19-نوفمبر-2017

بالمعطيات وبالمنطق يتضح كذب الجراح الإيطالي كانافيرو بشأن نجاح عملية زرع رأس بشرية (ليزي نيسنر/EPA)

خلال الأسبوع الماضي، أثار الجراح الإيطالي المثير للجدل، سيرجيو كانافيرو، ضجة بإعلانه إتمام عملية زراعة رأس بشرية بـ"نجاح". في المقابل، نشرت صحيفة الغارديان مقالًا لجراح الأعصاب البريطاني دين بورنيت يُفنّد فيه، من منطلق علمي، هذا "النجاح" المزعوم من قبل كانافيرو، وكل مزاعمه السابقة. السطور التالية ترجمةٌ لمقال بورنيت.


ظهر جراح الأعصاب الإيطالي سيرجيو كانافيرو في الأخبار مرة أخرى، مدعيًا أنه قد قام بأول عملية زرع رأس بشرية ناجحة. ولكن حتى التحليل الصريح، يكشف أنه لم يفعل ذلك، وبالمنطق العلمي فعلى الأرجح لن يحدث ذلك أبدًا.

زعم الجراح الإيطالي سيرجيو كانافيرو إتمامه بنجاح عملية زرع رأس بشرية، لكن المعطيات الصريحة والمنطق العلمي يشككان في مزاعمه

وفي شباط/فبراير 2015، زعم سيرجيو كانافيرو أنه سيقوم بزراعة رأس بشري على جسد مُتبرع، عبر عملية حكم عليها بالنجاح المُسبق. وقد ظهر في العديد من وسائل الإعلام منذ حينها. لكن بعد عامين وتسعة أشهر، كيف تبدو الأمور؟

اقرأ/ي أيضًا: تونسية شابة تقدم أملًا جديدًا لمرضى الزهايمر

حسنًا، لقد فعلها، أو هكذا نرى في الخبر المنشور بصحيفة التليغراف البريطانية، يوم الجمعة، والذي حمل عنوان: "نجاح أول عملية زرع رأس بشري". أظن أن جميع جراحي الأعصاب الأكثر تواضعًا الذين قالوا إنها لا يمكن أن تنجح وأنا شخصيًا من ضمنهم، يشعرون أنهم حمقى الآن، أليس كذلك؟.

في الحقيقة الأمر ليس كذلك، لأننا إذا نظرنا إلى هذه العناوين الصادمة التي امتلأت بنبرة الانتصار، فسرعان ما سوف تتضح لنا الرؤية حول هذه القضية. ولكي نُحقق مبدأ الإفصاح الكامل، سأعترف بأنني لا أعرف الطبيب سيرجيو كانافيرو، فهو لم يفعل لي أي شيء مباشر على حد علمي. إلا أني الآن أُشكك تشكيكًا جادًا في دوافعه. لقد ناقشت أسبابي حول هذا الأمر من قبل، ولكني سأوضح هنا مرة أُخرى.

عمليات قد توصف بأي شيء إلا النجاح

صاحبت الhدعاءات التي تُشير إلى نجاح عمليات زراعة رأس بشري، كثيرًا من المرات التي ظهر فيها سيرجيو كانافيرو عبر وسائل الإعلام. ولكن كيف نُعرِّف "النجاح" في هذه الحالة؟ يبدو أن تعريف سيرجيو كانافيرو للنجاح كان "سخيًا" ومبالغًا فيه في أفضل الأحوال.

 فقد ادّعى مؤخرًا على سبيل المثال أنه "نجح" في عملية زراعة رأس على قرد. ولكن هل فعل ذلك؟ على الرغم من أن رأس القرد استمرت على قيد الحياة على ما يبدو بعد العملية، فهي لم تستعد الوعي مرة أخرى على الإطلاق، بل بقيت على قيد الحياة عشرين ساعة فقط "لأسبابٍ أخلاقية"، ولم يكن ثمة أي محاولة لتوصيل الحبل الشوكي، لذا حتى إذا كان القرد قد نجا لمدةٍ أطول من هذه الفترة، لكان قد تعرض للشلل بقية حياته. ومن ثم فإن هذه العملية ستكون ناجحة في حالة إذا ما اعتبرنا أن الشلل وفقدان الوعي والموت بعد أقل من يوم، ضمن مؤشرات النجاح المزعوم!

صورة للقرد الذي أُجريت له عملية زراعة رأس غير ناجحة
صورة للقرد الذي أُجريت له عملية زراعة رأس غير ناجحة 

كان هناك أيضًا زراعته التي وصفها بـ"الناجحة" لرأس فأر، والتي تضمنت زرع رأس فأر مقطوع إلى جسد فأرٍ آخر، وهو فأر حي لا يزال لديه رأس. يمكن لأي شخص أن يُخمن كيف يمكن حقًا اعتبار هذه عملية زراعة رأس. إنها عملية إضافة -وهي بلا فائدة من الناحية الوظيفية- عضوٍ إلى كائن حي صحيح وغير معتلّ.

