12-يونيو-2017

مشهد من غزة (أ.ف.ب)

لنحو أسبوع على أزمة العلاقات الخليجية القطرية، لم تُعلن إلى الآن بشكل واضح وصريح المطالب المباشرة التي من المفترض أن تنفذها قطر لتتوقف السعودية والإمارات والبحرين والدول التابعة لهم عن الإجراءات التعسفية بحق الدوحة، والتوقف هنا يعني عودة العلاقات المقطوعة مع قطر منذ الخامس من حزيران/يونيو الجاري. ومن بين الاتهامات الفضفاضة والعمومية غير المتماسكة، انطلقت الحملة على قطر لمطالبتها بوقف دعم "الإرهاب والجماعات المتطرفة"!

أشارت الدول المقاطعة وتابعوها إلى جماعة الإخوان المسلمين، وحركة المقاومة حماس، باعتبارهما من "الجماعات الإرهابية والمتطرفة"، وتوجهوا باتهامات لقطر بدعمهما، وعليه جاء اتهامها بدعم "الإرهاب"! بدوره يبحث "ألترا صوت" في جدّية هذه الاتهامات، وعلاقتها بالواقع، والتذكير بما يتم تجاهله من حقائق.

ارتباك في المعايير والمطالب

بدأت السعودية والإمارات والبحرين ومصر، حملة المقاطعة عمليًا في أيار/مايو، عقب حملة ملفّقة للهجوم على قطر وأميرها تميم بن حمد آل ثاني، على خلفية تصريحات مُفبركة نُشرت على منصات إخبارية قطرية رسمية بعد اختراقها. ورغم النفي القطري الرسمي للتصريحات، والتأكيد على الاختراق، إلا أن وسائل الإعلام السعودية والإماراتية ومن على شاكلتهما، تجاهلت النفي الرسمي، واستمرت في حملتها الهجومية على قطر.

أظهرت تحركات السعودية وأبوظبي، تخبطًا في إدارة أزمة قطع العلاقات مع قطر، من حيث عدم وضوع المطلوب من قطر تحديدًا

وفي الخامس من حزيران/يونيو الجاري، كانت البيانات الرسمية لإعلان المقاطعة، والتي أظهرت مدى التخبط في إدارة الأزمة من جانب كل من الرياض وأبوظبي، إذ وُجّهت أصابع الاتهام لقطر، بتقديمها الدعم لكل من إيران وتنظيمي القاعدة وداعش وجماعة الإخوان وحركة حماس، ثم قرر عادل الجبير وزير الخارجية السعودي، أن يكون المطلب وقف دعم حماس والإخوان، ما يبدو سحبًا لدعاوى دعم إيران والقاعدة وداعش. وقال الجبير خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الفرنسي بباريس، في اليوم التالي لقرار المقاطعة: "طفح الكيل، وعلى قطر وقف دعم جماعات مثل حماس والإخوان المسلمين".

اقرأ/ي أيضًا: قطع العلاقات مع قطر.. كل شيء عن مؤامرة أبوظبي

كان من المفترض والمتوقع أن تكون تصريحات الجبير مقدمة للهجوم على جماعة الإخوان وحركة حماس، لكن اللافت للانتباه اختفاء الجبير منذ السادس من حزيران/يونيو، فلم يظهر من وقتها ولم يعلق على الأحداث من جديد، وذلك عقب انتقادات وجهت له من نشطاء عرب وخليجيين على مواقع التواصل الاجتماعي، عبر هاشتاغ "#تصريح_الجبير_لا_يمثلني".

بمرور بعض الوقت، ومع وضوح ارتباك موقف الدول المقاطعة، أقدمت على إعلان قائمة "إرهاب" مشتركة، ضمت أسماء شخصيات وكيانات عربية، بينها منظمات خيرية، وأُخرى لا يبدو لقطر علاقة بها. أمّا المفاجئ فكان العلاقة الجيدة المعروفة بين بعض تلك الشخصيات وبعض تلك الكيانات، وبين دول مقاطعة، على رأسها السعودية متمثلة في العاهل السعودية سلمان بن عبد العزيز، وتحديدًا حين كان وليًا للعهد وخلال الفترة الأولى لتوليه سدة الحكم. كما أنّ بعض المنظمات الخيرية المدرجة في القائدة، دافع عنها المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة، مؤكدًا على شراكتها مع المنظمة الأممية.

