12-فبراير-2024
المفكر العربي عزمي بشارة

المفكر العربي عزمي بشارة (يوتيوب)

قال المفكر العربي عزمي بشارة إن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يُحاول عرقلة اتفاق الإطار أو "اقتراح باريس" كما سُمي لاحقًا، رغم أنه تم التوصل إليه بالاتفاق مع "إسرائيل".

وأوضح في مقابلة أجراها معه "التلفزيون العربي"، مساء أمس الأحد، أنه لا توجد نتائج إيجابية حتى الآن في ما يتعلق بالاتفاق بعد إرسال "حركة حماس" ردّها عليه، الذي بيّن أنه أُرفق بملحق وضعت فيه تفاصيل وخطوات تنفيذ الاتفاق لأنه، وبحسبه، كان هيكلًا ليس فيه مضمون.  

وأشار إلى أن "حماس" أرسلت ردّها بعد أن تم التعديل على الملحق في مفاوضات بينها وبين قطر ومصر، بناءً على ملاحظات أمريكية أُخذت بعين الاعتبار، بحيث أصبح جزءًا من الإطار. كما لفت إلى أن الاقتراح لم يرسل باسم "حماس" وإنما باسم قطر ومصر، وبموافقة أمريكية.

أكد المفكر العربي عزمي بشارة أن إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية هي السبيل لترجمة تضحيات الشعب الفلسطيني إلى إنجاز سياسي

وأعاد بشارة رفض الإسرائيليين للمقترح إلى إصرارهم على أن تكون مدة التهدئة 35 يومًا بدل 45 يومًا التي سبق أن اتفقوا عليها في باريس، بالإضافة إلى رفضهم الحديث عن مرحلة ثانية وثالثة، وكذلك المسجد الأقصى، ووقف اعتداءات المستوطنين، وأوضاع السجناء في السجون الإسرائيلية التي وصفها بأنها أصبحت: "جحيمًا لا يُطاق".

والأهم رفضهم الانسحاب خارج مناطق الكثافة السكانية، وأن يتم توزيع الغذاء على الشمال والجنوب، إضافةً إلى رفض السماح بحركة السكان من الجنوب إلى الوسط والشمال، ما يعني أنه لم يبق من الاقتراح، كما بيَّن بشارة، سوى عملية تبادل الأسرى التي طرأت عليها بعض التغييرات الجوهرية، إذ قام الإسرائيليون بتخفيض عدد الأسرى الفلسطينيين المتفق على إطلاق سراحهم من 1500 بينهم 500 أسير تحدّدهم "حماس"، إلى 1000 بينهم 300 أسير تحدّدهم الحركة.

ورأى أن نتنياهو يحاول أن يسوّف الاتفاق لكي يقوم بعمليات عسكرية أخرى، ما يؤكد أن الهجوم على رفح وراد في الحسبان. مع ذلك، قال بشارة إن ما سبق لا يعني نهاية المطاف، وأعرب عن اعتقاده بأن تكون هناك مفاوضات حول المسألة رغم التراجع الذي حصل. كما شدّد على أن نتنياهو هو من يعرقل التوصل إلى اتفاق، ويتراجع عن اقتراحات سبق أن وافقوا عليها في باريس.

الإسرائيليون ماضون في حربهم حتى النهاية

وبشأن المكابرة الإسرائيلية وإصرار القيادتين السياسية والعسكرية على أنهم قادرون على تحقيق أهداف الحرب، رأى المفكر العربي أن ذلك مردّه إلى عاملين؛ الأول هو "حرق خطوط الرجعة" بعد اتخاذ القضاء على "حماس" واستبدالها بقوة أخرى تُدير القطاع تحت إشرافهم، هدفًا من هذه الحرب مؤكدًًا أنهم ماضون في ذلك حتى النهاية.

أما الأمر الثاني، فهو عدم وجود رادع يجبرهم على وقف تطبيق خطتهم في غزة. وهنا اعتبر بشارة أن حديث الرئيس الأمريكي جو بايدن عن الهدنة الدائمة، رغم أنه جديد، مجرد حديث نظري يشبه حديثه عن الدولة، أي كأنه يقول مشاعره دون توجيه إنذار أو تحذير حقيقي لنتنياهو. ولذلك، فإن الأمر لم يتجاوز بعد حد النصائح.

واعتبر أن الانتخابات الأمريكية عامل أساسي في الموقف من الحرب على غزة، سيما في ظل تورط إدارة بايدن في دعمها غير المشروط لنتنياهو الذي قال إن الأمريكيين نادمون على دعمه، إذ إن التراجع عن دعم "إسرائيل" دون إغضاب فئات من المؤيدين لـ"إسرائيل" أصبح صعبًا. بينما أصبح المضي في دعمها وعدم التراجع عنه يغضب جميع العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، وتحديدًا في الولايات الحساسة مثل ميشيغان.