صورة للفأر الذي أضيفت له رأس أخرى لا غرض وظيفي لها!
صورة للفأر الذي أضيفت له رأس أخرى لا غرض وظيفي لها!

ماذا عن هذه العملية الناجحة من زراعة رأس بشري؟ لقد أُجريت على جثثٍ ميتة! يمكنكم أن تنعتوني بأنني ممن ينشدون الكمال إذا أردتم، لكني أعتقد صدقًا أن أي عملية جراحية يكون فيها المرضى أو حيوانات التجارب ميتة قبل البدء فيها، هي حقًا تشكل مُبالغةً في تعريف "النجاح" إلى حدٍ تنهار معه المقومات الأساسية لتحقق هذا النجاح.

لعل العملية شهدت عرضًا جيدًا لإلحاق الأعصاب والأوعية الدموية على النطاق الأوسع، ولكن ماذا إذًا؟ إنها البداية وحسب لما يحتاجه نظام جسدي صحيح ويعمل بنجاح. لا يزال ثمة طريق علينا أن نقطعه. يمكننا إحضار نصفين من سيارتين مختلفتين وجمعهما سويًا في جسد واحد وسوف نسمى هذا نجاحًا إذا أردتم، ولكن بمجرد أن نضع مفتاح السيارة ونبدأ في التشغيل، سينفجر هذا الجسد الجديد كله، قد يواجه أغلب الأشخاص ضغوطات شديدة لدعمك على هذه العبقرية!

 ولعل التقنيات المستخدمة في الإبقاء على الرؤوس وإلصاقها تمتلك بعضًا من القيمة العلمية، إلا أنها لا تزال بعيدة كل البعد عن فكرة أن شخصًا ما يتجول من حولنا بجسدٍ يؤدي وظائفه بصورةٍ مثالية، في حين أن هذا الجسد ليس الذي وُلد به.

مما يُؤكد أن مزاعم كانافيرو كاذبة، أنه سبق وأجرى عملية زرع رأس لقرد فاشلة، وأُخرى لفأر ليست إلا إضافة رأس لا غرض منها وظيفيًا!

يبدو أن سيرجيو كانافيرو لديه عادةً زعم تحقيق نجاحاته عبر خُطبه المتنقلة بين المنصات الإعلامية، استنادًا إلى إنجازات لا تُذكر، أو حتى بعد جعل الأمور أسوأ. فهو يبدو كجراح الأعصاب المساوي لفريق مفاوضات البريكست في بريطانيا.

اقرأ/ي أيضًا: هل عملية البواسير خطيرة؟

التغاضي الغريب عن التفاصيل المهمة!

ليس الجسد البشري وحداتٌ تركيبية يمكن تجزئتها، فلا يمكنك تبديل قطعه مثلما تفعل مع مكعبات الليغو حيث يمكنك أن تأخذ قطعة من قلعةٍ مشيدة بالمكعبات ثم تضعها ضمن تصميم إحدى سفن القراصنة التي صممتها، ولن يكون هناك أي مشكلة، إذ ثمة عواقب لا حصر لها ينبغي مواجهتها عند ربط رأسٍ بجسد، حتى إذا كان هذا الرأس والجسد لنفس الشخص.

لقد أجرى الأطباء، خلال الأعوام الأخيرة، عملية "إعادة تثبيت" الحبل الشوكي المتضرر بشدة لأحد الأطفال، إلا أن كلمة السر هنا أنه "تضرر"، ولم يُقطع بالكامل. فلا يزال هناك جزء مثبت من الحبل الشوكي ويؤدي وظيفته، وهو في حاجة إلى إصلاحٍ وتقوية. وكان هذا مع طفل صغير لديه جهاز أعصاب لا يزال ينمو، ولديه قدرة أفضل على تعويض الأضرار التي تعرض لها. وحتى إذا وضعنا كل هذه العوامل في عين الاعتبار، بالإضافة إلى عامل تطور وضع الطب الحديث، فقد اعتُبرت هذه العملية شبه إعجازية.

