02-يناير-2022

رجل وحيد في مقهى (Getty)

لتجلس في مقهى في يوم ماطر عليك أن تبرز بطاقة التطعيم ضد كورونا. يفترض بهذه البطاقة طبعًا أن تكون مخزنة على هاتفك الخلوي. وهذا يفترض استطرادًا أن تملك بريدًا إلكترونيًا ومساحة كافية للتخزين في الغيوم الافتراضية. وهذا يعني أيضًا أنك تحسن التعامل مع هاتفك الجديد. ثم والأهم عليك أن تفهم اللغة التي تخاطبك بها النادلة. والحال، بوسع فنجان قهوة واحد أن يحذف من دائرة القادرين على الوصول إلى جنته شعوبًا وأجناسًا وأجيالًا: الذين لا يجيدون الإنجليزية، والذين لم تسعفهم حظوظهم في أن يتلقوا جرعات اللقاح، والذين لا يملكون في مناطق سكنهم القصية شبكة إنترنت متقدمة ولا تملك حكوماتهم المحلية من التقنيات ما يكفي لتسجيل ملقحيها في الشبكة العامة الموصولة بسرفيرات غوغل وآبل ومايكروسوفت.

قبل انتشار الفيروس اللعين، كان في وسع متشرد حصل على بضعة دولارات، أن يجلس خلف طاولة مقهى وأن يشرب قهوته بهدوء وهو يحادث ظله

حسنًا، نحن في لوس أنجلس. يفترض بالمقيم في دكار أن يشرب قهوته بالفرنسية أو اللغة المحلية، ويفترض بحكومته أن تخفف من القيود والمتطلبات إذا كانت لا تملك القدرة على رقمنة الناس. مع ذلك، ثمة ما يقلقني: قبل انتشار الفيروس اللعين، كان في وسع متشرد حصل على بضعة دولارات، أن يجلس خلف طاولة مقهى وأن يشرب قهوته بهدوء وهو يحادث ظله. اليوم، لا يستطيع. قبل بضع سنوات، كان في وسع عجوز تعبت من المسير على الرصيف أن تجلس خلف الطاولة، وأن تدفع ثمن قهوتها نقدًا، وألا تضطر إلى الرد على أسئلة لا تحصى يمطرها بها العاملون في المقهى.

اقرأ/ي أيضًا: العباقرة أبناء العباقرة

ليس بوسعنا أن نلوم العاملين. لكنهم، بسبب إحباطنا الذي تتزايد حدته يومًا بعد يوم، يصبحون هدف غضبنا وانفعالنا. تمامًا مثلما يشعر المتشرد الذي خسر عمله أن المهاجر الذي يقبل العمل بشروط مجحفة هو من سرق عمله وقوته وسقفه. فيصب جام غضبه عليه. حسنًا فلنتقاتل أمام الكاميرات. لقد أصبحنا جميعا مجالدين، بعضنا يستطيع أن يجالد خلف شاشة يتابعها ملايين المشاهدين، وسيفرح أيما فرح حين يدمي خصمه وجهه، لأن هذا الدم الطازج سيرفع نسبة المشاهدة. وبعضنا سيجالد أمام كاميرات العابرين والشهود. حتى دمه المسال سيتم استثماره من قبل آخرين يجيدون الاستثمار في هذا الدم الذي لم يكن يملك أي قيمة قبل أن يسيل.

إنما مع ذلك، لن تستطيع العجوز أن تقاتل النادل. قصاراها أن تعترض بصوت عال يزعج الذين أبرزوا بطاقات التلقيح من الجالسين، وأن يطردها النادل وهو يرفع بوجهها ابتسامة الطرد.

الابتسامات: لا تضحك على نفسك أيها الرجل. ثمة ابتسامات لكل موقف: هناك الابتسامة التي تقول: مشاكلك لا تعنيني، أنجُ بنفسك، وهناك الابتسامة التي تعلمك أن المبتسم لم يفهم ما تقوله، وهناك الابتسامة التي تقول لك بحب: أنت مطرود من الوظيفة. الابتسام لم يعد من وظائف الوجه التي نستطيع عقلها وتخمينها. الناس يبتسمون لأنهم يكرهونك، ويبتسمون لأنهم يحبونك، وبوسعهم أن يبتسموا وهم يطلقون عليك النار. المهم ألا تفقد أعصابك في هذا العالم، وبوسعك إن أجدت الابتسام ودرست حالاته وأحواله أن تفعل ما تريد تحت سقف القانون. أيها الشرطي: بي رغبة جامحة في أن أثير أعصابك. لكنني أعرف أنك ستضع ركبتك على عنقي ولن تفارق ابتسامتك وجهك.

ثمة ابتسامات لكل موقف: هناك الابتسامة التي تقول: مشاكلك لا تعنيني، أنجُ بنفسك، وهناك الابتسامة التي تعلمك أن المبتسم لم يفهم ما تقوله

اقرأ/ي أيضًا: الإغواء المصطنع وأجسامنا المستوحدة

صديقي زكي محفوض لا يملك هذه الميزة أيضًا. يجاهد منذ أسابيع في محاولة التحدث هاتفيًا مع طبيبه لتجديد الدواء، ومنذ شهر ترد عليه على الهاتف ماكينات تجيد تقليد البشر. لا يستطيع أن يبتسم لها، ولا أن يغازلها، ولا أن يغضب عليها. الأمر سيان، وستتحفه بالإجابة نفسها كائنا ما كان انفعاله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عن اعتياد الموت

أن تكون دومًا على صواب!