17-مارس-2020

مؤشرات خطيرة على انتشار فيروس كورونا في لبنان (رويترز)

بعد أقل من شهر على التصريح الشهير لوزير الصحة اللبناني حمد حسن، والذي أطلق خلاله عبارته الشهيرة "لا داعي للهلع"، التي تحوّلت مادة للتندر والسخرية، وفي ظل الخفّة وقلة المسؤولية التي تعاملت بها الحكومة مع فيروس كورونا، بالتزامن مع الاستخفاف والاستهتار في اتخاذ تدابير الوقاية من قبل المواطنين العائدين من بلاد ينتشر فيها الفيروس، دخل لبنان عمليًا في مرحلة الخطر الجدية، بعد انتشار عشرات الإصابات فيه، مع تسجيل حالات وفيات، الأمر الذي دعا الوزير حسن إلى الاعتراف متأخرًا بخطورة الوضع، حيث رأى أن مرحلة "الدلع" انتهت، وأن لبنان خرج من مرحلة احتواء المرض، ودخل مرحلة انتشاره، وأن هناك حالات جديدة مجهولة المصدر، ما يوحي بمرحلة قادمة أكثر دقة.

في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن اللبناني، طالب الناشطون بأن يكون فحص الفيروس مجانيًا في كل المشافي وليس فقط في مستشفى رفيق الحريري الحكومي

بحسب موقعWorldmeter ، فإن عدد الحالات المسجلة في لبنان حتى صباح الثلاثاء، بلغت 109 إصابات، ليحتل المركز السادس عربيًا في هذا المجال. وقد سجّل لبنان 3 حالات وفاة حتى اليوم، فيما شّفيت بعض من الفيروس واستعادت عافيتها. ويسود انطباع بين اللبنانيين اليوم، بأن عدد الإصابات الحقيقي أكبر بكثير مما هو معلن، خاصة في ظل عدم توفر الإمكانيات اللازمة لتشخيص الحالات المشتبه بها.

اقرأ/ي أيضًا: فيروس كورونا في لبنان.. أزمة "حكومة مواجهة الأزمات"

وفي ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن اللبناني، طالب الناشطون بأن يكون فحص الفيروس مجانيًا في كل المشافي وليس فقط في مستشفى رفيق الحريري الحكومي، لأنه من غير المنطقي أن يدفع المواطن رسمًا للتأكد من خلو جسمه من فيروس ينتقل بسهولة، ويشكل خطرًا على المجتمع بأسره. مع الإشارة إلى أن تكلفة "فحص الكورونا" في المراكز الصحية والمستشفيات الخاصى تتراوح بين 50 و150 دولارًا أمريكيًا.

بعد الاستخفاف الذي واجه به اللبنانيون الكورونا في الأيام الاولى، ومع انتشار صور على مواقع التواصل الاجتماعي لتجمّعات بشرية كبيرة في المنتزهات ومراكز التزلج، فإن الإعلان عن أول حالة وفاة في لبنان، إضافة إلى تفشّي المرض وزيادة الوفيات بشكل واضح في الكثير من الدول، والتي يمتلك بعضها أنطمة صحية متطورة، جعل اللبنانيين يعيدون حساباتهم، ويلتفتون أكثر لخطورة الوضع. نجاح النموذج الصيني في الحدّ من انتشار المرض من خلال الالتزام بالحجر المنزلي، إضافة إلى الدعوات والحملات الإعلامية للبقاء في المنازل انعكست على حركة الشوارع التي بدت فارغة في الأيام الأخيرة.

وفيما كان جزء كبير من اللبنانيين يطالب الدولة بإقرار قانون طوارئ، ومنع الملاحة الجوية مع الدول الموبوءة، وإغلاق الحدود البرّية مع سوريا ريثما يتم السيطرة على انتشار المرض، لم تقم الحكومة بأية إجراءات عملية جدية، وبالتالي فإن القرار الملتبس وغير الواضح الذي أعلنه المجلس الأعلى للدفاع الأحد، بفرض قانون طوارئ صحّي جاء متأخّرًا، ولا يحمل شرحًا عمليًا للإجراءات التطبيقية المنوي اتخاذُها. مع الإشارة إلى أن البلديات والمرجعيات الروحية وبعض الجمعيات كانت قد اتخدت قرارات في الأسابيع الأخيرة للحدّ من التجمّعات، وبالتالي الإحتكاك بين المواطنين، كالأسواق الشعبية وإقامة الصلوات والقداديس، مع استمرار إقفال المدارس والجامعات للأسبوع الثالث على التوالي.

وفي الأيام الأخيرة دخل قرار إقفال المطاعم والمقاهي والحانات حيز التطبيق بإشراف الشرطة البلدية والقوى الأمنية، فتحولت بيروت ليلًا إلى مدينة أشباح، وهو مشهد لم تألفه المدينة منذ سنوات طويلة. مع العلم أن إقفال المؤسسات التجارية يهدّد استمراريتها لاحقًا، في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها لبنان أصلًا.

أداء وزير الصحة في مواجهة الوباء، لاقى انتقادًا كبيرًا من المتخصصين في المجال الطبي، وجاءت أبرز هذه الانتقادات من وزراء صحة سابقين بعضهم ينتمي لفريق الوزير السياسي، فيما وصف أحد الأطباء خلال برنامج تلفزيوني وزير الصحة بـ"المجرم" وطالب بإقالته، ما جعل الوزير يصدر قرارًا في اليوم التالي بسحب إذن مزاولة المهنة منه، ما استدعى ردود فعل رافضة لقرار الوزير.

اقرأ/ي أيضًا: ساعات "كورونا" الأولى في بيروت

وتفاجأ اللبنانيون صباح الأحد بانتشار صور من كورنيش المنارة - عين المريسة في بيروت، لعشرات المواطنين وهم يمارسون رياضة المشي  كالمعتاد. ولاقت الصور ردات فعل سلبية على مواقع التواصل، خاصة في ظل التزام عدد كبير من المواطنين بالحجر المنزلي. وتوجّهت لاحقًا قوة من الشرطة وأخلت الكورنيش.

من خلال الاطّلاع على مسار تطوّر انتشار الفيروس في الدول الموبوءة، تشير كل التقديرات إلى أن لبنان اليوم ليس إلا في بداية الأزمة، وأن الأيام القادمة ستكون الأصعب

من خلال الاطّلاع على مسار تطوّر انتشار الفيروس في الدول الموبوءة، تشير كل التقديرات إلى أن لبنان اليوم ليس إلا في بداية الأزمة، وأن الأيام القادمة ستكون الأصعب، مع توقع ارتفاع نسبة المصابين بشكل جنوني، وبالتالي فإن التزام المنازل لن يعود خيارًا احترازيًا بل واجبًا ومسؤولية على الجميع. أما الخوف الحقيقي فهو ناجم عن ضعف الإمكانيات الصحية، فحتى الآن يتم تحويل أغلب الحالات إلى مستشفى رفيق الحريري، فيما تجهيز المستشفيات الحكومية الأخرى يحتاج للمزيد من الوقت. ولا تملك معظم المستشفيات الخاصة القدرات الكافية لاستقبال الحالات حتى الآن، إضافة إلى النقص الرهيب في المواد الطبّية في لبنان، وخاصة أجهزة التنفس، وبالتالي فإن المؤشرات تؤكّد أن كارثة صحية على مختلف الصعد تلوح في الأفق.