03-ديسمبر-2016

يتجول بعض الشباب أكثر من تسع مرات حول الكتب لتمضية الوقت الذي لا ينقضي (رمزي حيدر/أ.ف.ب)

تستعيد بيروت أَلَق حروفها في مواسم الكتاب بمعارضه المختلفة. فكرتا الشتاء والقراءة تترابطان غالبًا في الأذهان، لذا تُصادف إقامة المعارض الكبرى بمعظمها، إن لم يكن كلها، في أجواء البرد والمطر التي تعطي كل "ذي مزاج" حقه. معرض الكتاب العربي والدولي يشكل محطة ثابتة في برامج شريحة واسعة من اللبنانيين، لا سيما الشباب.

كثر يضبطون روزنامتهم السنوية على أيامه وعلى ما تحمله من تواقيع وأمسيات وندوات، فيقصدونه من مختلف الأعمار. نساء ورجال. يتنقلون بين ركن وآخر. يتفحصون الرفوف صعودًا وهبوطًا بحثًا عن ضالة حضروا لابتياعها أو بحثًا عمّا يمكن أن يشدّهم غلافه أو عنوانه فيستدعي إلقاء نظرة متأنية واتخاذ قرار سريع: إما إضافة الكتاب إلى أكياس المشتريات أو إعادته إلى الرفّ لينتظر قارئًا آخر.

يستقطب معرض الكتاب في بيروت شباب الجامعات الباحثين عن مراجعهم وأيضًا لتمضية وقت مختلف عن الأيام العادية

في "متاهة" الكتب التي تحاول إدارة المعرض تذليلها بخارطة قلّة يحملونها وإن فعلوا لا يستخدمونها، يكتسب التوهان لذة خاصة. أكثر من يتذوقها هم الشباب الذين لا يشكون المساحة الكبيرة التي يجتازونها مرتين وثلاثة وربما أكثر، وستكون العودة غير المقصودة إلى نقطة الانطلاق فرصة ثمينة للوقوع على كتاب ثمين. من يدري؟. الشباب الجامعي يقرأ أيضًا، وسيكون من السهل التعرف إليه في توقفه عند الكتب "التخصصية"، تلك التي تتناول موضوعات محددة كالفلسفة والنقد الأدبي أو كتب العلاقات الدولية والفكر السياسي التي تُدرّس غالبًا في الجامعات اللبنانية.

صحيح أن بإمكان الطلاب شراء مقرراتهم من المكتبات إلا أن عددًا كبيرًا منهم يفضل "تسوّق" الكتب، التي بالإمكان وضعها على قائمة الانتظار من معرض الكتاب. سمير تفتح شهيته الرفوف المرصوصة بالكتب على الشراء. هو كطالب جامعي يتحضر لكتابة رسالة الماجستير في أحد الموضوعات الاقتصادية لن يجد ما يحتاجه فحسب، بل سيضيف إلى سلة مشترياته كتبًا تسهّل بحثه وتتمم معلوماته". لاسيما وأن مروحة الخيارات واسعة"، وفق ما يقول، وهو سيجد الكثير هنا في المعرض. يضيف الشاب ضاحكًا وهو يلقي نظرة خاطفة في الأرجاء: "ليست المشكلة في الكتب فهي كثيرة، المشكلة في الوقت والمال وفي قدرتي على البحث بين كل هذه الرفوف".

اقرأ/ي أيضًا: شباب الجامعات اللبنانية.. إلى الطائرة تحرك

لينا وغيدا حضرتا إلى المعرض بعد انتهاء المحاضرات، دون أي موعد مسبق مع كتاب أو ثيمة محددة. توزّع الشابتان نظرات سريعة أثناء السير على معظم الرفوف، لكنهما تتوقفان عند أخرى تحفل بالروايات. هما تدرسان الفيزياء، وبنظرهما الدراسة شيء والمطالعة شيء آخر. تقف غيدا أمام الترجمات وتحتار أيها تختار. العناوين جذابة والاختصارات على الغلاف الخارجي طوقها للنجاة من الحيرة التي تتملكها. لينا تفضّل الأقلام العربية ولا فرق عندها بين كاتب مغمور وآخر معروف إلا في الأسلوب، لذا تبحث عمّا ينعش صباحاتها بمفرداته وعباراته البديعة.

على بعد أمتار، تقف مجموعة من الشابات أمام منضدة ترتفع فوقها كتب لأبرز الأسماء الروائية العربية. واحدة منهن تشتري والأخريات يتبادلن الأحاديث. ثم ينتقلن جميعًا إلى زوايا متفرقة من المعرض. في الردهات، تمرّ شخصيات لبنانية معروفة: نواب، وزراء، فنانون، كتّاب حضروا لتوقيع أعمالهم أو حضور تواقيع أخرى، فتسارع شابات وشبان إلى التقاط الـ"سلفي" مع أحدهم.

عمر الذي يسير ورفيقته لا يبدو شديد الاكتراث بما يدور من حوله. هو غير مهتم بالقراءة وبالكتب، لكنه جاء تلبيةً لرغبة مايا التي تحبّ هذه الاحتفالية الثقافية وتحرص على الانضمام إليها في كل عام، خصوصًا أن الغرام لا يزال في أوجّه بينهما. "فرص عمر باختيار كتاب أكبر من فرصتي"، تقول مايا، التي تشير إلى أن صديقها "محظوظ" وغالبًا ما يجد كتابًا يجذبه ويثير فضوله وإن من غير ميعاد، فيما هي "مع كثرة الإبر تجد نفسها ضائعةً في كومة القش". لكن كل هذا لا يهم، طالما أن المعرض مساحة لهما ليلتقيا لو بميعاد مسبق.

اقرأ/ي أيضًا:

باريس "وحش" يبتلع الطلاب العرب في فرنسا

الطلاب العرب في جامعات العالم.. صعوبات مختلفة