22-يناير-2024
المفكر العربي عزمي بشارة (العربي)

المفكر العربي عزمي بشارة (العربي)

شدّد المفكر العربي عزمي بشارة، المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في حوار خاص مع تلفزيون "العربي"، في اليوم 107 للحرب، مساء الأحد؛ على أهمية وجود قيادة موحّدة تستطيع ترجمة تضحيات الشعب الفلسطيني إلى إنجازات سياسية ملموسة.

ورأى صاحب كتاب "في المسألة العربية: مقدمة لبيان ديمقراطي عربي" أنّ تطبيع بعض الدول العربية مع "إسرائيل" زادها تطرفًا ولم يساعد الفلسطينيين.

وحذّر من قبول العرب بتعهد أمريكي أو إسرائيلي بإمكانية أن تقوم دولة فلسطينية للعودة إلى مسار التطبيع من جديد، على أنقاض وركام مدينة غزة ومخيماتها، وبعد كل التضحيات التي قدّمها الشعب الفلسطيني ومقاومته.

ولفت بشارة إلى أنّ التحركات الأمريكية في المنطقة تقوم على افتراض أنّ "إسرائيل ستنجز المهمّة" في قطاع غزة، مشدّدًا على أنّ من حق المواطن العربي أن يعرف الترتيبات التي تناقش بين المسؤولين العرب والإدارة الأمريكية في هذا السياق.

أما بخصوص الوثيقة التي قدّمتها حركة حماس حول روايتها لعملية طوفان الأقصى فقد وصفها بـ"الجيدة"، كونها تضمّنت ردًا "منطقيًا ومحكمًا" على الادعاءات بشأن ما جرى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، كما أنّها تفتح المجال لموقف فلسطيني موحد يتصدى لما يدبر للقضية الفلسطينية.

وفي سياق الموقف الأمريكي، رأى أن هناك تغيّرًا طفيفًا و"ليس جوهريًا"، فالولايات المتحدة لا تمارس تقييدًا حقيقيًا على "إسرائيل" بشأن التزود بالسلاح واستعماله. ولفت إلى أنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن قال علنًا إنّ أمريكا كانت تقترب من تطبيع سعودي إسرائيلي وإنّ حركة حماس أفشلته.

رأى عزمي بشارة أن هناك تغيّرًا طفيفًا و"ليس جوهريًا" في الموقف الأمريكي، فالولايات المتحدة لا تمارس تقييدًا حقيقيًا على "إسرائيل" بشأن التزود بالسلاح واستعماله

وبحسب بشارة فإن "بايدن لم يستنتج من ذلك بأنه لا يمكن التطبيع بدون حل قضية فلسطين ولكنه استنتج ضرورة القضاء على حركة حماس".

ورأى أن الموقف الرسمي العربي عاد بعد فترة من الفوران نتيجة الاحتجاجات إلى ما كان عليه، ملاحظًا أنّ الخطاب الذي حاول احتواء الشارع، زال بعد تحديد خطوط حمراء ما أتاح ضوءًا أخضر لكل ما هو غير التهجير.

"إسرائيل" تسد الطريق على كل مبادرات الحل

تطرق بشارة، في حديثه لـ"العربي"، إلى ما يُحكى عن خطة أمريكية مصرية قطرية على ثلاث مراحل لوقف إطلاق النار، ولفت إلى أنّ ذلك يأتي في إطار المسعى المتعلق بإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس، على أساس الهدن الإنسانية وتخفيف الضغط على الشعب في قطاع غزة، وتحقيق جزء من تبادل الأسرى مع الإسرائيليين.

وأشار إلى أنّ الاقتراح القطري كان مؤلفًا من ثلاث مراحل ويصل إلى 90 يومًا وينتهي بوقف إطلاق النار، إلا أنّ "إسرائيل" قبلت المرحلة الأولى منه فقط، وهي تبادل جزء من الأسرى، لا سيما الكبار بالسن والمرضى مقابل هدنة تستمرّ لشهر، لكنّها رفضت تقديم أيّ ضمانات حول وقف إطلاق النار.

وذكّر بشارة بأنّ ما أشيع عن وجود بند في الاقتراح حول خروج قادة حماس كان كذبًا، ولم يكن جزءًا من أيّ خطة، بل هي فكرة إسرائيلية خالصة.

وتحدث عن "طريق مسدود" في المفاوضات حول تبادل الأسرى، لأنّ "إسرائيل" ترفض إطلاقًا الالتزام بوقف إطلاق نار شامل، في حين أنّ حركة حماس تشترط وقف إطلاق النار.

وتحدّث عن بعض الخلافات التي بدأت تظهر في حكومة الحرب، لكنّ ذلك محصور بمدى أهمية وأولوية تحرير الأسرى.

