20-أبريل-2020

دور المؤسسات الدولية يوضح تحت أسئلة عديدة مع انتشار وباء كورونا (Getty)

بعد التفشّي السريع لجائحة كورونا مع بداية هذا العام، ليعيش العالم على إثرها أزمة تعادل في آثارها حربًا عالميّة، بدا الدور المنتظر من المؤسّسات الدوليّة في التغلّب على هذه الأزمة جوهريًّا وحاسمًا. في المقابل، تعرّضت هذه المؤسّسات الدوليّة، المتمثّلة بشكل رئيسيّ في منظّمة الصحّة العالميّة، والبنك الدوليّ ومنظمة التجارة العالميّة وغيرها، لهجمة شعواء لا سيّما من الدول العظمى التي شكّكت في فعاليّة دورها وتتهمها بالقصور الشديد والتعتيم والانحياز وغيره. يحاول هذا المقال دراسة وتحليل الدور الذي تقوم به هذه المؤسّسات في إطار مكافحتها انتشار جائحة كورونا، والأسباب والدوافع للهجوم الذي شنّته العديد من الدول العظمى على هذه المؤسّسات في الوقت الذي يعيش فيها العالم برمّته حالة طوارىء تستدعي التعاون الفوري وترك الانتقادات والتقييمات لوقت آخر بعد انتهاء الأزمة.

 يحاول هذا المقال دراسة وتحليل الدور الذي تقوم به هذه المؤسّسات في إطار مكافحتها انتشار جائحة كورونا، والأسباب والدوافع للهجوم الذي شنّته العديد من الدول العظمى على هذه المؤسّسات

مع اندلاع وتفشّي الوباء، بدأت العديد من المؤسّسات الدوليّة باتّخاذ تدابير ومبادرات للحدّ من تداعياته. في 13 آذار/مارس، أطلقت منظّمة الصحّة العالميّة "الصندوق التضامنيّ" للاستجابة لتفشّي الفيروس ولتلقّي التبرّعات من الأفراد والمؤسّسات، وفي 18 آذار/مارس، أطلقت المنظّمة أيضًا وشركاؤها "تجربة التضامن"، وهي تجربة سريرية دولية تهدف إلى توليد بيانات متينة من مختلف أنحاء العالم للتوصّل إلى الأدوية الأنجع في علاج كوفيد-19.

اقرأ/ي أيضًا: نعومي كلاين: فيروس كورونا يمثل الحالة الأمثل لرأسمالية الكوارث

من جهة أخرى، شرعت مجموعة البنك الدوليّ في مطلع هذا الشهر بتقديم مساعدة عاجلة للدول والشركات، حيث ذكرت على موقعها الرسميّ بأنّ "هذه المساعدة العاجلة للحكومات والشركات ليست سوى غيض من فيض وهي مجرد بداية لجهد أوسع. وبالنظر إلى التحديات التي لم يسبقها مثيل التي أفرزها فيروس كورونا، فمن المتوقع أن تعيّن مجموعة البنك الدوليّ ما يصل إلى 160 مليار دولار على مدى الشهور الخمسة عشر التالية لمساعدة البلدان على حماية الفئات الفقيرة والأولى بالرعاية، ودعم منشآت الأعمال، وتعزيز التعافي الاقتصادي".

بالإضافة إلى ذلك، قامت المؤسّسة الدوليّة الإسلاميّة لتمويل التجارة باتّخاذ خطوات متسارعة لتوحيد الجهود بهدف التخفيف من وطأة المخاطر الاجتماعية والاقتصادية التي سبّبها هذا الفيروس، والتي تلقي بظلالها على جميع أصحاب المصلحة في الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلاميّ، حيث أتاحت "مبادرة الاستجابة السريعة" لوباء فيروس كورونا المستجد، التي أطلقتها المؤسّسة مطلع هذا الشهر، توفير 300 مليون دولار أمريكيّ بشكل فوريّ. كما خصّصت أموالًا إضافية تحت مظلة "برنامج الاستجابة والتعافي" بقيمة 550 مليون دولار للدعم الماليّ خلال العامين المقبلين بغية إصلاح الضرر الاجتماعيّ والاقتصاديّ الناتج عن الوباء.