الإخوان دائمًا وأبدًا وفي كل حين

على رأس اتهامات الموجهة لقطر دعم جماعة الإخوان المسلمين، وبصرف النظر عن كونها في الأساس "تهمة" أم لا، نذكر أنّ السعودية لطالما ربطتها علاقات مع جماعة الإخوان المسلمين، ومنذ تأسيسها على يد حسن البنا الذي سبق وأن جمعه لقاء بالملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، وكذلك كانت السعودية ملاذًا لقيادات الجماعة خلال عهد جمال عبدالناصر، وظلت حاضنة لهم عقودًا، قبل أن تنقلب عليهم بعد الوصول إلى الحكم في مصر، بدعمها إطاحة الجيش المصري لمحمد مرسي أوّل رئيس مصري منتخب ديمقراطيًا، ثُمّ إدراج الجماعة على قائمة المنظمات الإرهابية عام 2014.

وعندما تصاعدت الأزمة بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى في 2014، بسحب سفراء الدول الثلاث من الدوحة، قرر قيادات الجماعة التنظيميين الذين كانوا مقيمين في الدوحة، مغادرتها. وكان من أبرز هؤلاء القيادات عمرو دراج الوزير السابق في حكومة مرسي، ومحمود حسين، أمين عام جماعة الإخوان، وجمال عبدالستار وحمزة زوبع، وآخرون متعاطفون مع الجماعة ومؤيدون لمرسي.

بهذا لم يعد على الأراضي القطرية أية قيادات تنظيمية للجماعة، ومن بقي من "أفراد" من الجماعة على الأراضي القطرية فذلك لارتباطات شخصية وعملية بعيدًا عن أي صفة تنظيمية، ويخضعون للقانون القطري كأي مقيم أجنبي، بلا نشاط سياسي يُذكر.

هذا ويُشار إلى ما كان قد سبق وأن تردد من تقارب مُحتمل بين جماعة الإخوان والسعودية، على خلفية فترة التوتر في العلاقات بين مصر والسعودية، وأيضًا على إثر تقارب فرضه الواقع في اليمن بين السعودية وحزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يعد امتدادًا لجماعة الإخوان في اليمن.

"أبوظبي دحلان" أقرب لإسرائيل

وعقب تسريبات البريد الإلكتروني للسفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، تأكّدت العلاقة الوطيدة بين أبوظبي واللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، متمثلًا بشكل أساسي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات (FDD)، وهي مجموعة ضغط وُلدت من رحم منظمة لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)، أقوى مجموعات الضغط لصالح إسرائيل في الولايات المتحدة، وبمثابة الأب الروحي لها.

يُعرف عن محمد دحلان علاقاته الوثيقة بالإسرائيليين (أ.ف.ب)
يُعرف عن محمد دحلان علاقاته الوثيقة بالإسرائيليين (أ.ف.ب)

ورغم كون المنظمة ولدت من رحم اللوبي الصهيوني، ولا زالت تعمل في إطاره، إلا أن أبوظبي لا تجد حرجًا في التعامل معها بشكل وثيق، كشفته تسريبات العتيبة، ولم تنفه الإمارات. يأتي هذا فيما تستضيف الإمارات الفلسطيني محمد دحلان منذ سنوات كمستشار أمني لمحمد بن زايد، وهو المعروف بعلاقاته الوثيقة بالإسرائيليين، ويبدو أنّ له دورًا دقيقًا في تمهيد طريق العلاقات بين الإمارات وإسرائيل.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تستخدم أبوظبي تهمة إسرائيل لتمرير تعاونها معها؟

الدعم للقضية وليس لحماس

أصدرت حركة حماس بيانًا ردًا على اتهام عادل الجبير لها بأنها "حركة إرهابية"، عبرت فيه عن صدمتها و"صدمة الشعب الفلسطيني" من تصريحات الجبير، التي اعتبرتها "غريبة عن مواقف المملكة العربية السعودية، التي اتسمت بدعم قضية شعبنا وحقه في النضال". 

الغريب بالفعل أنّ تصريحات الجبير تأتي رغم أنه لم يظهر أي خلاف بين السعودية وحماس قريبًا، إذ ترتبط الأخيرة بعلاقات جيدة بالسعودية، لذا حين أدرجت السعودية جماعة الإخوان على قائمة الإرهاب في 2014، لم تدرج حماس على نفس القائمة، كما أن عام 2015 شهد زيارة للمكتب السياسي للحركة وعلى رأسه خالد مشعل، للسعودية، وتقابل مع العاهل السعودي وولي ولي العهد محمد بن سلمان.

