07-يونيو-2017

الرئيسان إردوغان وروحاني في أنقرة عام 2016 (الأناضول)

أمسى من المعتاد في الأدبيات المستهلة بالحديث عن القوانين والشرعة الدولية وحجم الانتهاكات لهما، ومعهما العرف الدبلوماسي، أن يكون المحور المتناول هو فلسطين وانتهاك إسرائيل لكل ما هو ذي صلة بالأعراف والقوانين الدولية بحق الفلسطينيين. لكن مؤخرًا افتتح باب جديد لتناول الانتهاك القانوني الدولي وكذلك الأعراف المرتبطة بحقوق الإنسان، بل وحقوق الدول أيضًا والعلاقات الدبلوماسية فيما بينها، وإن لم يكن ببعيد عن فلسطين، والأحرى أنه ليس بعيدًا عن دوائر المصلحة الإسرائيلية وفائدة لوبياتها ومكاسبها من السياسة الخارجية الأمريكية في الحقبة العجائبية لترامب وإدارته وتناقضاتهما المسرحية.

جل العالم يعيش صدمة، ليس بفوز دونالد ترامب هذه المرة، لكنها صدمة التصعيد والتحالف لاستهداف قطر، وتشير مواقف الأطراف الدولية، سواء في غرب أوروبا، ألمانيا وفرنسا خصوصًا، وكذلك روسيا وحتى الولايات المتحدة، إلى قلق حقيقي من التصعيد ضد قطر، والاتهامات غير المسندة والمستهجنة من أطراف تدبير الحملة بحق الدوحة.

تنتهك الرياض وأبوظبي وحلفهما ضد الدوحة الفصل التاسع والمادة 55 من ميثاق الأمم المتحدة، ناهيك عن علاقات الجوار والإخوة، بينما ترفض أنقرة وطهران كل التدابير المفتعلة والعدائية نحو قطر 

لكن يبدو أن هذا كله لا يعني الرياض وأبوظبي في شيء، كما تدعي أبوظبي أن فضائح إرهابها الدبلوماسي تشرفها، بناء على اعتقاد أولي أن رشوة "شرطي العالم" قد تفي بالغرض، وستسمح بتمرير ما دبر بليل عقل أبوظبي العصابي، الذي يفهم أن احتلال موقع على الخارطة الإقليمية والدولية لا يأتي إلا بحرق المنطقة، وفق توصيات توني بلير، وأن تدبير لانقلاب الجيش في مصر، ونفخ الروح في خليفة حفتر، وشراء ذمم مليشاوية واسعة، والتورط في الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، ثم الاعتذار بمليارات استثمارية على كتف محمد بن زايد، والختام بصلح ضمن تحالف كبير مع إسرائيل، بفضل وساطات أنور عشقي وشاؤول موفاز، سيجعل العالم "يحترم" أبناء زايد. 

كل حالة الانتهاك القانوني، سواء للفصل التاسع والمادة 55 من ميثاق الأمم المتحدة ومجمل قواعد الحفاظ على الممرات الدولية أيضًا، حتى في حالة الحروب، قائمة اليوم ضمن مفاعيل الحملة الاستعدائية التي تستهدف قطر بدفع من أبوظبي وتدابيرها ووقوف الرياض رأس حربة لما دبرته أبوظبي ومستشاروها، من توني بلير إلى محمد دحلان وما بينهما، ووقوف دول وأشباه دول ومليشيات تكنى حكومات وعسكرتاريات انقلابية ضمن جيش الحملة القائمة ضد الدوحة. كل هذا لا يوفر سوى مسرحية بائسة لغياب الدبلوماسية وفقه العلاقات البينية للدول، هذا إن لم يتم التطرق لشأن العلاقات العربية - العربية، بل ومصالح ومستقبل مجلس التعاون الخليجي نفسه الذي تدعي أطراف الحملة ضد قطر حرصها عليه! بينما لا تتوجه الدوحة، مع أن لها الحق المكفول بذلك، للجنايات الدولية أو الجمعية العامة ومجلس الأمن في الأمم المتحدة، كون الحصار وفرض الإجراءات  الحصارية الشبيهة من اختصاص المجلس ولا أحد غيره. 

اقرأ/ي أيضًا: كيف تستخدم أبوظبي تهمة إسرائيل لتمرير تعاونها معها؟

بينما في مقابل هذا التحالف العدائي والمستعجل ضد قطر، تتوفر عناصر إقليمية وازنة، لا تتفق مع قطر في كل شاردة وواردة بالضرورة، بل وتتوفر بينها وبين الدوحة اختلافات جوهرية في قضايا إقليمية أساسية، ولكنها تتفق مع الدوحة على التوصل إلى حلول لها بالسلم والحوار. 