الدول العظمى: انكفاء وتسييس للأزمة

كان من المنتظر أن تتعاون دول العالم، لا سيّما العظمى منها، فيما بينها ومع المؤسّسات الدوليّة في سبيل محاربة هذا العدوّ المشترك، لكن فاجأتنا الدول بانكفائها وإغلاق حدودها في أنانيّة واضحة نابعة من قلق شديد. في أوروبّا، تركت إيطاليا تواجه الوباء وحدها، مع غياب واضح لمساعدة الاتّحاد الأوروبيّ لها. كما قامت أمريكا بإغلاق حدودها مع كندا والمكسيك ومنعت السفر إليها، وقامت بتهميش أي دور للمؤسّسات الدوليّة في محاربة هذا الوباء. ليس ذلك فحسب، بل شنّ الرئيس الأمريكيّ هجومًا شديدًا على منظّمة الصحّة العالميّة، وأصدر تعليمات لإدارته بوقف التمويل "على الأقل بصفة مؤقّتة" عن المنظّمة، معتبرًا أنها "روّجت للمعلومات المضللة للصين عن الفيروس، مما أدى على الأرجح إلى انتشاره على نحو أسرع مما كان يمكن أن يحدث". يأتي هذا الموقف الأمريكيّ في إطار "تسييس" الأزمة واستخدامها كأداة لمحاربة الصين، منافسة أمريكا الأولى اقتصاديّا في العالم، من خلال تحميلها المسؤوليّة عن انتشار هذا الوباء، ومن جهة أخرى، تستخدم الإدارة الأمريكيّة "قصور منظّمة الصحة العالميّة" كشمّاعة للتغطية على الفشل الذريع للولايات المتّحدة في السيطرة على هذا الوباء، بينما كان ينتظر منها أن تكون منقذة للعالم منه.

فضلُا عن ذلك، انضمّت دول أخرى إلى الولايات المتّحدة في انتقادها لدور المؤسّسات الدوليّة في إدارة الأزمة واتّهامها إيّاها بالقصور. في مقابلة مع القناة الروسيّة الأولى، يوم السبت 11 نيسان/أبريل، قال المتحدّث باسم الكرملين دميتري بيسكوف بأنّ "هذه الجائحة غير المسبوقة أظهرت أن فعاليّة المنظّمات الدوليّة لا ترقى إلى المستوى المنشود، وهذا أقل ما يقال عنها، حيث يدعو أداؤها للتعويل على ما هو افضل". من جهة أخرى، أكّد وزير الخزانة والماليّة التركي، براءت ألبيرق، في تصريح مصور له، نشره على حسابه في "تويتر" يوم الأربعاء 17 نيسان/أبريل، بأنّ تركيا لم تلجأ لأي مؤسّسة أو منظمة دولية خلال إدارتها للمرحلة الحاليّة من وباء فيروس كورونا، وأنّها اعتمدت على تدابيرها الذاتيّة.

خاتمة

بناء على ما سبق، نلاحظ أنّ المؤسّسات الدوليّة تحاول عمل ما بوسعها في إطار مكافحة هذا الوباء، لكن تبدو فاعليّتها محدودة وتقتصر على مساعدة الدول الضعيفة ومناطق الصراع من خلال توفير أموال ومعدّات طبيّة تساهم في تخفيف تبعات تفشّي الوباء. من المجحف أيضًا تحميل الفشل في السيطرة على الوباء لهذه المؤسّسات والحديث عن قصور في فاعليّتها وكأنها كيانات مستقلّة بذاتها. تعاني هذه المؤسّسات من مشكلة بنيويّة، فقصورها وضعف فاعليّتها في هذه الأزمة هما انعكاس لقصور النظام الدوليّ وهزيمة لأصحاب النظريّة الليبراليّة في العلاقات الدوليّة الذين يرون بأنّ الدول تسعى غالبًا إلى تبادليّة المصالح وإلى استنفاذ كافّة فرص التعاون فيما بينها، حيث يتوّج هذا التعاون بالمؤسسّات الدوليّة التي تسعى إلى تحقيق أقصى قدر ممكن من العدالة بين الدول وتقليل الفروقات بينها.  

في المقابل، ساهم هذا الوباء في تعزيز أفكار منظّري المدرسة الواقعيّة الذين يرون بأنّ النظام الدوليّ يعيش على الدوام حالة من الفوضى العارمة، تتصارع بداخله الدول، وتحاول فيه الجهة الأقوى فرض هيمنتها وإقصاء سواها للسيطرة قدر الإمكان على موارد الأرض المحدودة. هذا إلى حدّ كبير ما جسّده سلوك الدول الكبرى خلال هذه الأزمة، بعزوفها عن التعاون وبانكفائها على ذاتها، وقلقها من الآخر، ومحاولتها السيطرة على المصادر المحدودة المتمثّلة في المعدّات الطبيّة اللازمة للسيطرة على هذا الوباء، وسباقها الزمن للتوصّل إلى علاج للفيروس قبل الدول الأخرى . قد يجادل البعض بالقول بأنّ الصين وروسيا قامتا بتقديم مساعدات لإيطاليا ودول أخرى في إطار محاربة الوباء، لكن تقديم هذه المساعدات "الرمزيّة" الذي جاء ضمن مبادرات أحاديّة، بعيدًا عن حضور حقيقيّ للمؤسّسات الدوليّة، يدلّل على أنّ هذه الدول تريد تسجيل نقاط سياسيّة، واستخدام قوّة الجذب الناعمة، في تعزيز حضورها العالميّ، أكثر من رغبتها في التعاون مع الدول بحدّ ذاته.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 جوديث بتلر.. عن التغيير في زمن كورونا