11-يونيو-2017

مستثمر قطري يتابع لائحة الأسهم (أ.ف.ب)

لا يُحدد النجاح أو الفشل الاقتصادي حسب الأهواء والرغبات بل تعكسه أرقام وعلى أساسها يتم التحليل والتدقيق، لكن هذه القاعدة البديهية لم ترق للبعض ومنها بعض "المؤسسات الصحفية"، التي تعددت مزاعمها عن حجم تضرر الاقتصاد القطري بعد قطع السعودية والإمارات ومصر ودول أخرى علاقاتها الدبلوماسية وكل سبل النقل مع قطر يوم الإثنين الماضي، وهُولت الصورة بعناوين فضفاضة.

يقدر إجمالي حجم تجارة قطر مع دول مجلس التعاون العام الماضي حوالي 10 مليارات دولار، وهو ما يمثل 11% فقط من تجارتها مع العالم

ورغم تصريح ممثلي صندوق النقد الدولي أنه من المبكر تقييم الأثر الاقتصادي الذي سيلحق بمنطقة الخليج جراء قطع العلاقات مع قطر، هذا الأثر الذي سيتوقف على "مدى عمق تعطيلات التجارة والتدفقات المالية ومدى استمراريتها ومدى تأثر الثقة"، فإن إصرار البعض على مغالطة الحقيقة لا يزال متواصلًا. في هذا التقرير نرسم صورة واقعية عن اقتصاد قطر، البلد الذي يقطنه 2.7 مليون شخص معظمهم أجانب، والتي تعد مركزًا للطاقة والمصارف والتشييد في منطقتها، أيامًا قليلة إبان قرار قطع العلاقات.

اقرأ/ي أيضًا: العفو الدولية.. الرياض وأبوظبي تعبثان بحياة آلاف الناس

التجارة القطرية غير مرتبطة بدول التعاون الخليجي

حجم التجارة القطرية مع دول العالم يبلغ حوالي 89 مليار دولار، وتتنوع منافذ هذه التجارة، وقد ساعدتها البنية التحتية المتطورة لخلق خيارات متعددة للتصدير والاستيراد. ولا تتجاوز مجموع واردات الدوحة من كل من السعودية والإمارات والبحرين، نحو خمسة مليارات دولار فقط.

ويقدر إجمالي حجم تجارة قطر مع دول مجلس التعاون الخليجي العام الماضي بقرابة عشرة مليارات دولار، وهو ما يمثل 11% من تجارتها مع العالم. تفيد هذه الأرقام أن قطر متنوعة المنافذ تجاريًا وبالتالي هي قادرة على الحفاظ على تواصل عمليات التصدير والتوريد الخاصة بها حتى إبان قطع بعض الدول العلاقات معها.

علمًا وأن الظروف التي تعيشها قطر الآن ليست استثنائية أو جديدة إذ سبق للدوحة أن تأقلمت مع أزمات اقتصادية سابقة منها تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية في خريف 2008 ثم تراجع أسعار الطاقة والذي أعقبته أزمة سحب سفراء ِكل من السعودية والإمارات عام 2014، وفي تلك المناسبات أثبت الاقتصاد القطري قدرته على التأقلم.

ويساعد على ذلك حرص الدوحة على الاحتفاظ باحتياطيات كبيرة، ولديها صندوق ثروة سيادي تقدر أصوله بنحو 335 مليار دولار. ويذكر أن قطر تحتل المرتبة الأولى عالميًا من حيث نصيب الفرد من الناتج القومي، فوفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للعام الماضي، يبلغ نصيب الفرد في قطر 129 ألف دولار سنويًا.

يذكر أيضًا أن قطر وسّعت مؤخرًا ميناءها البحري الرئيسي وأنشأت مطارًا بمواصفات عالمية، وهما يعتبران منفذين حيويين لها لتجارتها مع العالم، كما دشنت الدوحة خطًا بحريًا مباشرًا مع أكبر تحالف بحري في العالم، من شأنه أن يعوضها عن الارتباط بالدول المجاورة.