وأوضح أنّ هناك مخاوف متعلقة بالتحقيق الذي سيجري لاحقًا، ومن سيلام على فشل 7 أكتوبر بين المستويين السياسي والعسكري، لكنّه شدد على عدم وجود خلافات بين نتنياهو وغالانت على مستوى الخطط العسكرية بشأن ضرورة استمرار الحرب، فكلاهما مصرّان على استمرار الحرب حتى النهاية، وكلاهما يُخضِعان موضوع الأسرى لاستمرار الحرب ويعتقدان بأولوية الشأن العسكري، على الرغم من وجود خلافات شخصية بينهما.

المناخ الإسرائيلي لا يزال ثأريًّا

أعرب بشارة عن اعتقاده بأنّ الجو العام في "إسرائيل" لا يزال "ثأريًا انتقاميًا" حتى الآن، مشيرًا إلى أن الخسائر في الأرواح تغذي هذه النزعة وليس العكس، حيث إنّها تصبح حجّة للاستمرار في الحرب من أجل تحقيق الهدف، بعد الثمن الذي دُفِع حتى الآن.

وقال: "الخسائر توظَّف الآن في صالح استمرار الحرب لكي يتحقق الهدف، فقد أصبح واضحًا أنّ القضية هي القضاء على الذراع العسكرية لحركة حماس، والمجتمع الإسرائيلي بأغلبيته الساحقة يؤيد هذا التوجه، كما أنّ القوة الرئيسية في العالم التي تدعم إسرائيل وبدونها لا يمكن أن تستمرّ الحرب لا تزال تصرّ على ضرورة القضاء على المقاومة".

ولفت إلى أنّ أحدًا لا يفكر بأنّ ما يحصل دليل على أنه لا يمكن فعل شيء من دون حل القضية الفلسطينية، ملاحظًا بعض المزايدات في هذا الإطار حتى بين نتنياهو وغالانت، اللذين كانا يتسابقان لإرضاء الجمهور الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر، حتى لا يُتّهَما بالتخاذل.

وأوضح أنّه لا يوجد لدى أي منهما تصوّر لمستقبل سياسي لقطاع غزة ضمن حل القضية الفلسطينية، بل إنّ نظرتهما للقطاع أمنية فقط، حيث يعتبران أن "إسرائيل" لن تكون في أمان إلا إذا سيطرت أمنيًا على قطاع غزة.

أعرب بشارة عن اعتقاده بأنّ الجو العام في "إسرائيل" لا يزال "ثأريًا انتقاميًا" حتى الآن، مشيرًا إلى أن الخسائر في الأرواح تغذي هذه النزعة وليس العكس، حيث إنّها تصبح حجّة للاستمرار في الحرب

وأشار بشارة إلى نقطة خلاف أخرى بين الجانبين، حيث إنّ غالانت ومعه قيادة الجيش يريد نقاشًا حول مستقبل غزة يشارك فيه الجيش، لكن نتنياهو يرفض إجراء هذا النقاش في كابينت الحرب، لأن أطراف الائتلاف اليمينية المتطرفة ترفض أن يحصل هذا النقاش بغيابها.

وقال: "هذا نقاش حاد وموجود وهناك أطراف إسرائيلية مهتمّة به، ويبدو أنّ نتنياهو مستعد لإغضاب قيادة الجيش الإسرائيلي إرضاء للقوى اليمينية المتطرفة المتحالفة معه".

وأعرب بشارة عن اعتقاده بأنّ الخلافات بعد الحرب ستكون مختلفة عن الخلافات الحالية، مضيفًا: "حين تهدأ الأمور سيعود النقاش حول طابع إسرائيل ومستقبل المناطق المحتلة، وستكون الساحة مهيأة لنقاشات عميقة جدًا بعد هذه الهزة الكبرى"، طارحًا كذلك علامات استفهام حول ما إذا كانت دول عربية ستعطيهم هدايا مجددًا عبر التطبيع.

بين الدولة والولايات المتحدة واليمين الإسرائيلي

في الحديث عن التحركات الأمريكية، في ضوء جولة وزير الخارجية أنتوني بلينكن في المنطقة، أوضح صاحب كتاب "مسألة الدولة" أن بلينكن لم يأتِ لمناقشة وقف الحرب كما روّج البعض، بل لمناقشة ما بعدها، أي بعد أن تنهي "إسرائيل المهمّة"، وهذا يفترض أنّ الأمريكي يعطي "إسرائيل" مهلة لتنهي هذه "المهمّة"، ويناقش ما بعد ذلك، أي اليوم التالي للقضاء على المقاومة.

