13-يونيو-2017

الأمير القطري تميم بن حمد في ضيافة الرئيس التركي أردوغان (مراد سيتينموهوردار/ الأناضول)

"مسافة السكّة"، وإن ما قالها السيسي مغازلاً أصحاب "الرزّ" حينما أشار لوضع الجيش المصري على ذمّة دول الخليج الدّاعمة له، فلعلّ قد عاينها الجميع، من الحلفاء والخصوم، خلال الأيام المنقضية، حقيقة بيّنة وليست غزلًا سامجًا، حينما سارع البرلمان التركي في وقت قياسي بعد أقل من 24 ساعة من قطع السعودية وأبوظبي وتابعيهما، العلاقات بقطر، بسنّ تشريع يجيز نشر قوات تركية على الأراضي القطرية استجابة لطلب عاجل من الحكومة، ليصادق الرئيس رجب طيب أردوغان على ذلك بعد ساعات قليلة ولتنطلق الترتيبات على الأرض للتنفيذ.

لتؤكد بذلك تركيا عبر هذا الإسناد العسكري لقطر، وهو إسناد ذو معنى سياسي ورمزي أكثر منه ذو معنى حربي في الوقت الحاضر، عن مدى عمق التحالف الاستراتيجي بين البلدين، وهو التحالف الذي يبدو أنه الأكثر وثوقًا وصلابة في زمن التحالفات المتقلّبة في المنطقة الأكثر تصارعًا ودموية في العالم، ليظلّ السؤال حول خلفيات الدعم التركي لقطر؟

جعلت تركيا من "مسافة السكة" حقيقة واقعة بلا غزل سمج، عندما سارعت بتدبير نشر قوات تركية على الأراضي القطرية

ولعلّه يتجه القول بأن حاجة تركيا لقطر من جانب توازيها حاجة قطر لتركيا من جانب آخر، حيث إن هذه الحاجة المشتركة لكلّ منهما للآخر، تمثّل المرتكز الأساسي للتحالف الوثيق بين البلدين.

اقرأ/ي أيضًا: تركيا وإيران.. درسٌ عقلاني لا يفهمه تلاميذ بلير

قطر الصّغيرة جغرافيًا وديمغرافيًا، والوازنة اقتصاديًا باعتباراها المصدّر الأول للغاز المسيل في العالم، والساعية لاستثمار ثقلها الاقتصادي في تعزيز نفوذها في المجال العربي بل وفي العالم، تسعى لحليف إقليمي يشترك في رؤيتها لقضايا المنطقة ويعضدها في سياساتها، وهو ما وجدته في تركيا الساعية بدورها للعودة لحضنها التاريخي وبوابتها الشرقية. ولتجد تركيا بدورها في قطر حليفًا يساعد على "العودة التاريخية"، بعد غياب لعقود زاد فيها التمدد الإسرائيلي والإيراني إقليميًا، والأمريكي دوليًا، نفوذًا وتشابكًا في المجال العربي، ليصبح طريق العودة أكثر عسرًا.

في البداية، لم يكن صعود حزب العدالة والتنمية لسدة الحكم في تركيا سنة 2003، خبرًا سعيدًا بالنسبة للأنظمة العربية التي تواجه معارضة شرسة آنذاك من الإخوان المسلمين، وذلك خشية تصدير "النموذج التركي". كما كانت الخشية قبل زهاء عقدين حينها من تصدير الثورة الإيرانية.

لاحقًا وفي خضم احتدام الصراع العربي الإسرائيلي، خاصة مع حرب تموز/يوليو 2006 في لبنان، وعدوان غزة 2008، تزايد التباين بين تركيا والدول العربية الأكثر ثقلًا تاريخيًا، والتي كانت تُعرف بدول الاعتدال، وهي تحديدًا مصر والسعودية، ليبدو الاصطفاف التركي بالتوازي بيّنًا مع ما سُمّيَ وقتها دول الممانعة، وتحديدًا إيران وسوريا، وكذلك قطر.

في هذه الأثناء، توطدت العلاقات التركية القطرية، مع تقاربهما السياسي في ملفات القضية الفلسطينية والعراقية حينها، مع اشتراكهما في "تهمة" دعم الإخوان المسلمين في البلدان العربية، وهو دعم قطري كان مؤشره برامج قناة الجزيرة حينها، وهو دعم تركي كذلك مؤشره الاشتراك في الجذور المؤسّسة بين حزب العدالة والتنمية التركي وجماعات الإخوان المسلمين، رغم ما يمكن ملاحظته والوقوف عليه مليًا في هذا الجانب. ولكن يظل هذا التقارب السياسي قاصرًا على بناء تحالف وثيق واستراتيجي.

