص تقرير بريطاني صادر عن مؤسسة "هنري جاكسون" البحثية، حمل عنوان "التمويلات الأجنبية للتطرف الإسلامي"، إلى وجود صلة بين التطرف في بريطانيا والمملكة العربية السعودية، وبين التقرير أن السعودية تتزعم تمويل التطرف في بريطانيا. وكانت صحف بريطانية وعالمية تحدثت في وقت سابق عن رفض رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، نشر تقرير يورط المملكة العربية السعودية في تمويل ودعم الإرهابيين في بريطانيا، خشية تأثر العلاقات السعودية البريطانية.

خلص تقرير بريطاني صادر عن مؤسسة "هنري جاكسون" البحثية، حمل عنوان "التمويلات الأجنبية للتطرف الإسلامي"، إلى وجود صلة بين التطرف في بريطانيا والمملكة العربية السعودية

اتهامات الجبير والرد القطري

استمر الهجوم الثلاثي الذي انتعش عشية اللقاءات التطبيعية بين السعودية والإمارات من جانب وإسرائيل من جانب آخر، وهاجم الجبير يوم الجمعة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قطر من جديد، وكالعادة رددت البحرين والإمارات اتهامات مشابهة  يوم السبت عبر وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، والوزير الإماراتي، عبدالله بن زايد.

اقرأ/ي أيضًا: الإمارات مدانة في لاهاي.. العدالة الدولية تأخذ مجراها بحق حصار قطر

ومن جانبها ردت قطر على ما أثير من اتهامات من دول الحصار،  بتعقل معهود. وقال محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري، إن "قطر يمكنها أن تصبر إلى الأبد، ولا أحد يعلم ما يحمله المستقبل بعد عام، حتى لهذه الدول. وبالتالي، لا يمكننا أن نتكهن ما الذي سيجري بعد 5 سنوات أو 10 سنوات أو 15 سنة".

من جانبه قال طلال آل خليفة، السكرتير الثاني في البعثة القطرية بالأمم المتحدة: إنه "معروف أن الإرهاب وجد حاضنته في الغلو الديني الذي تم توظيفه من قبل السعودية لتحقيق أهداف سياسية تخدم ظروف معينة"، وتابع:  "اليوم في غياهب السجون معتقلو الرأي والمعتدلون من رجال الدين، وكل من يطالب بالإصلاح والناشطين الحقوقيين ولا سيما النساء، ويحدث كل ذلك بطريقة عبثية ودون محاكمات عادلة".

أما تصريحات الإمارات فكان الرد القطري عليها من نصيب السكرتير الثالث في البعثة القطرية لدى الأمم المتحدة أحمد الكواري، الذي قال:" إن الإمارات باتت رأس حربة في تقويض الأمن والاستقرار في مختلف الدول، والقطاع المالي في الإمارات أصبح ملاذًا للالتفاف على العقوبات المالية الدولية، وأشار إلى التقارير الدولية التي توثق انتهاكات الإمارات لحقوق الإنسان، كعقوبة السجن 15 عامًا على مواطنيها لمجرد إبداء الرأي، متعجبًا من الادعاءات الإماراتية بتطبيق الديمقراطية والحداثة". وعن البحرين فقال اختصارًا، إن "حالة الهذيان التي سولت للبحرين التدخل في شؤون قطر تعبر عن أزمة لديها".

 

اقرأ/ي أيضًا:

تأسيس مملكة محمد بن سلمان "المتهوّرة".. الحكاية من أولها

ولعٌ بالجنس والعاهرات ونوادي التعري.. شذرات من "الحياة القذرة" ليوسف العتيبة