01-مارس-2020

منصقة المهرجان 2020 (فيسبوك)

من قلب إيطاليا، والتي اعتُقد لوهلة أن انحرافًا معاديًا للتعددية الثقافية اجتاحها، راميًا إيّاها إلى ضفة يمين شعبوي، بأبطاله الذين شاهدنا بروز خطابهم المرعب داخل الساحة السياسية. أبطالٌ سرعان ما انطفأت جذوتهم، ليعود التوهج المعهود إلى قلب البلاد، جامعًا ومحتضنا كل مكوناتها السكانية على اختلاف ثقافاتهم، لغاتهم وأديانهم.

كان الأدب، حتى في أحلك أيام الاستقطاب الأيديولوجي المذكورة، دائمًا في صف المقاومة، دفاعًا عن الجمال الإنساني وقيم التسامحُ المأمولة

والأدب، حتى في أحلك أيام الاستقطاب الأيديولوجي المذكورة، كان دائمًا في صف المقاومة، دفاعًا عن الجمال الإنساني وقيم التسامحُ المأمولة. وها هو ذا الأدب نفسه، في إيطاليا نفسها، يجدد الاستجابة للحظته التاريخية، هذه المرة بمشروع ثقافي جذوره في روما، بينما أفرعه تمتد وصولًا إلى الضفة الأخرى من المتوسط؛ العالم العربي أقصد.

اقرأ/ي أيضًا: "مهرجان الهاي للأدب والفنون" يصل الإمارات في ظل إدانات لانتهاكات حرية الرأي

نهاية الأسبوع الماضي عرفت العاصمة الإيطالية روما، وعلى هامش مهرجانها الدولي للشعر "Ritratti di Poesia"، انعقاد الاجتماع التأسيسي لجمعية الثقافية عمدت باسم "In itinere"، أو "على الطريق" في ترجمة عربية.

الاسم المشتق من اسم المهرجان الشعري "شعراء سائرون"، يحمل دلالة تتحدث عنها عضوة الجمعية الكاتبة الجزائرية أمل بوشارب قائلة إنه: "في الطريق تصقل الخبرات وتصنع الحياة ويولد الشعراء الملتزمون بقضايا المجتمع وما يدور حولهم، والمثقفون الذين لا يعيشون في برج عاجي وإنما يمشون في الطرقات بين الناس. وهذا ما نود تجسيده بجمعيتنا".

"على الطريق" هذه الجمعية التي، وكما تحدد الورقة التأسيسية أهدافها، تأخذ على عاتقها تعزيز العلاقات الثقافية مع العالم العربي، وذلك من خلال تنظيم فعاليات ثقافية، وفنية ونشر إصدارات مشتركة باللغتين العربية والإيطالية، وذلك من أجل خلق مناخ أدبي مفتوح تلعب فيه الترجمة دورًا محوريًا في تعزيز الأواصر الأدبية بين ضفتي المتوسط. إضافة إلى الترويج للأدب الإيطالي المعاصر والموروث الثقافي الإيطالي.

فيما أوكلت رئاسة الاجتماع التأسيسي للشاعرة الإيطالية البارزة إليزابيتا ديستازيو، وبحضور ستة أعضاء مؤسسين من الوجوه الأدبية المرموقة داخل الساحة الإيطالية، على رأسهم الناقد وأستاذ الأدب الإيطالي في جامعة كولومبيا الأمريكية باولو فاليزيو، ورئيسة تحرير مجلة "أتولييه" الأدبية كليري تشيليستي، ومديرة الثقافة السابقة في إقليم "بوليا" آنا ماريا لونغو، ومن العالم العربي الروائية الجزائرية أمل بوشارب والمستعرب الإيطالي سيموني سيبيليو.

في حديثها لـ"ألترا صوت"، أعربت الشاعرة الإيطالية إليزابيتا ديستازيو، عن أملها الكبير في تحقيق مشروع ثقافي جامع غير مانع، مضيفة أن هذا المشروع "سينفتح على كافة أطياف المجتمع ومختلف فئاته. والهدف منه مناهضة كل أشكال الفاشية وخلق ثقافة مضادة". هذا وتأخذ الجمعية إعادة الشعر للأماكن العامة مسؤولية تحملها هي الأخرى على عاتقها، حسب ما أوردت رئيسة الجمع التأسيسي.