ولذلك يرى أن بايدن يحاول إرضاء العرب والمسلمين لفظًا، وأن كلامه يوجّه لتهدئة الخواطر في وقت يُقال لهم فيه إن ترامب سيكون أسوأ منه لناحية التعامل معهم داخل الولايات المتحدة.

القضاء على المقاومة أمر صعب

وأكد صاحب "مسألة الدولة" أن "إسرائيل" تدرك بأن القضاء على "حماس" كحركة فكرية وتيار سياسي غير قابل للتطبيق، وأن ما يعنيهم من حربهم هو القضاء على جناحها العسكري "كتائب القسام"، وفصائل المقاومة عمومًا، إلى جانب قدرتها على إدارة قطاع غزة.

وهو هدف قال بشارة إن الإسرائيليين لا يزالون يعتقدون أنه واقعي ولكن ليس بالمدد الزمنية التي يحددها لهم الأمريكان والعرب، وإنما إذا أعُطوا المجال، لا سيما أنهم يتحدثون عن أشهر وسنة، وهو حديث يرى المفكر العربي أنه يجب أخذه بجدية.

لكن هذا لا يعني أنه لا يمكن إيقافهم، خاصةً أنهم يدفعون ثمنًا فادحًا سواء على مستوى هيبتهم أو على مستوى الصورة الناصعة للمقاومة. بيد أن الأمر يتوقف، كما أوضح، على الدور الذي على العرب والولايات المتحدة لعبه لإيقافهم، سيما أن القضية هي قضية إبادة جماعية.

واعتبر بشارة أن الإسرائيليين ماضون في غيّهم حتى النهاية التي أعرب عن أمله بأن تكون نهاية الاحتلال لا المقاومة، التي لفت إلى أنه من الصعب أن يصلوا إلى درجة القضاء عليها. لكنهم يريدون الوصول إلى درجة القدرة على الإعلان عن تحقيق إنجاز ما يمكّنهم من التمهيد لإدخال السلطة المدنية والقوة الأمنية التي ستدير غزة تحت إشرافهم، بمعنى تطبيق نموذج الضفة الغربية في القطاع، الأمر الذي يرى بشارة أنه لن ينجح.

وأعاد بشارة في حديثه التشديد على أن الهدف الرئيسي من الحرب هو القضاء على المقاومة عسكريًا. لكنه تحدّث أيضًا عن هدفٍ آخر مهم جدًا حققوا جزءًا أساسيًا منه، وهو جعل قطاع غزة غير صالح للحياة.

استبعد بشارة أن يدفع الضغط العسكري بـ"حماس" إلى تقديم تنازلات أكثر طالما أن الأمر لن يؤدي إلى وقف إطلاق النار

وأوضح صاحب كتاب "أن تكون عربيًا في أيامنا" أن الغزي سيجد نفسه بعد انتهاء الحرب في بلد ليس فيه مأوى ولا عمل ولا مستشفى ولا مدرسة ولا جامعة، لافتًا إلى أن الإسرائيليين يعتقدون أن مثل هذا الوضع يدفع بالناس نحو الهجرة القسرية، وهذا بحسبه هدف أساسي من الحرب على غزة وليس هدفًا عارضًا أو جانبيًا، كما أنه يقود بالضرورة إلى الإبادة الجماعية.

لذلك، يرى بشارة أنه من المهم أن تكون هناك مرحلة ما بين وقف إطلاق النار وبدء إعادة الإعمار يجري فيها تأمين بنية تحتية بديلة، ومساكن مؤقتة، وعملية إغاثة أوسع، لمنع هجرة الغزيين، مؤكدًا أن عدم التفكير بذلك يؤدي إلى كارثة.

مصر تستطيع وقف هجوم رفح

واستبعد بشارة أن يدفع الضغط العسكري، والهجوم المرتقب على رفح، بـ"حماس" إلى تقديم تنازلات أكثر طالما أن الأمر لن يؤدي إلى وقف إطلاق النار. وشدَّد، ضمن هذا السياق، على أن مصر تستطيع وقف الهجوم على رفح إذا أنذرت "إسرائيل" بشكل علني بأن الذهاب إلى رفح يعني إنهاء معاهدة السلام، التي شرح أنها تنص على وجود عدد معين من الجنود على طرفي الحدود، ما يعني أن التقدّم باتجاه المدينة التي لن يستطيعوا احتلالها دون فرقتين، خرقٌ للاتفاقية.

وفيما أكد على ضرورة منع "إسرائيل" من مهاجمة رفح، وشدّد على أن التحذير العربي عمومًا، والمصري خصوصًا، لا يجب أن يقتصر على موضوع التهجير فقط؛ قال بشارة إن "إسرائيل" تشغلنا بالقادم عما يجري، أي بالهجوم على رفح بما يحدث في خانيونس التي تُرتكب فيها مذابح.