وشدّد على أنّ "كل من يشارك في هذا النقاش يناقش ماذا سيجري بعد القضاء على حركة حماس". وتساءل عن فحوى النقاش بين الدول العربية والولايات المتحدة بهذا الشأن.

ولاحظ أنّ الحديث عن الدولة الفلسطينية الذي أثاره الرئيس جو بايدن ليس جديدًا، كما حديثه عن إمكانية قبول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو به، مذكّرًا بأنّ نتنياهو قبل بها عام 2009 لكنه وضع شروطًا تنسفها، إذ إنّ إخضاع الدولة الفلسطينية للشروط الأمنية الإسرائيلية ينسفها.

وانطلاقًا من ذلك، حذّر الدكتور عزمي بشارة من قبول العرب بتعهد أمريكي أو إسرائيلي أن تقوم دولة فلسطينية، وأن يكون هذا التعهد كافيًا للعودة إلى التطبيع بعد كل المذابح التي حصلت والتضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني، وأن يتم ذلك على ركام وأنقاض قطاع غزة.

وفي إطار الحديث عن الموقف الأمريكي، وما يُحكى عن خلافات أمريكية إسرائيلية على موضوع الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لفت بشارة إلى أنّ الأمريكيين ربما يقولون في الجلسات المغلقة إنّهم يأسفون لسقوط هذا العدد من المدنيين في غزة، لكنّهم لا يعترفون حتى بذلك في العلن.

ولاحظ أنّ الأمريكيين يرفضون تسمية ما تقوم به "إسرائيل" في غزة بأنه إبادة جماعية، كما يتصدّون لأيّ قرار في مجلس الأمن يدعو لوقف القتال، فضلًا عن أنّهم لا يمارسون تقييدًا حقيقيًا على "إسرائيل"، على صعيد كيفية استخدام السلاح الذي يزوّدونها به.

وخلص إلى أنّه لا يوجد أيّ جهد أمريكي مبذول لوقف معاناة المدنيين في غزة من الممارسات الإسرائيلية، بعيدًا عن الكلام، مضيفًا: "لديهم موقف يطلب أن يتغيّر نمط القتال وهو ما لم تستجب له إسرائيل حتى الآن، ولو أنّها قد تنصاع لذلك لاحقًا لأهداف عسكرية وليس تحت الضغط، إلا أنه في المطلق لا يوجد ضغط أمريكي حقيقي لوقف هذه الجرائم".

أما في موضوع الدولة الفلسطينية، فذكّر بشارة بأنّ موقف نتنياهو معروف في مسألة أنّ غرب نهر الأردن، أي فلسطين المحتلة (تشمل الضفة وأراضي 48 وغزة) كلها يعتبرها أرض "إسرائيل" ويريد سيطرة أمنية بالحد الأدنى عليها، بمعنى أنّه يقبل سلطة فلسطينية في المناطق المكتظة بالسكان في غزة والضفة لكنه يصرّ على أن السيطرة الأمنية يجب أن تكون لـ"إسرائيل".

ولفت في هذا الإطار إلى أنّ نتنياهو والأحزاب الاستيطانية حوله تعاملوا مع السلطة الفلسطينية بلا احترام وأضعفوها، لأنهم يعتقدون أنّ هذا قد يشكل نواة لدولة فلسطينية، في حين أنّ الأطراف الأخرى مستعدة للتعامل مع السلطة كأنها دولة.

وأبعد من ذلك، أشار إلى أنّ اليمين الإسرائيلي في ترتيباته لا يأخذ حتى السلطة الحالية بعين الاعتبار، لافتًا في هذا السياق إلى أنّ باقي الأطراف المكونة للائتلاف الحكومي يذهبون لحدّ القول إنّهم لا يرون ضرورة حتى للسلطة بشكلها الحالي، ويقللون من وظيفة السلطة الأمنية، وكأنّهم نسوا ما كان يحصل في السابق.

رواية حركة حماس

بالانتقال إلى الشق الفلسطيني، توقف بشارة عند الوثيقة التي أصدرتها حركة حماس، والتي حملت سرديتها ليوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، فوصفها بالجيدة، واعتبر أنّه من الجيد أنّها صدرت، ولو تأخّرت.

ورأى أنّ هذه الرواية تفنّد الادعاءات الإسرائيلية حول 7 أكتوبر، وتشرح أهداف العملية بوصفها عملية عسكرية لم تستهدف المدنيين.

رأى عزمي بشارة أنّ الوثيقة التي أصدرتها حركة حماس مهمة إعلاميًا بعد تشويه صورة الحركة، وأنها تساعد في فهم مصداقية المقاومة وعدالة قضيتها

كما أنّه أشاد بوصف الحركة لذاتها في الوثيقة كحركة تحرر وطني تتبنى خطًا إسلاميًا معتدلًا وليست معادية لليهود، معتبرًا أنّ ما كُتِب جيد وفيه إجابات على أسئلة طرحها ممثل "إسرائيل" في المحكمة الدولية.

