10-أبريل-2020

نعومي كلاين (national observer)

هذا الحوار مع نعومي كلاين أجرته ماري سوليس على قناة فايس ونشر بتاريخ 14 آذار/مارس الجاري على موقع "أر أس أن". وكلاين هي صحفية سياسية وكاتبة ومؤلفة أفلام تسجيلية كندية. تتميز بكتابتها المناهضة للسياسات النيوليبرالية، والتحليلية لسياسات الشركات متعددة الجنسيات والعولمة الاقتصادية، من أشهر كتبها "عقيدة الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث" (2007). وهو الرابط الأساسي في هذا الحوار مع لحظة جائحة كورونا.


فكرة رأسمالية الكوارث وجائحة كورونا

يعتبر فيروس كورونا جائحة عالمية أصابت بالعدوى، حتى الآن، عشرات الأضعاف من الأشخاص الذين أصابهم وباء متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد "السارس". يتم إغلاق المدارس والجامعات والمتاحف والمسارح في كافة أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، وسوف تلحق بها قريبًا كافة المدن. يحذر الخبراء من أن بعض الناس الذين يشتبه في إصابتهم بالفيروس، لا يزالون يمارسون حياتهم اليومية، إما لأن وظائفهم لا تقدم لهم إجازة مدفوعة الأجر أو نتيجة للفشل المنهجي الذي يعتري نظام رعايتنا الصحية الخاضع للخصخصة.

كلاين: تتسم الطريقة التي عَرفتُ بها رأسمالية الكوارث بالوضوح حقًا؛ فهذه الطريقة تعمل على وصف الأسلوب الذي انطلقت به الصناعات الخاصة مباشرةً إلى تحقيق الربح من الأزمات واسعة النطاق

انتاب الشك معظمنا حول ما يجب أن يفعل ومن يجب أن يستمع لهم. لقد خالف الرئيس دونالد ترامب توصيات أصدرتها مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، وتسببت هذه الانطباعات المتضاربة في تضييق عامل الزمن حتى نتمكن من تخفيف الضرر الناجم عن هذا الفيروس شديد العدوى.

اقرأ/ي أيضًا: جوديث بتلر.. عن التغيير في زمن كورونا

تعتبر هذه الأوضاع أوضاعًا مثالية للحكومات والنخب العالمية لتنفيذ أجندة سياسية يمكن أن تقابل بمعارضة كبيرة، ما لم يتم التشويش علينا جميعًا. لا تتميز هذه السلسلة من الأحداث بالفرادة بالنسبة للأزمة التي قدح شرارتها فيروس كورونا؛ إذ إنها تمثل الخطط التي اتبعها السياسيون والحكومات لعقود عرفت باسم "عقيدة الصدمة"، وهو مصطلح بلورته الناشطة والمؤلفة الكندية نعومي كلاين في كتاب لها صدر في العام 2007 ويحمل عنوانه ذات الاسم.

ينطوي التاريخ على سجل من الصدمات؛ تتمثل في صدمات الحروب والكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية وما يترتب عليها من نتائج. تتسم هذه النتائج بـ"رأسمالية الكوارث" و"الحلول" المحسوبة التي تستند على السوق الحر للتعامل مع أزمات تعمل على استغلال ومفاقمة التفاوت القائم.

تذهب كلاين إلى أننا نشاهد رأسمالية الكوارث وهي تؤدي دورها على خشبة المسرح القومي. في استجابته لفيروس كورونا، قدم ترامب حزمة حوافز بلغت 700 مليون دولارًا أمريكيًا وشملت خفضًا للضرائب على المرتبات -من شأنها أن تعمل على تقويض الضمان الاجتماعي- وتقديم المساعدة للصناعات التي سوف تفقد تعاملاتها التجارية نتيجة لهذه الجائحة.

قالت كلاين: "إنهم لا يقومون بذلك لأنهم يعتقدون بأن هذه هي الطريقة الأكثر فعالية لتخفيف المعاناة أثناء الجائحة، بل يحتفظون بهذه الأفكار ويرون أن الفرصة مواتية لتطبيقها".

تحدثت قناة فايس مع كلاين حول الطريقة التي أفسحت بها "صدمة" فيروس كورونا المجال لسلسلة الأحداث التي أوجزتها قبل ما يزيد عن عشر سنوات في كتابها عقيدة الصدمة.

