05-فبراير-2024
المفكر العربي عزمي بشارة خلال المقابلة

المفكر العربي عزمي بشارة (يوتيوب)

نفى المفكر العربي عزمي بشارة التوصل إلى اتفاق بين "إسرائيل" وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" بشأن إطلاق سراح الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة. ولفت، خلال مقابلة أجراها معه "التلفزيون العربي"، أمس الأحد، إلى أن الشائعات حول هذه المسألة أكثر من الحقائق، لا سيما داخل "إسرائيل"، حيث يُكثر الإعلام من الشائعات ليظهر وكأن الحكومة الإسرائيلية تقوم بجهد لإطلاق سراح الأسرى.

وقال بشارة إنه لم يحدث أي جديد على هذا الصعيد سوى تقديم مقترح إطاري من قِبل القطريين لتبادل الأسرى، تم بحثه وتعديله في باريس بمشاركة مصر و"إسرائيل" والولايات المتحدة. وأوضح أن هذا الاقتراح يتألّف من 3 مراحل، تمتد الأولى على 45 يومًا يجري خلالها تبادل المحتجزين مع الأسرى الفلسطينيين على أساس البدء بالحالات الإنسانية، أي كبار السن والمرضى، إضافةً إلى التفاوض على المرحلتين الثانية والثالثة.

أكد بشارة أن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية تاريخية عن الجرائم التي ارتكبتها "إسرائيل" في غزة لكونها من احتضنها وشجعها على نهجها الانتقامي

وتشمل المرحلة الثانية، بحسب بشارة، إطلاق سراح الأسيرات من الجنديات مقابل عدد معين من الأسرى. بينما تشمل الثالثة الجنود وما تبقّى من الرجال من غير المرضى والمسنين، على أن يجري إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، مع زيادتها، في كل مرحلة من هذه المراحل، إلى جانب الحديث عن "التهدئة" خلال المرحلة الثالثة. ولفت إلى أنه يجري استخدام مصطلح "تهدئة" بدل وقف إطلاق النار، لأن الأخير يثير حساسيات داخل الحكومة الإسرائيلية.

وأكد ضمن هذا السياق على مسألتين مهمتين، وهما تخفيف معاناة الناس وإطلاق سراح الأسرى، وعدم وجود ضمانات بشأن التوصل إلى هذه التهدئة ثم وقف إطلاق النار. وبينما أشار إلى أن الأمريكيين يحاولون إقناع الوسطاء بأنه من الصعب العودة إلى الحرب بعد 120 يومًا من التهدئة، فإنه شدّد على أن ذلك ليس ضمانًا، سيما أن الولايات المتحدة لم تعطِ أي ضمانات.

وأوضح بشارة أن "حماس" ليست لديها أي شكوك بنوايا الوسطاء العرب. وقال إنه يعتقد بأن ردها على المقترح السابق لن يكون بـ"نعم" أو "لا"، بل سيكون ردًّا مفصّلًا تُعدِّه بالتشاور بين الداخل والخارج، ويتضمن تفاصيل تتعلق بتدفق المساعدات، ووقف معاناة الناس التي يرى أنها أولوية بالنسبة لـ"حماس" حاليًا، إلى جانب إدخال المساكن، وبدء إعادة الإعمار، والحديث عن التهدئة، ولكن دون أن تكون هناك ضمانات لذلك.

"إسرائيل" تتعامل مع غزة بوصفها تهديدًا أمنيًا

وفي ما يخص السلوك العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة وما يتعلّق بالمنطقة العازلة وإمكانية التقدّم باتجاه رفح، قال بشارة إن عمليات التجريف التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي على طول الحدود مع غزة، من جهتها، تدخل ضمن ترتيبات اليوم التالي، حيث يكون هناك جدار ومن خلفه منطقة مفتوحة بهدم آلاف الوحدات السكنية. ورأى أن هذه العملية أشبه بعملية الضم والاستيطان لناحية التحكم بأراضٍ ليست لهم.  

واعتبر مؤلف "أن تكون عربيًا في أيامنا" أن هذه العملية جزء من خططهم للتحكم بقطاع غزة بحيث يكون لديهم نقاط مراقبة دائمة وإشراف أمني، لافتًا إلى أن رفض الوجود العسكري الإسرائيلي في غزة سيكون ضمن ردود المقاومة على المقترح السابق، وأن الهدف من هذا الوجود هو الرقابة وتنفيذ العمليات داخل غزة كما يحدث بالضفة الغربية.