إمدادات الغاز الطبيعي للعالم .. متواصلة

تعتبر قطر أكبر دولة منتجة ومصدرة للغاز الطبيعي المسال في العالم، ورغم الأزمة الخليجية الأخيرة، إلا أن الإمدادات متواصلة دون تأثر

لا يرى المحللون الاقتصاديون في العالم أي تعطل في الإمدادات في سوق الغاز الطبيعي المسال على الرغم من دور قطر كأكبر منتج في العالم وقطع بعض الدول العلاقات معها، حسب وكالة رويترز. حيث صرح تيودرو مايكل، كبير محللي الغاز الطبيعي المسال لدى جينسكيب لبيانات الطاقة لرويترز، أن "مصر والإمارات فقط تقاطعان الشحنات القطرية وهما البلدان الوحيدان اللذان قد يشهدان إحلال كميات أمريكية محل القطرية".

وتعتبر قطر أكبر دولة منتجة ومصدرة للغاز الطبيعي المسال في العالم حيث تبلغ حصتها منه في التجارة العالمية حوالي 30 في المئة.

اقرأ/ي أيضًا: مغردون يرفضون قطع العلاقات مع قطر.. استهجان القرار وانتباه لبهجة إسرائيل به

قطر تستطيع الدفاع عن عملتها لسنوات

تشير موازنة قطر إلى أن الدوحة بإمكانها الدفاع عن عملتها لسنوات في مواجهة أي حصار من دول خليجية أو غيرها، وبالتالي من المستبعد أن يقع ربط الريال بالدولار كضحية للأزمة الدبلوماسية بالمنطقة.

ورغم أن قرار قطع العلاقات الدبلوماسية وسبل النقل مع الدوحة هذا الأسبوع قد يأثر سلبيًا على الميزان التجاري لقطر أو يؤدي إلى سحب بعض الودائع من بنوكها، إلا أن أكبر بلد مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، يتمتع بإمكانات يستطيع من خلالها تبديد أثر تهديد نزوح رأس المال عبر تسييل جزء فقط من احتياطياته المالية. وطالما أن الدوحة تستطيع الاستمرار في تصدير الغاز فمن المستبعد أن ينخفض ميزان معاملاتها الجارية كثيرًا في المنطقة السالبة.

ويعني ذلك أن من المرجح أن يكون المستوى المربوط عنده الريال مقابل الدولار في السوق الفورية، والبالغ 3.64 ريال للدولار، آمنًا ومستقرًا في المستقبل. وسيكون أي قرار بتغيير الربط بالضرورة سياسيًا وليس اقتصاديًا. ونظرًا لارتباط العديد من بنوكها الكبرى بالحكومة، فسيكون على الأرجح من السهل على قطر أكثر من دول أخرى فرض ضوابط على رأس المال، إذا ما كان ذلك ضروريًا، لمنع المقيمين من إرسال مبالغ كبيرة من المال إلى الخارج.

وقد صرح جيسون توفي، الخبير الاقتصادي المعني بالشرق الأوسط لدى كابيتال ايكونوميكس في لندن، لرويترز أنه "لا يتوقع التخلي عن ربط الريال بالدولار. وحتى الرياض، التي تربط عملتها بالدولار للحفاظ على ثقة المستثمرين والحد من التقلبات في إيراداتها النفطية، قد تكون راغبة في تجنب دفع قطر نحو هذه الخطوة".

قطر.. تأمين عادي للمواد الاستهلاكية

وضح محمد أحمد العبيدلي، عضو مجلس الإدارة ورئيس لجنة الزراعة في غرفة قطر، في تصريحات للصحافة المحلية، أنهم "قادرون في الوقت الراهن على تأمين السوق القطرية بالمنتجات التي كانت تأتي عن طريق البر، خاصة ما يتعلق بالمواد الطازجة، عبر شحنات جوية يومية إلى الدوحة من عدة دول". مشيرًا إلى "التوجه نحو دعم المنتج القطري، بحيث يغطي نسبة معينة من احتياجات السوق، والباقي يتم استيراده من مختلف أنحاء العالم، عبر الأساطيل المجهزة لهذه الغاية، سواء من الخطوط الجوية القطرية، أو تلك الخاصة المؤجرة، وفي حال حدث فائض فإن الدولة تتكفل به".

وأكد العبيدلي أن "المجمعات التجارية في قطر تعج بالمواد الغذائية، ولا تسجل أي نواقص"، مشيرًا إلى أن "السوق ستعرف فائضًا في جميع السلع بعد بضعة أيام فقط، وعلى إثر ذلك سيتم وضع خطط لوجستية متكاملة لمواجهة ذلك".

