29-نوفمبر-2017

المال السعودي كان سببًا في تغيّر موقف ترامب من الرياض (مارك ويلسون/ Getty)

يُمكن وصف العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية بـ"غير المشروعة"، من جهة أن تكون هناك علاقة بهذه القوة بين جمهورية علمانية وثيوقراطية أصولية، ومن جهة أن الولايات المتحدة، ومن بين آخرين، تمثل السعودية لها تهديدًا أمنيًا كونها أكبر الداعمين والممولين التاريخيين للجماعات الإرهابية. ومع هذا تمضي العلاقات بين البلدين، وتحكمها في النهاية المصلحة المتبادلة والمتمثلة في المال السعودي مقابل الحماية/السلاح الأمريكي. لكن سنوات العسل المغشوش هذه قد تنتهي قريبًا، وفقًا لمقال نشره موقع "New Statesman" ننقله لكم مترجمًا في السطور التالية.


هل يمكن تشبيه التحالف طويل الأمد والغريب بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، بالهرم المريخي الذي هبط للمرة الأولى على الأرض؟ الصداقة الوثيقة بين الجمهورية العلمانية والثيوقراطية السلفية؟ السندات غير القابلة للكسر بين الديمقراطية الليبرالية والملكية المطلقة؟

بين أمريكا والسعودية علاقة غريبة أن تكون بين جمهورية علمانية وثيوقراطية سلفية. قد تفسرها المصالح المتبادلة: المال مقابل الحماية

ربما يجب علينا بالعودة إلى شباط/فبراير 1945، عندما التقى فرانكلين روزفلت بالملك السعودي المؤسس عبد العزيز، على متن السفينة كوينسي في قناة السويس، لإبرام "صفقة فاوستية" (نسبة إلى فاوست الذي باع روحه للشيطان)، عرفت باتفاقية كوينسي، وبموجبها تقدم واشنطن الحماية والأمن في حين تقدم الرياض احتياجات واشنطن من النفط.

اقرأ/ي أيضًا: أدلة إضافية ضد مملكة الإرهاب.. تدريبات على "غزوة مانهاتن" بأموال السعودية

لم ينحرف أي رئيس أمريكي عن هذه الشروط منذ أن أبرم روزفلت تلك الاتفاقية، بل حتى باراك أوباما الذي نقم عليه السعوديون لإبرامه الاتفاق النووي مع إيران، قد وافق على بيع أسلحة بقيمة 115 مليار دولار للسعودية، وهي إحدى صفقات السلاح التي لم يسبق لها مثيل، خلال فترة الثماني سنوات التي قضاها في منصبه.

لم تكن الحكومات البريطانية بعيدة عن ذلك، فقد كانت السعودية حليفة مقربة ومشترية رئيسية للأسلحة البريطانية منذ الستينيات. هذا وقد تجاهلت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، بل دفنت، تقريرًا رسميًا عن التمويل الأجنبي للتطرف ودور السعودية البارز في هذا الشأن، والذي عرف بتقرير هنري جاكسون.

"لا أرى ولا أسمع ولا أتكلم"، نعم هذا هو الموقف المخزي للعديد من الحكومات الغربية عندما يتعلق الأمر بمملكة النفط. وقد ظلت الإدارات الأميركية المتعاقبة، الديمقراطية والجمهورية، صامتةً حتى عن قضية الإرهاب ذات الأهمية القصوى، في حين أن 15 من الـ19 الذين نفذوا هجمات 11 أيلول/سبتمبر من المواطنين السعوديين، ومع ذلك فإن لسان حال تلك الحكومات: "ليست هناك أية مشكلة"! 

هذا وقالت مذكرة مسربة من وزارة الخارجية الأمريكية، نصًا: "إن المانحين في السعودية يُشكِّلون أهم مصادر التمويل للجماعات الإرهابية السنية في العالم". إذا كان ذلك مقلقًا، فهناك ما هو مقلق أكثر: هل تعلم أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يقوم بطبع نسخ من الكتب المدرسية السعودية لاستخدامه كمناهج تعليم وتربية في معسكراته ومدارسه؟!

المثير للاهتمام في هذه الأيام، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه هو الذي يُعيد تنشيط العلاقات الخاصة بين بلاده والسعودية. نفسه ترامب الذي كان قد اتهم السعودية في وقت سابق بالوقوف وراء هجمات 11 أيلول/سبتمبر. تخطة ذلك سريعًا، وجعل من الرياض محطته الأولى وافتتاحية جولاته الخارجية في رئاسته. لم يتوقف عند ذلك، بل أعلن كذلك تأييده الكامل لحملة اعتقالات محمد بن سلمان لأمراء ومسؤولين ورجال أعمال سعوديين.