أما بشأن الحديث عن اجتياح رفح، فأكد أن حديث وزير أمن الاحتلال يوآف غالانت حول التقدّم نحو المدينة ليس مجرد تلميحات. لكنه أكد أنهم لن يستطيعوا دخول رفح دون تهجير اللاجئين إلى الشمال مجدّدًا، ذلك أنهم لا يستطيعون دخول المدينة بوجود هذا العدد من الناس، لأن ذلك يعني مجزرة بمقاييس كونية بحسب وصفه. ولذلك، يعتقد أنه ستكون هناك عملية نقل السكان من رفح إلى الشمال قبل دخولها، الذي أشار إلى أنه ربما يحدث بعد التهدئة.

ونبّه بشارة إلى أن ما يقوم به الجيش الإسرائيلي في خانيونس من ناحية القصف والتدمير والقتل، يفوق بدرجات ما قام به شمال ووسط القطاع، مشيرًا إلى أن المقاومة بدورها تبدو شرسة في مواجهة جيش الاحتلال.

ولفت هنا إلى أن الإسرائيليين لا ينظرون إلى غزة كقضية وطنية، أو قضية شعب يستحق الاستقلال، وإنما ينظرون إليها فقط من زاوية أمن المستعمِر. وفيما تساءل عمن أمنه مهدَّد أكثر، الإسرائيلي أم الفلسطيني؟ أشار المفكر العربي إلى أن المقلق بالنسبة إلى المستقبل هو تعاملهم مع هذا البلد على أنه تهديد يستدعي فرض الرقابة والعقوبات الجماعية.

رأى بشارة أن العودة إلى مسار التطبيع بين "إسرائيل" والدول العربية هو ما يعني الإدارة الأمريكية وليس وقف الحرب أو معاناة المدنيين

ولهذا يجري التخطيط لمستقبل غزة على هذا الأساس، أي باعتبارها تهديدًا أمنيًا. ولذلك يريد الإسرائيليون وجود قوة شرطية بشراكة عربية أو عربية أمريكية، وبرقابة إسرائيلية، إلى جانب تدريب شرطة محلية لقمع السكان. وقد شدَّد بشارة هنا على أن هذا يُفترض أن يكون مرفوضًا تمامًا.

وقف تمويل "الأونروا" سلوك عنصري

وفي حديثه عن أزمة تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، قال بشارة إن "إسرائيل" تحاول طوال الوقت إقناع الدول المانحة بوقف تمويلها للوكالة بهدف تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين. وبينما أكد على أن هذا لن يمر لأن القضية قضية شرعية دولية ولاجئين نُكبوا ويتحمّل المجتمع الدولي مسؤولية نكبتهم؛ فإنه وصف السلوك الأمريكي والدول التي تبعتها في وقف التمويل، كالببغاء، بأنه سلوك استعماري عنصري.

وأضاف بشارة أنه يجري: "التعامل معنا ليس كأفراد ولكن كجماعات وطوائف تعاقب جماعيًا". كما أشار إلى أنه هكذا كان الاستعمار يتعامل مع شعوب العالم الثالث. وشدَّد كذلك على ضرورة مواصلة المطالبة بعودة التمويل ووقف التعامل العنصري المتعالي مع شعوبنا.

وأكد بشارة أن الشعب الفلسطيني لا يتسوّل المساعدات، ذلك أن المجتمع الدولي هو من أقر بناء دولة "إسرائيل" في الأمم المتحدة، ما نجم عنه تشريد الشعب الفلسطيني. ولذلك فهذه مسؤوليته إلى حين التوصل إلى حل عادل لقضية فلسطين.

"إسرائيل" في زمن الحرب قبيلة

وصف بشارة الإعلام الإسرائيلي بأنه شمولي موجه كآنه آلة دعاية باتجاه التحريض على الحرب ومعاقبة الفلسطينيين، لافتًا إلى عدم وجود رأي آخر يدعو إلى وقف الحرب، أو يتحدث عن معاناة الفلسطينيين. ولكن هناك في المقابل موقف عنصري شامل ضد العرب والفلسطينيين. كما أشار إلى أن "إسرائيل" تتحوّل في زمن الحرب إلى قبيلة تبحث عن الثأر.

وقال بشارة إن الجو في "إسرائيل" دموي وعنصري ومشحون يتضاعف فيه التجييش بدل التهدئة، وتحضير الرأي العام لوقف إطلاق النار

وأعاد بشارة الخلافات السياسية داخل "إسرائيل" إلى التعددية الحزبية والمزايدات الصهيونية العنيفة بين قادة دولة الاحتلال. ولفت إلى وجود إجماع على القضايا الرئيسية فيما بينهم، بينها رفض العودة إلى حدود 1967، وعودة اللاجئين، وتقسيم القدس، بالإضافة إلى الحرب على غزة التي يرى أن الخلاف حولها يقتصر على موضوع الأسرى ومدتها.