يذكر أن هذه السلع كانت تصل قطر سابقاً عن طريق البر أو البحر عبر الدول المقاطعة، إلا أنها الآن تصل مباشرة جواً، وقد كان مرور السلع عبر الدول المقاطعة يخدمها اقتصاديًا، أما في الوقت الراهن فيتم جلبها بشكل مباشر وبأقل تكلفة أحيانًا، حسب تأكيدات مسؤولين قطريين، أما الحاويات التي كانت تأتي عن طريق جبل علي في دبي فقد تم تحويلها إلى مينائي صلالة وصحار في سلطنة عمان، اللذين يطلان على بحر العرب.

يتم تزويد السوق القطرية بالمواد الاستهلاكية بشكل عادي بعد أن صارت تُحول جوًا أو عبر مينائي صلالة وصحار في سلطنة عمان

الشركات القطرية.. مسارات جديدة ونسق معاملات عادي

قالت شركة "قطر للبترول" في بيان أمس السبت إن "كل عملياتها تسير كالمعتاد رغم تصاعد التوتر الدبلوماسي مع جيرانها في الخليج". وأضافت الشركة، في بيانها: "تؤكد قطر للبترول وشركاتها التابعة أن جميع أعمالها مستمرة بشكل طبيعي وكالمعتاد في جميع مراحل أعمالها من الإنتاج إلى التصدير وفي جميع مرافقها ذات المستوى العالمي"، مؤكدة حرصها على الوفاء بالتزاماتها في حق العملاء والشركاء.

ومن جانب آخر، قالت شركة نورسك هيدرو النرويجية لرويترز، أول أمس الجمعة، إن مصنع "ألومنيوم قطر" أوجد طرقًا بحرية جديدة لتصدير المعدن عقب الأزمة الدبلوماسية التي نشبت بين الدوحة وبعض الدول العربية. وقال متحدث باسم هيدرو، التي تملك 50 في المئة من ألومنيوم قطر، لرويترز إن "العملاء قد يواجهون بعض التأخيرات في التسليم، إلا أن العمليات بدأت في العودة إلى سياقها الطبيعي".

مشاريع قطر الضخمة متواصلة..

نفى وزير الاقتصاد والتجارة القطري الشيخ أحمد بن جاسم بن محمد آل ثاني أي تأثير لإغلاق الحدود البرية على مشاريع قطر لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2022، مبينًا أنه تم تأمين بدائل فورية عبر خطوط ملاحة بحرية، لتعويض أي نقص في الإمدادات التي تتطلبها تلك المشاريع، والتي كانت تصل عبر الحدود مع السعودية.

بورصة قطر تتعافى

تعافت بورصة قطر، منذ الخميس الماضي، بعد هبوط حاد أحدثه المشكل الدبلوماسي مع الدول المجاورة في المقابل ضغط هبوط أسعار النفط على البورصة السعودية. وصعد مؤشر بورصة قطر ثلاثة في المئة بعدما تراجع 9.7 في المئة على مدى ثلاث جلسات. وتعافت بشكل ملحوظ بعض الأسهم التي تضررت في وقت سابق من هذا الأسبوع بفعل مخاوف وإشاعات عن تضرر التجارة الخارجية لقطر وكمثال صعد سهم "الخليج للمخازن" 9.1%. وقفز سهم "مجموعة المستثمرين القطريين" عشرة في المئة.

انفتاح على أسواق جديدة.. روسيا مثالاً

مع التزام المسؤولين الروس الحياد في تصريحاتهم بشأن أزمة قطع العلاقات الدبلوماسية بين قطر وعدد من الدول الخليجية والعربية، طرحت تساؤلات عدة عن إمكانية تطوير أكبر في العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وقد ركزت الصحف الروسية أمس أن قطع العلاقات الدبلوماسية مع بعض الدول الخليجية قد يدفع بقطر نحو البحث عن شركاء اقتصاديين جدد، من بينهم روسيا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"الثور الإماراتي الهائج".. وثائق تكشف خطة أبوظبي لإفشال الديمقراطية في تونس

حملة أبوظبي والرياض لاستهداف قطر.. في السوشال ميديا وضد حرية مواطنيهما أيضًا