توجه أنقرة بتشريعها البرلماني الدفاع المشترك مع قطر رسالة رفض لما يجري من حملة مدبرة ضد الدوحة، وتعبير عن استحالة ابتزازها من آوروبا آو الناتو في علاقتها مع قطر 

في خطوة تنم عن إدراك لما تعنيه الحداثة السياسية ومعها مراعاة مصالح الشعوب والخوض في علاقات سلمية تبادلية مفيدة، وصل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى أنقرة اليوم، وهو الذي صرح صباحًا أن زيارته بهدف بحث "التطورات التي تزعجنا في المنطقة"، في إشارة لاشتمال الحديث عن الطرف التركي وتشارك الموقف معه في رفض ما تتعرض له الدوحة من تعسف جائر. ليتبع وصوله مفاجئة الشارع الإيراني بهجومين إرهابيين هزا العاصمة طهران، في حين تبناهما داعش، انطلق جهاز الحرس الثوري الإيراني، المهيمن عليه من العناصر الأكثر تشددًا في النظام الإيراني بتوجيه التهمة مباشرة إلى الرياض، وبعيدًا عن حديث الأدلة الجرمية والعدلية، يقع اتهام الحرس الثوري للرياض ضمن دائرة الدلالات السياسية، في تقدير يتوخى حجم الامتعاض السعودي المضاعف من إيران لطبيعة موقفها المتبادل مع الدوحة استنادًا لقاعدة الحلول السلمية وجسور الحوار. في ذات الوقت لا يمكن إعفاء التورط الإيراني المباشر وغير المباشر في أكثر من ملف شائك في المنطقة من المسؤولية عن هكذا شكل من الإرهاب، لكن طبيعة الموقف السعودي من جل مسألة العلاقة مع إيران يبقى محط استفهام واسع، فلماذا الرفض والتعنت حتى للتفاعل مع مطالب الجناح الإصلاحي الإيراني في الفترة الرئاسية الثانية لحسن روحاني، إن لم يكن حرصًا على حذافير الوصفة الترامبوية لتدمير المدمر وغلق المجال أمام أي أفق تقارب واستقرار في المنطقة. 

وبالتزامن مع زيارة ظريف، خرج البرلمان التركي بإقرار تشريع يصرح بنشر قوات تركية على الأراض القطرية، وكذلك تعزيز جهود التدريب وتبادل الخبرات بين البلدين، ليأتي هذا التشريع مرسخًا لاتفاقية الدفاع المشترك بين الدوحة وأنقرة من جهة، واستكمالًا للموقف التركي الرافض للحيف بحق الدوحة، وإشارة دالة للاتحاد الأوروبي بقيادة ألمانيا، خاصة بعد سحب قواتها من أنجرليك، بالإصرار التركي على الاحتفاط بتحالفاته ومواقفه بعيدًا عن معطيات الابتزاز على أبواب الاتحاد الأوروبي، وكذلك ليعطي بعدًا استقلاليًا بتشريعه عما يمكن أن يخوض فيه حلف شمال الأطلسي حول المسألة، خاصة بالترافق مع التناقض بين التغريدات الترامبية ومواقف المؤسسة الأمريكية من الحملة المستهدفة لقطر، ومجمل حالة الإرباك وخلط الخيوط التي اتبعها ترامب مؤخرًا من الرياض إلى قمة المناخ التي لم تتطرق للمناخ وتبعها الانسحاب الأمريكي، وكذلك اجتماع أعضاء الناتو وفرض الأتاوات عليهم. 

لا تقول أبو ظبي بعشرات المليارات التي تجنيها من تبادلها التجاري مع إيران، لكن دعوات التعايش مع ذات البلد تستنفرها، فهي ليست دعوات نحو تل أبيب

بالموقفين التركي والإيراني من الأزمة المفتعلة ضد قطر، والتي تعصف بمياه الخليج كما معطيات السياسة الدولية، يتضح أن للمنطقة العربية جارين لهما ولديهما من العقلانية ما يكفل إمكانيات دبلوماسية واقتصادية شديدة المعقولية معهما، وهذا ما نادت به الدوحة مطولًا، لتحوله أبواق إعلام أبوظبي- الرياض الاستخبارية إلى جرم في عصر مسخت فيه المقاومة إرهابًا والاستقلاليةَ خروجًا عن الاجماع، والعقلانية استفزازًا. فلا تقول أبوظبي بعشرات المليارات التي تجنيها من تبادلها التجاري مع إيران، لكن دعوات التعايش مع ذات البلد تستنفرها، فهي ليست دعوات نحو تل أبيب. 

ليبقى التساؤل الكبير، والذي انطلق مع انطلاق التلفيقات بحق الدوحة، من الإرهابي؟ سؤال برسم أبوظبي والرياض ومن معهما. وهما اللتان تمسكتا بما جاء به ترامب إلى قمة الرياض من وصم لحركة حماس، وما تعبر عنه من حركة مقاومة وطنية فلسطينية، بالإرهاب بل وحشرها مع هستيريا إرهابية حقيقية بحجم داعش. بالتأكيد لاقى هذا الوصم استحسان محور أبوظبي- الرياض، ولمَ لا؟ فمن يمارس أدوارًا استخبارية لصالح سلاح الجو الإسرائيلي في غزة تحت مظلة المنظمات الخيرية المزعومة، ومن يطلق يد دحلان العبثية، ليس في حركة فتح فقط، بل في مجمل مسار القضية الفلسطينية لا يستهجن تهليله لكلمات ترامب بخصوص حماس. في الوقت عينه لا يستبعد عنه، بكل المليارات التي يبذلها لتجريم من يخاصمهم سياسيًا وحرق أكثر من نصف دزينة بلدان عربية، أن يلقي بكل ثقله في محاولة إزعاج وقلب للأوراق ضد الدوحة في الوقت الذي تقف فيه مع كل من بثت أبوظبي نفوذها في سبيل انتهاك حقوقهم واقصائهم من بلدانهم وحتى من منافيهم.  

اقرأ/ي أيضًا:

قطع العلاقات مع قطر.. كل شيء عن مؤامرة أبوظبي 

إيران وحماس على مائدة بروباغندا القرصنة السعودية -الإماراتية.. تصفيق لترامب!