05-أكتوبر-2022
الرهن توم كروز

من الفيلم

يظهر الممثل توم كروز في فيلم "الرهن" (Collateral) المنتج عام 2004، بقيافة ثابتة. كما لو أنه ولد في البزة التي يرتديها طوال الفيلم الذي تدور أحداثه في ليلة واحدة من ليالي لوس أنجلوس. القيافة المستقرة هذه لا تمنع الممثل المرموق أن يركض أميالًا بسرعة بطل سباق وهو يلاحق سائق التاكسي (جيمي فوكس) الذي استأجره لإكمال مهامه في قتل شهود محاكمة ومدعيتها العامة الذين بمجموعهم يشكلون خطرًا على مصالح ومستقبل من كلفه بهذه المهمة.

كل شريك ملزم في عالم اليوم بأن يخون شريكه ويسرقه حين تسنح فرصته، وكل شخص عليه أن ينجو بنفسه ويترك الآخرين لشؤونهم

 

ليس توم كروز من الممثلين المحببين لدي، يشبه فلاديمير بوتين في مكان ما، أو ربما يكون بوتين من يتشبه به. يحسب أنه كامل، لهذا هو لا يقاوم، على أي وجه من وجوه المقاومة. مغر ومثير، أو هكذا يظن نفسه، وقوي ولا يهزم، أو هكذا يظهره المخرجون، ونادرًا ما تشوه وجهه جروح، أو تعوّق سرعته كسور ورضوض. وشخصية هذا وصفها لن تكون على الأرجح شخصية متعاطفة. مثل هذه الشخصية من شأنها، لو قيض لها السلطة والقدرة، أن تتعامل مع الآخرين بوصفهم أقل من الأشياء التي تحيط بهم: طاولة يكسرونها عند غضبهم، قنينة كحول يرمونها من النافذة عند سكرهم، سيارة يتعمدون صدمها بسيارة أخرى، لأنهم متيقنون من نجاتهم من الحادث. هؤلاء، كثيرون بيننا. وربما يكون معظمنا يتمنى أن يكون مثلهم. الحياة بالنسبة لهم مجرد لعبة يجب أن يتقنوا حركاتها وأن يحفظوا قوانينها عن ظهر قلب، وكل الخسائر الناجمة عن ممارسة اللعبة تتحول جزءًا من اللعب نفسه. المهم أن هؤلاء الذين يلعبون بالحياة على هذا النحو متأكدون من أنهم يمارسون لعبة، ولو كان الآخرون الذين تقع عليهم نتائج اللعبة ومخاطرها وتبعاتها ليسوا معنيين باللعب أصلًا.

لكن دوره في هذا الفيلم بخلاف أفلام أخرى له، يبدو مقنعًا إلى حد كبير. وما كان ليكون كذلك لولا أن العالم الذي يحيط بنا تغير إلى الحد الذي لم يعد متسعًا لشراكات من أي نوع. كل شريك ملزم في عالم اليوم بأن يخون شريكه ويسرقه حين تسنح فرصته، وكل شخص عليه أن ينجو بنفسه ويترك الآخرين لشؤونهم. هكذا بوسعنا أن نظن أن المتسول على قارعة الطريق كاذب ويحاول أن يغشنا، ذلك أن ما نرفضه حقيقة هو مساعدته ولأجل تمتين هذا الرفض نختلق لأنفسنا أعذارًا.

يحاول سائق سيارة الأجرة (جيمي فوكس) الذي ساقه حظه العاثر أن يقل توم كروز لتنفيذ مقتلته، أن يظهر وجهًا آخر للناس وحيواتهم، لكن رد توم كروز يبدو مفحمًا: من نحن أصلًا؟ من يكترث لموت عشرة أشخاص أو مئة أو ألف هذه الليلة؟ ما الذي سيفقده هذا العالم المتسع والمكتظ لو ماتوا أو اختفوا؟ لا شيء، ثمة ورثة سيرثون هؤلاء، وآخرون سيحلون في مقاعدهم، وستمضي الحياة كما لو أنهم لم يوجدوا أصلًا. منطق مفحم.

هذا المنطق في حد ذاته هو حقيقة ومنطق من يضطر للاحتكاك بهذا العالم بشكل يومي. الموظف في شركة كبرى، وهو يتفاخر بانتمائه لهذه الشركة، يعرف أن رؤساءه لن يلحظوا ولو لثانية مشكلاته وتعبه وهمومه. إنه ملزم بأن يقف ثماني ساعات من دون راحة، وعليه ألا يتلهى عن عمله المضجر بأي شيء، حتى بإلقاء التحية على زملائه. والحال، لا شيء يمنعه من التحول لمجنون أو قاتل إلا واقع أن قتله لرؤسائه لن يجعله مالكًا للشركة أو شريكًا في ملكيتها. وبالتالي سيجد نفسه مضطرًا أن يبحث عن عمل جديد ويتمنى قتل رؤسائه الجدد، وهم ممن لا يميتهم الموت، ذلك أن الذين سيخلفونهم يشبهونهم إلى حد التطابق. عليك أن تحلم وحدك، وعليك أن تدعي أنك حققت حلمك. هكذا يخبر جيمي فوكس والدته المريضة أنه حقق حلمه بتأسيس شركة لسيارات الأجرة الفخمة في حين أنه ما زال مجرد سائق بائس. وهو إذا يدعي ما ادعاه، فإنه يصنع لأمه، المشرفة على موتها، وهما يقول إن الحياة يمكن أن تعاش، وأن موتها سيكون خسارة حقًا.

في الجهة المقابلة يقع توم كروز في موقع الذين لا يحلمون. الحياة بالنسبة له ليست أكثر من إنجازات متتابعة، تنتهي ما أن ينجح آخر في تحقيق إنجاز على حساب حياتك. في الأثناء عليك أن تكون قويًا وجاهزًا ومستعدًا، وأن تقتل الآخرين كلما اعترضوا طريقك. ذلك أن الموت في حقيقته النهائية ليس إلا طورًا من أطوار حياة هذا الكائن، ولا بأس إن حل في غير أوانه. ذلك أن بعض الناس أيضًا يربحون جوائز اللوتو ويصبحون أثرياء في غير أوانهم.