لنبدأ بالأساسيات. ما رأسمالية الكوارث؟ وما هي علاقتها بـ"عقيدة الصدمة"؟

تتسم الطريقة التي عَرفتُ بها رأسمالية الكوارث بالوضوح حقًا؛ فهذه الطريقة تعمل على وصف الأسلوب الذي انطلقت به الصناعات الخاصة مباشرةً إلى تحقيق الربح من الأزمات واسعة النطاق. لا يعد مفهوم المتاجرة بالكوارث والمتاجرة بالحروب مفهومًا جديدًا، لكنه تعمق تحت إدارة الرئيس بوش عقب 11 أيلول/سبتمبر، عندما أعلنت الإدارة هذا النوع الذي لا ينتهي من الأزمات الأمنية، وفي نفس الوقت قامت بخصخصته والاستعانة بالمصادر الخارجية لتنفيذه، ويضم ذلك دولة الأمن المحلي الخاضعة للخصخصة، فضلًا عن -خصخصة- غزو واحتلال العراق وأفغانستان.

تعتبر "عقيدة الصدمة" استراتيجية سياسية تستخدم الأزمات واسعة النطاق للدفع بالسياسات التي تعمق التفاوت على نحو منهجي، وإثراء النخب وإضعاف الآخرين. في فترات الأزمات، يتجه الناس إلى التركيز على الطوارئ اليومية المتعلقة بالنجاة من تلك الأزمة، مهما كانت طبيعتها، ويتجهون إلى وضع ثقة متزايدة في أولئك القابضين على زمام السلطة. إننا نفقد التركيز قليلًا أثناء فترة الكوارث.

من أين تأتي هذه الاستراتيجية السياسية؟ كيف تقومين بتعقب تاريخها في السياسة الأمريكية؟

كانت "عقيدة الصدمة" بمثابة استجابة لبرامج الصفقة الجديدة الأصلية تحت إمرة الرئيس فرانكلين روزفلت. اعتقد -عالم الاقتصاد- ميلتون فريدمان بأن كل شيء لم يكن يسير في الاتجاه الصحيح تحت سيطرة الصفقة الجديدة. استجابة لأزمة الكساد الكبرى وفترة الجفاف الحاد، برزت سياسة حكومية نشطة في البلاد، جعلت مهمتها الحل المباشر للأزمة الاقتصادية في ذلك الوقت عبر خلق فرص عمل حكومية وتقديم إغاثة مباشرة.

إذا كنت عالم اقتصاد يهيمن عليك الاعتقاد الراسخ في مفاهيم السوق الحر، فإنك تفهم أنه في حالة فشل الأسواق يتم الميل إلى تغيير تقدمي أكثر عضويةً من ذلك النوع من السياسات التي تلغي القيود التنظيمية وتحابي الشركات الكبرى. إذًا، برزت عقيدة الصدمة بوصفها أسلوبًا يمنع الأزمات من إفساح المجال للحظات العضوية التي تظهر فيها السياسات التقدمية. تفهم النخب السياسية والاقتصادية بأن لحظات الأزمة تلك تمثل فرصة لها لدفع قائمة أمنياتها التي تضم السياسات غير الشعبية التي تستقطب الثروات في هذا البلد وفي مختلف بقاع العالم.

نشهد حتى هذه اللحظة حدوث أزمات متعددة: جائحة وعدم وجود بنية تحتية لإدارة هذه الجائحة وسوق أوراق مالية منهارة. هل يمكن لك تقديم ايجاز حول الكيفية التي تنسجم بها هذه المكونات داخل المخطط الذي قمت بتلخيصه في كتابك عقيدة الصدمة؟

تتمثل الصدمة بشكل فعلي في الفيروس نفسه. تمت إدارة هذه الصدمة بطريقة تضاعف الاضطراب وتقلل من الحماية. لا أعتقد بأن هذا الإجراء ينطوي على مؤامرة؛ بل هذه هي الطريقة التي أساءت بها الحكومة الأمريكية وترامب إدارة هذه الأزمة. حتى هذه اللحظة، يعالج ترامب هذه الأزمة ليس بصفتها أزمة تتعلق بالصحة العامة، بل بصفتها أزمة تصور ومشكلة محتملة تتعلق بإعادة انتخابه.

يعتبر هذا أسوأ سيناريو، خاصة وأنه يتحد مع حقيقة أن الولايات المتحدة لا تمتلك برنامج رعاية صحية على المستوى القومي وتتسم حمايتها للعمال بالسوء البالغ. سوف يتم استغلال هذا السيناريو لإنقاذ صناعات تكمن في اللباب من الأزمات الحادة التي نواجهها مثل أزمة المناخ. وتتمثل هذه الصناعات في صناعة الطائرات وصناعة الغاز والنفط وصناعة الرحلات بالبواخر السياحية التي يريدون تقديم الدعم لها جميعًا.