فماذا إذا أردنا تثبيت حبل شوكي مقطوع كليًا، وهو حبل شوكي لشخصٍ مكتمل النمو، مع حبل شوكي آخر، وهو حبل شوكي ربما يكون لشخص ميت منذ أيام؟ ألا يحتاج هذا إلى أربع معجزات على أقل تقدير؟ إذا لم نأخذ في عين الاعتبار رفض النظام المناعي للجسد الغريب، ستكون الحقيقة أننا حقًا لا نعرف حتى الآن كيف "نُصلح" الأعصاب التالفة، ناهيك عن توصيل نصفين مختلفين من الأعصاب. والقضية أن أدمغة الجميع تنمو تماشيًا مع أجسادهم كلها. تعني النقطة الأخيرة أن الربط بين النصفين سيكون فريد نسبيًا. فعندما تضع رأس موسيقار على جسد عامل بناء، سيُشبه الأمر، تجربة لعبة إكس بوكس على جهاز بلاي ستيشن. فيما عدا أن الصدمة ستكون شديدة بدرجةٍ غير معقولة.

 إننا لا نعلم شيئًا حقًا عن هذا الأمر؛ فلم يسبق أن جربه أي شخص. يبدو سيرجيو كانافيرو مقتنعًا بقدرته على القيام بذلك، إلا أنه لم يُقدم حتى الآن تفسيرًا علميًا أو عمليًا لمزاعمه كي يكون قادرًا على تخطي هذه العقبات، بغض النظر عن الأشياء الرمزية المتعلقة بالحفاظ على الأنسجة وضمان استمرار إمداد الجسم بالدم خلال العمليات. يُشبه هذا الأمر ادعاء أحد الأشخاص أنه قادرٌ على بناء مفاعل نووي، وعندما يُسأل عن الطريقة، يُفسِر الأمر بأنه سوف يضطلع بمهمة تركيب المرحاض الذي سوف يستخدمه الفنيون! يمكن القول إنها خطوة مفيدة، ولكنها بكل وضوح ليست القضية الرئيسية هنا.

جعجعة بلا نتائج حقيقية

 لا أدري على أي شيء بُنيت ثقة سيرجيو كانافيرو. ويبدو أنه ليس هناك أي شخص على دراية بهذا الأمر. فلم يُنشر حتى الآن أي شيء يضمن صحة مزاعمه. ولنُلاحِظ أن ادعاءاته الأخيرة المتعلقة بـ"نجاح" زراعة رأس بشري، والتي يمكن أن نقرأها في  مقال صحيفة التليغراف، خرجت إلى الجمهور قبل أن ينشر النتائج الحقيقية، مثلما ذُكر في المقال.

 لماذا يفعل ذلك؟ لماذا تُخبِر الناس في الصحيفة قبل أن تخبر زملاءك؟ إذا كانت العمليات التي قُمت بها صارمة وموثوقة، فينبغي أن تعكس البيانات ذلك الأمر. عندما يسعى علماء، ولا سيما العلماء الذين يصفون أنفسهم بـ"ذوي العقول المستقلة والمستنيرة"، خلف الإعلان عن شيءٍ ما، لكنهم يتجنبون التدقيق بشأن مزاعمهم، فلا تبدو هذه أبدًا علامةً مُبشِرة.

 إذا تعرضنا للمقال على التليغراف، سنجد أن سيرجيو كانافيرو يزعُم أن الخطوة التالية سوف تكون محاولة زراعة الرأس على شخصٍ في حالة غيبوبة أو في حالة مشابهة. كما زعم أيضًا أنه يمتلك كثيرًا من المتطوعين المستعدين لخوض هذا الأمر. يستطيع أي شخص أن يخمن كيف يمكن لشخص مُصابٍ بغيبوبة أن يتطوع للخضوع لمثل هذه العملية الكبيرة!

من مُؤشرات كذب مزاعم كانافيرو أنه بدلًا من نشر ورقة تُبرهن صحة عمليته علميًا، فضل التوجه للصحافة والإعلام لإثارة البروباغندا

 لم تُذكر إلى الآن أية محاولات لهذه العملية على شخص واعٍ، على الرغم من كونهم متطوعين حقيقيين لهذا الأمر. إنني أُشكك بقوةٍ في أن مثل هذا الأمر سيحدث، إذ إن تجربتها على شخص واعٍ وقادر على التفكير، يعني أنها لابد أن تكون فعالة بنسبة 100%، وأنهم سيبقون على هذه الحالة بعد انتهاء عملية الزراعة. ويعني هذا الوصول إلى حلولٍ ناجعة وقادرة على مواجهة جميع العواقب المحسوبة التي يطرحها المبدأ الحقيقي المتعلق بزراعة رأس نفسه.

 وإذا كنت مخطئًا في هذا الصدد، سأكون مسرورًا بسحب كل ما قولته والاعتذار، ولكن لا يوجد شيء قاله أو فعله سيرجيو كانافيرو حتى الآن، إلا وقادني إلى التفكير في أنه ليس لديه أدنى فكرة عن كيفية القيام بذلك.

 

اقرأ/ي أيضًا:

القليل من الحشيش لا يضر.. والبعض يفضلونه علكة!

استمرار أزمة الدواء في مصر.. خيوط متشابكة تنتهي إلى تقصير الدولة