ورأى أنّ هذه الوثيقة مهمة إعلاميًا بعد تشويه صورة حركة حماس، "فهذا يساعد في فهم مصداقية المقاومة وعدالة قضيتها"، لكنّه تحدّث عن أهمية سياسية لها، يفترض أن يتلقّفها الطرف الفلسطيني الآخر، أي السلطة في رام الله. وقال: "هذه الوثيقة يجب أن تُعتبَر خطوة كبيرة وعلى أساسها إذا كانت النيات حسنة يمكن أن يُبنى عليها أكثر من حوار فلسطيني فلسطيني.

في غياب قيادة موحدة

وردًا على سؤال حول إمكانية أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه في السابق بعد انتهاء الحرب، نبّه بشارة إلى أنّ مثل هذا السيناريو قد يحصل، إذا لم تُدَر المعركة بحكمة وصلابة، ولم تترفع الناس عن أحقادها وضغائنها، ولم تتصرف بمسؤولية تجاه الدماء التي سالت.

وقال: "يمكن أن نعود إلى وضع أسوأ ممّا كان، إذا لم يكن هناك طرف فلسطيني يضع النقاط على الحروف، ويقول هذا هو الحل وهذا ما يجب أن يُفرَض"، مضيفًا: "الشعب الفلسطيني دفع أكبر ثمن ممكن تخيّله، وآن الأوان لتحل قضيته لا أن نعود لمفاوضات تشبه مفاوضات أوسلو لكي يقوم الجيل القادم بالمقاومة من جديد".

وأعرب عن اعتقاده بأنّ الحلّ ممكن، بل أنّ الظروف ناضجة تمامًا لذلك، لكنه رأى أنّ "العيب فينا كعرب وكفلسطينيين أننا لا نستطيع أن نترجم هذه التضحيات"، حتى إنّه حذر من انعكاس ذلك على مسألة إعادة الإعمار، قائلًا: "إذا لم يكن هنالك طرف فلسطيني قوي منظّم، سنعاني طويلًا قبل إعادة إعمار غزة ونعاني طويلًا قبل أن تعالج وتضمد جروح هؤلاء الناس الذين ما زالوا يسكنون في الخيام وفي الشوارع".

وقارن بشارة بين ما يجرى في غزة وما جرى ويجري في سوريا والعراق والسودان وليبيا وغيرها من المناطق، حيث لا تزال المآسي والانقسامات مستمرّة، متوقّفًا عند المسألة السورية تحديدًا، حيث كانت المشكلة أيضًا أنّه "لم يكن هناك قيادة تترجم تضحيات الشعب السوري في السنوات الأخيرة".

لا سلام دون حل عادل للقضية الفلسطينية

وعن مآلات التصعيد واحتمالات الحرب الإقليمية، قال بشارة ختامًا إنّ الإقليم لا يمكن أن ينعم بأمن مستدام من دون حل عادل للقضية الفلسطينية، ليس فقط بوجود "إسرائيل"، ولكن بوجود أجندات إقليمية يمكن أن تستغلّ قضية فلسطين.

وفيما لفت إلى أنّه لا يعتبر الأجندات الإقليمية أمرًا سلبيًا، بل يتمنى لو أنّ الدول العربية لديها مثل هذه الأجندات لتتحرك، قال: "طالما هناك قضية فلسطينية مشتعلة ولديها هذا الوزن عربيًا وعالميًا، سيظلّ هناك دول إقليمية لديها أجندات تستعملها، وأحيانًا يكون استخدامها لصالح الشعب الفلسطيني وأحيانًا يكون ضده".

ولفت في هذا الإطار إلى الدعم الإيراني لقضية فلسطين، الذي قد يكون ثمنه في بعض الأحيان "بعض الشروخ في المجتمعات العربية، باعتبار أنّ كل من يعادي إيران يصبح لديه موقف سلبي من القضية ككلّ"، مشيرًا إلى أنّ هذا الارتباك ناجم عن عدم وجود مشروع عربي إقليمي مواجه، "وبالتالي تشتبك الأمور ونرى هذه الفوضى في الإعلام العربي وفي نفوس الناس".

وأضاف: "هذا ما يحصل حين توجد قضية هي مركزية في قلوب الشعوب ونفوسهم وتستحق هذه المركزية، لكن الحكام يتعاملون معها عكس ما تريده الشعوب فتأتي قوى إقليمية أخرى وتستغل ذلك".