كيف شهدنا هذا السيناريو يحدث من قبل؟

تحدثت في كتابي عقيدة الصدمة عن الطريقة التي حدث بها هذا السيناريو بعد إعصار كاترينا. اجتمعت مراكز الأبحاث في واشنطن مثل مؤسسة التراث وخرجت بقائمة أمنيات تحمل حلولًا لإعصار كاترينا "مؤيدة للسوق الحر". يمكننا التأكد تمامًا من أن نفس الأنواع من الاجتماعات سوف يتم عقدها في هذه اللحظة. في الحقيقة، الشخص الذي رأس مجموعة كاترينا هو مايك بنس. شهد الناس حدوث ذلك في كفالة إنقاذ "البنك" الأصلي، حيث أصدرت البلدان كل هذه الشيكات على بياض، التي أضيفت مؤخرًا إلى جملة التريليونات من الدولارات. لكن التكلفة الحقيقية لذلك جاءت في شكل تقشف اقتصادي وبعد ذلك خفض الخدمات الاجتماعية. لذا، فإن الأمر لا يتعلق بما يحدث الآن، إنما في الطريقة التي يدفعون بموجبها ثمن ذلك في وقت ما في المستقبل عندما تصبح فاتورة كل ذلك مستحقة الدفع.

هل هناك أي شيء يمكن أن يفعله الناس لتخفيف ضرر رأسمالية الكوارث التي نشهدها بالفعل في الاستجابة لفيروس كورونا؟ هل نحن في وضع أفضل أم أسوأ مما شهدناه أثناء إعصار كاترينا أو الركود العالمي الأخير؟

عندما تختبرنا الأزمة فإننا أما أن نتراجع وننهار أو نتصرف بعقل ونعثر على احتياطات قوة وتعاطف لم نكن نعرف بأننا قادرون على الإتيان بها. سوف يكون ذلك أحد هذه الاختبارات. يرجع السبب في أن لدي بعض الأمل في أننا يمكن أن نختار التطور –بعكس ما فعلنا في العام 2008- إذ إن لدينا مثل هذه الخيارات السياسية الفعلية التي تقدم نوعًا مختلفًا من الاستجابة للأزمة يصل إلى الأسباب الحقيقية لضعفنا، وإلى الحركة السياسية الواسعة التي تساند هذا النوع من الاستجابة.

هذا ما يدور حوله كل العمل في الصفقة الجديدة الخضراء؛ ويتمثل ذلك العمل في الإعداد للحظة مثل هذه. لا يمكن لنا أن نفقد الشجاعة، يجب أن نقاتل أكثر من أي وقت مضى لتحقيق رعاية صحية على مستوى العالم ورعاية للأطفال على مستوى العالم وإجازة مرضية مدفوعة الأجر، على أن يترابط كل هذ العمل ترابطًا وثيقًا.

إذا تبين أن الحكومات والنخبة العالمية تسعى إلى استغلال هذه الأزمة لتحقيق غاياتها الخاصة، ماذا يمكن للناس أن يفعلوا لرعاية بعضهم البعض؟

"سوف أسعى لرعاية نفسي ورعاية أفراد أسرتي، يمكننا أن نحصل على أفضل ضمان متاح، وإذا لم تحصل أنت على ضمان جيد، ربما تكون قد ارتكبت خطأ لا يد لي فيه": هذا نوع من ما يحدثه الاقتصاد القابض على زمام الأمور في عقولنا. يتمثل ما تكشفه أزمة مثل التي تحدث الآن في تماسك الناس. نكتشف في لحظة حقيقية بأننا أكثر ارتباطًا ببعضنا البعض حتى نتجاوز ما يريدنا أن نصدقه نظام اقتصادي يوغل في القسوة.

اقرأ/ي أيضًا: وباء كورونا وإعادة التفكير في سياسات الطوارئ

ربما نعتقد بأننا في مأمن عند حصولنا على رعاية صحية جيدة. ولكن إذا كان الشخص الذي يعد طعامنا ويقدم خدمة توصيله أو يغلف صناديق طعامنا لا يحصل على رعاية صحية ولا يستطيع الدفع للحصول على الفحص، ناهيك عن البقاء بالبيت لأن الناس لا يحصلون على إجازات مدفوعة الأجر، فإننا لن نكون في مأمن. إذا لم نعمل على رعاية بعضنا البعض، لن يحصل أي أحد على الرعاية. جميعنا واقعون في شراك.

تعتبر هذه الأوضاع أوضاعًا مثالية للحكومات والنخب العالمية لتنفيذ أجندة سياسية يمكن أن تقابل بمعارضة كبيرة، ما لم يتم التشويش علينا جميعًا

تضيء الأساليب المتعددة لتنظيم المجتمع جوانب متعددة من دواخلنا. إذا كنت ضمن نظام تعرف أنه لا يقدم الرعاية للناس ولا يوزع الموارد بشكل متساوٍ، حينها سيضيئ الجانب المكتنز داخل أعماقك. إذا، كنت على معرفة بذلك، فبدلًا عن أن تفكر حول الاكتناز والأسلوب الذي تتمكن عبره من رعاية نفسك وأسرتك، يمكنك التركيز على التشارك مع جيرانك وتفقد الناس الأكثر استضعافًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 اتحاد أوروبي بلا أوروبيين.. كورونا والقوميّة المتخيّلة