وأوضح بشارة أن المجتمع الإسرائيلي مصدوم من حجم جهله بغزة ومقاومتها وقدرة المجتمع الفلسطيني على الصمود.

الولايات المتحدة معنية بالتطبيع وليس وقف الحرب

رأى بشارة أن الموقف الأمريكي ثابت جوهريًا طالما أن الإدارة الأمريكية لم تتجاوز محاولات إقناع "إسرائيل" بدل الضغط عليها. كما أكد أنها تتحمل مسؤولية تاريخية عن الجرائم التي ارتكبتها "إسرائيل" في غزة لكونها من احتضنها وشجّعها على نهجها الانتقامي الشرس الذي أدى إلى إبادة.

من مقابلة الدكتور عزمي بشارة

ولفت صاحب "في المسألة العربية" إلى أن جزءًا من الغضب الأمريكي بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر يرتبط بنسف العملية للإرث الرئيسي في السياسة الخارجية للرئيس جو بايدن، الذي يتمثّل في محاولات بناء تحالف يضم "إسرائيل" وبعض الدول العربية والهند، ويصل إلى أوروبا؛ يواجه الصين وإيران ويملأ الفراغ الذي ستتركه للتفرغ للشرق الأقصى، وهذا يتطلب تهميش القضية الفلسطينية.

وبينما أشار إلى أن ما يحدث في قطاع غزة كان انتقامًا أمريكيًا وليس فقط ثأرًا إسرائيليًا، قال إن هذا الموقف بدأ يلين نتيجة عدة عوامل من بينها حركة الاحتجاج القوية والمؤثرة داخل الولايات المتحدة وخارجها.

وقال بشارة إن الولايات المتحدة ترى أن سلوك "إسرائيل" يمثّل خطرًا على مسار التطبيع مع الدول العربية، لافتًا هنا إلى أن ما يعني الإدارة الأمريكية ليس وقف إطلاق النار ولا معاناة المدنيين، وإنما العودة إلى مسار التطبيع، سيما التطبيع مع السعودية، الذي تُحاول إعادته عبر وعود بإنشاء دولة فلسطينية، وهو بحسبه مجرد حديث شكلي دون تغيير شيء على الأرض.

وأكد بشارة أن الإسرائيليين هم من كانوا يرفضون مبادرات السلام التي كان العرب يوافقون عليها منذ عام 1967. كما أشار إلى أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وافق على خريطة الطريق التي طرحها الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش كما هي، بينما رفضها رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك آرييل شارون. والنتيجة، وفق بشارة، اغتيال من وافق على الخارطة، ومكافئة من قتل ورفض.

أكد بشارة أن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية تاريخية عن الجرائم التي ارتكبتها "إسرائيل" في غزة لكونها من احتضنها وشجعها على نهجها الانتقامي

وأوضح أن السلوك الأمريكي الذي تبنّى خطاب اليمين الصهيوني الديني في عهد دونالد ترامب، عاد مع بايدن إلى نهج باراك أوباما الذي دعا إلى إقامة دولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية، لكن دون اتخاذ أي خطوات لتحقيق ذلك. وبينما رأى أن فلسطين لم تكن ضمن الأجندة الأمريكية في المنطقة، فإنه أكد على أن عملية 7 أكتوبر أعادت فرض هذه القضية مجددًا، ولذلك يمكن اعتبارها تاريخية.

وشدَّد بشارة على ضرورة ترجمة تضحيات الشعب الفلسطيني وصمود المقاومة إلى إنجاز سياسي على مستوى وحدة القيادة الفلسطينية. كما جدَّد، ضمن هذا السياق، قوله إن وثيقة "حماس" الأخيرة كانت بنّاءة وعقلانية وفيها لغة جديدة يمكن البناء عليها.

لكنه حذّر أيضًا من تبديد تضحيات الشعب الفلسطيني في حال كانت هناك ترتيبات لما بعد الحرب بين الولايات المتحدة وبعض الدول العربية، بوجود طرف في القيادة الفلسطينية. وأكد على ضرورة التصدي للمخططات الغربية، كما رأى أن "حماس" منعت تهميش القضية الفلسطينية، وبالتالي حمت القيادة الفلسطينية الحالية.

واستبعد بشارة في نهاية حديثه إلى "التلفزيون العربي" وصول التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران إلى حرب شاملة، طالما أنهما لا تريدان خوضها. كما استبعد اندلاع حرب بين "إسرائيل" و"حزب الله" رغم التحريض على هذا الاتجاه داخل "إسرائيل".