من جهتها، تقف الكاتبة الجزائرية والمترجمة أمل بوشارب على الواقع الروابط التي تجمع الأدب العربي ونظيره الإيطالي، والتي "يطبعها ضعف التواصل بين الإنتاجين الثقافيين بالرغم من القرب الجغرافي بين القطرين"، على حد قول بوشارب. مضيفة: "إننا بحاجة إلى العمل أكثر على تقريب ثقافتنا العربية من الإيطاليين، وكسر تلك الصورة النمطية التي تروج إعلاميًا علينا كعرب، وتربطنا دائما بالإرهاب والعنف، ومشاهد الخراب التي تؤثث نشرات الأخبار وتقدم صورة قاتمة عن مجتمعاتنا".

من هنا يجترح مشروع "على الطريق" شرطًا من شروط وجوده، أي من ضرورة تعريف المجتمع الإيطالي على الصور الحقيقية للثقافة العربية، بوصفها ثقافة للحياة ضد الموت، للجمال ضد القبح الذي يخط معالمه التطرف اليميني في شكليه؛ الشعبوي الأوروبي والأصولي الإسلامي. كما يبرز هذه الثقافة العربية على نحو يعبر عن ثرائها الحقيقي وتنوعها بالرغم من كل ما يكتنف بلدانها من أزمات.

"هذا ما نريد الحياة في حوض البحر الأبيض المتوسط أن تكون عليه، أي أن تعيش شعوبه حالة انفتاح وتناغم ثقافي مع بعضها البعض" تقول صاحبة رواية "ثابت الظلمة"، الجزائرية أمل بوشارب. وتسترسل في الحديث مؤكدة أن "عناق ضفتي المتوسط كان لا بد أن يترجم بشكل أو بآخر بتلاقي رؤى الفاعلين الثقافيين من الضفتين، وهذا ما ستقوم به الجمعية". مضيفة أن اشتراكها في فعل ثقافي موحد مع شعراء ومترجمي إيطاليا، نابع من التزامها الشخصي بـ"توثيق العُرى الثقافية بين شعوبنا من خلال الحرص على تقديم ترجمات عربية لمؤلفين إيطاليين بشكل دوري". هذا وختمت بوشارب حديثها بالإشارة إلى أن: "الانفتاح والتلاقح بين الثقافات هو بالضرورة فعل يتم من جهتين وليس من طرف واحد فقط".

يجترح مشروع "على الطريق" شرطًا من شروط وجوده، أي من ضرورة تعريف المجتمع الإيطالي على الصور الحقيقية للثقافة العربية، بوصفها ثقافة للحياة ضد الموت

فيما شدّد الشاعر الإيطالي وأستاذ الأدب العربي في جامعة فينيسيا سيموني سيبيليو على البعد المتوسطي للمشروع وأهمية مرافقته بإصدارات باللغتين العربية والإيطالية لتعزيز التبادل الثقافي بين ضفتي المتوسط، بالإضافة إلى تفعيل دور الجامعة لخدمة هذا الهدف.

اقرأ/ي أيضًا: معرض "ممنوع التهذيب".. ترنيمة للحرية

يذكر أن جمعية "على الطريق" ستتخذ بلدية فيوميتشينو الساحلية في روما مقرا لها، وسيضم مجلس إدارة الجمعية كل من إليزابيتا ديستازيو، أمل بوشارب وسيموني سيبيليو. كما ستسهر على تنظيم الدورات القادمة من المهرجان الشعري "Poeti in itinere"، والذي عقدت دورته الأولى الجمعة الماضية، 21 شباط/فبراير الجاري، تحت عنوان "أشعار بين لحد ومهد" وبحضور نخبة من أهم شعراء إيطاليا المعاصرين. فيما تعد الجمعية بأن دورته القادمة ستعرف حضور كبير من الدول العربية والعالم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

معرض الدار البيضاء الدولي للكتاب.. إقبالٌ كبير ولكن

عبد السلام بنعبد العالي في "لا أملك إلَّا المسافات".. توليد الفكر واللغة