وأعرب عن اعتقاده بأن "إسرائيل" قد تدخل رفح قبل رمضان، وهنا لفت إلى أن الـ35 يومًا التي تحدّث عنها الإسرائيليون قد تكون مفصّلة لرمضان، مؤكدًا أنهم يحاولون احتلال غزة بالكامل قبل الإعلان عن تحقيق إنجاز ما.

إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية

وفي حديثه عن مسألة التمثيل السياسي للفلسطينيين، قال بشارة إن "منظمة التحرير الفلسطينية" هي الممثل الرسمي للشعب الفلسطيني، وقد اكتسبت ذلك بالنضال والتضحيات التي قُدِّمت دفاعًا عن كيانية وطنية فلسطينية ناضل الفلسطينيون من أجلها، وتحوّل فيما بعد إلى نوع من دولة نظرية افتراضية للشعب الفلسطيني.

وقدّم بشارة في حديثه سردًا تاريخيًا للمنظمة منذ تأسيسها مرورًا بتحوّلاتها وما تعرّضت له من مؤامرات ومحاولات إنشاء بديل لها أوضح أن الشعب الفلسطيني بالضفة وغزة ناضلوا ضدها، وصولًا إلى اتفاق أوسلو، الذي قال إن ما جرى بعده هو نشوء ازدواجية بين منظمة التحرير والسلطة التي تحكم الضفة وقطاع غزة. وبدلًا من أن تتبع السلطة المنظمة، حدث العكس تمامًا كما بيّن المفكر العربي الذي رأى أنه تم تقزيم المنظمة وتحويلها إلى أداة بيد السلطة الفلسطينية.

ويرى أن عملية إحياء المنظمة تتطلب وجود جميع الأطراف ضمنها. وأشار في هذا السياق إلى حصول تطور كبير في فكر "حماس" التي بدأت تصعد شرعيتها بسبب الكفاح المسلح الذي يرى أنه أساس الشرعية لدى الفلسطينيين، لافتًا إلى أن شرعيتهم أصبحت كاسحة بعد الحرب، كما أصبح خطابهم أكثر ملاءمة للوحدة الوطنية. ولذلك فهم بحسبه جاهزون للوجود في وحدة فلسطينية مثل المنظمة.

قال بشارة إن مصر تستطيع وقف الهجوم على رفح إذا أنذرت "إسرائيل" بشكل علني بأن الذهاب إلى رفح يعني إنهاء معاهدة السلام

لكنه أوضح في الوقت نفسه أن هناك من بين القوى التي وافقت على أوسلو من لا يرغب بوجود شراكة داخل المنظمة التي لا تدخل عملية إعادة إحيائها، بوصفها بنية تشكّل كيان الشعب الفلسطيني، ضمن رؤيتهم، بل إنها تخالف استراتيجياتهم أيضًا.

وأكد بشارة أن الحديث عن انضمام "حماس" و"الجهاد" والمستقلين والوطنيين وغيرهم إلى منظمة التحرير، هي حديث عن شراكة. وأشار إلى أنه ما لم يكن ذلك ممكنًا، أو يحتاج إلى وقت، فيجب تشكيل قيادة سياسية مؤقتة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية.

ونبّه إلى أن استمرار الوضع الحالي، حيث يوجد طرف يمثّل السلطة ويريد أن تبسط سيطرتها على غزة بعد احتلالها والقضاء على المقاومة، وبالتعاون الأمني مع "إسرائيل" كما هو الحال بالضفة، وبالتالي إخراج "حماس" من المعادلة؛ يؤدي إلى حرب أهلية جديدة.

ولفت إلى أن "حماس" بعد الحرب الحالية، وبغض النظر عن نتائجها، لا تستطيع أن تحكم غزة وحدها. وشدَّد على أن المطلوب لتفادي هدر تضحيات الشعب الفلسطيني هو تحقيق إنجاز سياسي لصالحه، مؤكدًا أن "حماس" والسلطة كلاهما بحاجة إلى منظمة التحرير إذا أرادا أن يبقى الشعب الفلسطيني شعبًا وليس مجرد أطراف متحاربة على سلطة فاقدة للسيادة.   

وأكد المفكر العربي أن إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية سبيلٌ لترجمة تضحيات الشعب الفلسطيني إلى إنجاز سياسي، وعدم السماح باليوم التالي بعد القضاء على المقاومة. وبينما رأى أن الواقع الفلسطيني يدفع باتجاه إحياء المنظمة، تساءل عن قدرة القيادات الفلسطينية على التحرر من الفخ الذي دخلوا فيه بعد أوسلو لناحية أن تصورهم للعمل السياسي أصبح محصورًا في إطار السلطة الفلسطينية.

وقال بشارة إن الغالبية الساحقة من قيادات "حركة فتح"، وليس فقط قواعدها، تريد إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير، وليست راضية بما تتعرض له غزة، وبالشرخ الحاصل، معربًا عن أمله بأن يضغط ما سبق باتجاه الوحدة الفلسطينية.