باتت تركيا تعتبر قطر شريكًا اقتصاديًا رئيسيًا، ما انعكس على تضاعف حجم التبادل التجاري حوالي 50 ضعفًا ما بين عامي 2001 و2013

وثمّة كلمة سرّ أساسية تُفسّر السعي التركي للتحالف مع قطر، وهي الطاقة؛ فلا يمكن لتركيا الساعية لاستعادة مجدها التاريخي أن تظلّ في قبضة الروس أو الإيرانيين أو أي قوّة تستأثر بتصدير الطاقة لها، ومن هذا المنطلق مثلت قطر مهربًا للأتراك تحت يافطة تنويع مصادر الطاقة، ليقع إبرام عدّة عقود للغاز، وهو ما تزايد بالتحديد في السنوات الأخيرة.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تغيرت سياسة تركيا الخارجية بعد الربيع العربي؟

بالتوازي، باتت تركيا تعتبر قطر شريكًا اقتصاديًا رئيسيًا، حيث انعقد منتدى الأعمال التركي القطري الأوّل في شباط/فبراير 2008، ليكشف عن طفرة في العلاقات التجارية بين البلدين، إذ تضاعف حجم التبادل التجاري بين تركيا وقطر حوالي 50 ضعفًا بين 2001، أي قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم، و2013.

كما أن رؤية 2023، كما حدّدها أردوغان، بحاجة لشركاء اقتصاديين استراتيجيين، وهو ما وجدته تركيا في قطر "الغنية" التي بلغت استثماراتها في تركيا 20 مليار دولار سنة 2015 فقط. كما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 700 مليون دولار سنة 2016.

وإضافة للمجال العربي، تسعى تركيا كذلك للمزيد من الانتشار الاقتصادي وبسط نفوذها في العالم، وفي الأثناء تتمتع قطر بنفوذ متزايد في مجالات جغرافية متعددة، وتحديدًا في أوروبا وإفريقيا، فالقارة الأولى مجاورة غربًا لتركيا الساعية للدخول في اتحادها، والقارة الثانية هي منجم للاستثمار في العالم تلهث تركيا وراءه كذلك.

ففي أوروبا، لقطر ذراعٌ مالية ضخمة في عدة عواصم أهمها لندن وباريس، أما في إفريقيا، فتُوجّه قطر أكثر من ثلاثة أرباع مساعداتها لهذه القارة، بما تعنيه هذه المساعدات من تعزيز للنفوذ، وذلك بالإضافة للنفوذ الدبلوماسي القطري في عديد الملفات منها جنوب السودان. ومن هذا الجانب، فالنفوذ القطري المتزايد في أوروبا وإفريقيا، تراه تركيا بمنظار العنصر المساعد لها للامتداد والانتشار، وهو ما يعني بالتتابع ضرورة تعزيز الروابط مع قطر كحليف استراتيجي.

سيمنح التمركز العسكري في قطر لتركيا بأن تكون متواجدة في منطقة استراتيجية فيما يتعلق بإمداد الطاقة والتجارة العالمية

غير أن الأمر يتجاوز المصالح المالية فقط، فبعد اندلاع الثورات العربية، بات هذا التحالف أكثر وثوقًا، حتى باتت المواقف التركية والقطرية أقرب إلى التطابق في كثير من الأحيان، من خلال دعم الثورات والحكومات المنبثقة عنها، والتي تشكلت أساسًا من الإسلاميين في مصر وتونس وليبيا.

اقرأ/ي أيضًا: ما هي أسرار قوة الاقتصاد القطري التي تحصنه في وجه الأزمات؟

كما مثل الموقف المشترك من الثورة السورية، داعمًا أساسيًا للتقارب بينهما، حينما بات النظام الأسدي خصمًا جديدًا لكليهما. وفي منطقة تعيش تغييرات دراماتيكية، وباتت خريطة التحالفات وتقاطع المصالح متغيّرة؛ وجدت تركيا في تعزيز تحالفها مع قطر خيارًا استراتيجيًا من جديد، وبشكل خاص على ضوء إثبات قطر التزامها بمواقفها وعدم استعدادها للمساومة والرضوخ لأي ابتزاز سياسي.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

خفايا السعي المحموم لإنهاء "كابوس" الجزيرة والإعلام المموّل قطريًا

قطع العلاقات مع قطر.. "من هو الإرهابي؟"