وعلى كل حال تُؤكد الدوحة على لسان وزير خارجيتها محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، أنّها لا تختص حماس فقط بالدعم، وإنما تدعم الشعب الفلسطيني، كما تدعم جهود المصالحة بين فتح وحماس. وخلال لقاء تلفزيوني قال الوزير القطري: "كيف أصبحت حماس تهمة؟ وهي حركة مقاومة وليست منظمة إرهابية".، الاستغراب وارد في هذا الصدد، أي تصنيف حماس بالإرهاب، لكن برؤية التصفيق السعودي الإماراتي لترامب وتحركاته تمسي الأمور أقل مفاجأة.

مصر والعلاقة مع حماس وإيران

أما مصر التي أعلنت أيضًا مقاطعة قطر، فثمة علاقة قوية بين أجهزة سيادية فيها، متمثلة في المخابرات العامة بشكل أساسي وحركة حماس، وذلك لكون الأولى مسؤولة عن الملف الفلسطيني، فضلًا عن أنّ حماس تظل رغم كل شيء جارة لمصر، تجمع بينهما حدود قطاع غزة المحاصر شديدة الحساسية.

ويُذكر أن وفدًا من قيادات الحركة في غزة، قد زار مصر قبل أيًام قليلة جدًا من الأزمة، بقيادة يحيى السنوار مسؤول الحركة في غزة، وبصحبته عدد آخر من القيادات السياسية. والتقى الوفد بجهاز المخابرات العامة برئاسة اللواء خالد فوزي.

بحضور ترامب للرياض تحولت حماس حركة إرهابية في عرف من صفقوا له!

ورغم أن ما يتردد في الإعلام المصري، وبعض الأوساط السياسية هو اتهام حماس بأنها "حركة إرهابية"، إلا أن الحركة تعلم جيدًا أن من في يده الأمر لا يتعامل معها على هذا المنوال أبدًا، وقد ظهر ذلك بوضوح عقب اغتيال النائب العام المصري السابق، فاتهمت وزارة الداخلية حركة حماس بالضلوع في الأمر، ليخرج القيادي في الحركة محمود الزهار، ومُؤكدًا على أنّ "اتهام الحركة بالتورط في اغتيال النائب العام يقتصر على وزارة الداخلية، لكنه ليس رأي كل الأجهزة الأمنية في مصر"، مُضيفًا: "أنا لا أريد أن أدخل في التحليل، أقول إن ما ذكرته وزارة الداخلية ليس هو ما سمعناه من الأجهزة الأخرى قبل أقل من عام".

اقرأ/ي أيضًا: من الرياض.. ترامب: حماس تمارس وحشية داعش

أمّا من جهة العلاقات مع إيران، والتي تتهم بها قطر، وإن صحّت، وهو ما لم تدلل عليه الدول المقاطعة بشيء، إلا أنّه تظل إحدى أبرز الدول المقاطعة وهي مصر، صاحبة العلاقات الأقوى مع إيران ومعسكرها كله وما يُمثّله سواءً في العراق أو في سوريا، لدرجة أنه قد تمّ تكريم مليشيا الحشد الشعبي في القاهرة! 

سلمان الذي شكر القرضاوي!

في حزيران/يونيو 2013 أجرى سلمان بن عبدالعزيز وكان حينها وليًا للعهد، اتصالًا هاتفيًا بيوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ليشكره ويُثني على موقفه من الشيعة. أما الآن فقد أصبح القرضاوي على قوائم سلمان الإرهابية!

نفسه القرضاوي الذي كان قد أثنى عليه مفتي السعودي عبدالعزيز آل الشيخ، بعد أن هاجم الأول حزب الله اللبناني لدعمه بشار الأسد، إذ قال آل الشيخ: "نشكر لفضيلته (أي القرضاوي) هذا الموقف الذي ليس غريبًا منه، إذ إنه يذكر بمواقف كبار العلماء عبر التاريخ في رجوعهم إلى الحق متى استبانوا موقف الرشد"؛ بات الآن في نظر السعودية أحد دعاة الإرهاب، مُطالبة قطر بالتوقف عن دعمه، مع العلم بأنّه مقيم في قطر بصفته مواطنًا يحمل الجنسية القطرية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حملة عبرية - "عربية" ضد الدوحة.. القصة الكاملة للتحريض الإسرائيلي على قطر

ما هي أسرار قوة الاقتصاد القطري التي تحصنه في وجه الأزمات؟