قوة العلاقات بين السعودية وأمريكا قد لا تدوم طويلًا بسبب العداوة المتزايدة تجاه السعودية من قبل المُشرّعين الأمريكيين

لكن هذا المشهد قد يتغير، فكما هو الحال دائمًا تتغير الأمور. وبالنظر في الأحداث ومجريات الأمور في الكونغرس الأمريكي. في أيلول/سبتمبر 2016، رُفض مشروع قانون قُدم من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في مجلس الشيوخ، لوقف بيع أسلحة تُقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار من الدبابات الأمريكية الصنع والأسلحة الأخرى إلى السعودية، بتصويت 71 إلى 27. ومرةً ثانية، في حزيران/يونيو من هذا العام، رُفض مشروع قانون مماثل قدمه أيضًا الحزبان كلاهما، لمنع بيع نظام توجيه دقيق للقذائف إلى السعودية، بمقدار 510 مليون دولار، ولكن في هذه المرة كان الفارق في التصويت ضئيلًا جدًا: 53 إلى 47.

اقرأ/ي أيضًا: بسبب جرائمها في اليمن.. ضغوط أوروبية لوقف بيع السلاح للسعودية

وقبل التصويت على مشروع القانون، قال كريس ميرفسي، عضو الكونغرس عن الحزب الديمقراطي، وممن شاركوا في صياغة مشروع القانون: "بغض النظر عما إذا كان العدد 48 أو 51 أو 45، فإن هذه رسالة مهمة جدًا للسعودية، مفادها أننا جميعًا نراقبها". وقد ذهب أعضاء مجلس الشيوخ الآخرون أبعد من ذلك، إذ قال بيرني ساندرز، أحد مؤيدي مشروع القانون، في مقابلة صحفية: "أعتبر السعودية بلدًا غير ديمقراطي ويدعم الإرهاب في جميع أنحاء العالم. السعودية ليست حليفة للولايات المتحدة".

وفي 13 تشرين الثاني/نوفمبر، وللمرة الأولى منذ بدء حملة قصف التحالف السعودي على اليمن، في آذار/مارس 2015، صوت مجلس النواب بإجمالي 366 صوتًا مقابل 30 صوتًا لصالح قرار مثير للجدل، إذ ينص على أنّ الكونغرس لم يُصدر أي تشريعات محددة تسمح باستخدام القوة العسكرية في اليمن. كما أنّه يندد بـ"الاستهداف المتعمد للمدنيين".  

رو خانا، وهو عضو في الكونغرس عن الحزب الديمقراطي، قال إنّه يشعر بالغضب بسبب "الكارثة الإنسانية"، التي تسببها السعودية في اليمن، مُتسائلًا باستنكار: "لماذا تساعد الولايات المتحدة على قصف السكان المدنيين، ما أدى لوقوع مجازر وتفشي أوبئة كالكوليرا فضلًا عن المجاعات. رو خانا لا يقصد الإشارة إلى مواجهة مع الرياض، لكنه في المقابل يعتقد أنه على الولايات المتحدة ألا تمد يد العون للنظام السعودي. 

وقد تكون هذه العداوة المتزايدة من قبل المُشرِّعين، جنبًا إلى جنب مع العدد المتزايد من المطبوعات والمنشورات المعادية للسعودية في الصحافة الأمريكية؛ جزءًا من السبب في أن الرياض، كما ذكرت صحيفة فايننشال تايمز، تخطط لإقامة مراكز علاقات عامة جديدة "تعمل على تحسين التصور الدولي للسعودية". وقد يُساعد أيضًا في تفسير التوقيت الساخر نوعًا ما لقرار الملك السعودي الأخير بالسماح بقيادة المرأة للسيارة!

ولكن هل يمكن لمراكز العلاقات العامة تلك أن تنقذ بيت آل  سعود، الذي قطع الكثير من الرؤوس، ربما أكثر بكثير من الرؤوس التي قطعها داعش؟ إلى متى سيستمر السياسيون والنقابات في الولايات المتحدة بغض الطرف عن الدعم السعودي -الأيديولوجي والمالي- لمجموعة من أسوأ الجماعات الجهادية؟ أو "كيف يمكن أن تكون الولايات المتحدة متحالفة مع النظام الذي يُصدّر الإرهاب؟"، هكذا تساءل السيناتور رو خانا، مُضيفًا: "الرؤية السعودية للدين تتناقض مع القيم التعددية والليبرالية المفتوحة".

هناك شعور متزايد في أمريكا، سواءً من اليمين أو اليسار، بضرورة تحميل السعودية مزيدًا من المسؤولية عن دعم وتمويل الإرهاب 

ويدرك رو خانا جيدًا تأثير اللوبي السعودي، الذي يقر بأنه قد أقام علاقاتٍ مع لاعبي السلطة في جميع أنحاء واشنطن، وساعد على تدعيم التحالف الذي دام سبعة عقود بين البلدين. ومع ذلك، لديه رسالة واضحة للرياض. يقول خانا، في إشارة إلى زملائه في الكونغرس: "هناك شعور متزايد من اليمين واليسار بأنه علينا أن نُحمّل السعودية مزيدًا من المساءلة"، مُضيفًا: "نحن لن ننفك عن محاولتنا تلك ولن نستسلم أبدًا". ويُمكن للسعودية أن تعتبر هذا تحذيرًا، حتى لا تقول في يوم من الأيام إن أحدًا لم يحذرها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أدلة إضافية ضد مملكة الإرهاب.. تدريبات على "غزوة مانهاتن" بأموال السعودية

تخبط السياسات السعودية.. مادة للسخرية لولا كلفتها الدموية!