05-يونيو-2018

تغلبت قطر على تحديات الحصار وظروفه الصعبة باعتراف دولي (Getty)

ألترا صوت - فريق التحرير

كان المشهد مرتبًا جدًا في الخليج العربي، في ليلة الرابع والعشرين من أيار/مايو 2017، حيث خططت الإمارات لاختراق وكالة الأنباء القطرية "قنا"، ولفقت تصريحات على لسان أمير البلاد، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وخلال وقت قياسي لم يتجاوز ساعات من نشر حساب الوكالة في تويتر للتصريحات الملفقة، كانت وسائل الإعلام السعودية والإماراتية تبث تغطية مختلقة بالكامل للحدث، وتستضيف "خبراء" كان واضحًا أن عندهم معرفة مسبقة بما سيحدث، إلى درجة أن المشاهد لم يحتج لكثير من الفطنة، ليعرف أن هناك ما دُبر بليل.

خططت الإمارات لاختراق وكالة الأنباء القطرية "قنا"، ولفقت تصريحات على لسان أمير البلاد،  الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وفق ما أثبتته التحقيقات

بدا لاحقًا وحسب أدلة دولية، أن هذه التصريحات كانت مجرد مدخل لتبرير هجوم، كان يمكن أن يكون عسكريًا، ضد الدوحة. وقبل سنة بالضبط، في الخامس من حزيران/يونيو 2017 تحديدًا، استندت السعودية والإمارات ومعهما البحرين ومصر بالفعل، إلى التصريحات الملفقة، وفرضت حصارًا بريًا وجويًا وبحريًا ودبلوماسيًا ضد قطر.

التحقت بعض الدول الخاضعة  لحلق الرياض - أبو ظبي بركب الحصار، وحاولت السعودية أن ترغم دولًا أخرى على الانضمام، لكن رغبات الرياض لم تتحقق كاملة، إذ جاء  الموقف الكويتي رفقة التعقل العماني، بمثابة شوكة في حلق "الإجماع"، الذي أرادته دول الحصار ضد قطر. وبدأ أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر المبارك الصباح، برفقة وزارة الخارجية وجهات دبلوماسية أخرى، بطرح الوساطة من أجل حل للأزمة، لكنه سرعان ما اكتشف أن السعودية والإمارات لا تريدان هذا الحل، وقد أعلن عن ذلك، وإن لم يكن تصريحًا.

بدأ التحشيد والاستقطاب من ناحية دول الحصار، وانتعش سوق شركات الدعاية والعلاقات العامة الأمريكية، مع مئات الملايين التي دُفعت من أجل تشويه صورة قطر، وكان اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، من أكبر المستفيدين أيضًا، إذ فتحت الأزمة آفاق جديدة لما أطلق عليه السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، تعاونًا، وما اصطلح عليه في الأدبيات العربية تطبيعًا.

اقرأ/ي أيضًا: سنة على حصار قطر.. السعودية تختبئ وراء البلطجة والتشويش

بينما كشفت مراسلات السفير الإماراتي المثير للجدل، المسربة من بريده الإلكتروني، عن فضائح إماراتية وسعودية كثيرة في هذا الشأن، لم يكن آخرها التنسيق مع مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات المقربة من اليمين الإسرائيلي من أجل إقامة مؤتمرات وندوات حول ما تقول السعودية، المتهم الرئيس بتمويل أحداث 11 أيلول/سبتمبر، إنه دعم قطر للإرهاب.

التطلع إلى مستقبل مختلف

لم تكن رغبة الدوحة بالحل كما لم يكن إصرارها عليه في البدء، كافيين لتحقيق تقدم في ملف الأزمة، حيث أعلنت أن التسامح مع ما حدث ممكن، لكن في غير شؤون السيادة، وبدا أن المطالب الـ13 التي أرادتها دول الحصار من قطر، مجرد شروط تعجيزية يضعها من لا يريد حلًا. أدركت السلطات القطرية ذلك، فلم تنشغل بالسعي إلى إرضاء أبوظبي أو الرياض، كما لم تنشغل بالمناكفة، وتطلعت إلى مستقبل، ينأى بها عن هذه الصراعات جميعها وبالتزام للأعراف الدبلوماسية ومراعاة مصالح الشعوب الخليجية وأسس حسن الجوار بما لا يمكن تصنيفه بذات خانة العبث الذي مورس ضد الدوحة.

لم تكن رغبة الدوحة بالحل كما لم يكن إصرارها عليه في البدء، كافيين لتحقيق تقدم  أمام رغبة دول الحصار العارمة بإيذاء قطر

كان معظم الخبراء والمراقبين يعرفون، أن الاقتصاد القطري لا يمكن أن يسقط، كما تخيلت السعودية في أشهر، لكن أحدًا منهم لم يتوقع، أن تحقق الدولة الصغيرة جغرافيًا المحاطة بحدود برية محاصرة، نجاحات بهذا الحجم. وبعد انقضاء سنة من الحصار، أقرت مؤسسات، بما فيها صندوق النقد الدولي، وأشاد خبراء، بالإنجازات الكثيرة التي حققتها الدوحة. وفي تقرير صدر مؤخرًا، قلل صندوق النقد الدولي من الآثار الاقتصادية للحصار على قطر، مشيرًا إلى أنه في حين انخفض التمويل الأجنبي والودائع الخاصة بالقطاع الخاص بمقدار 40 مليار دولار، تم تعويض ذلك عن طريق الضخ النقدي من البنك المركزي وصندوق الثروة السيادية القطري، الذي يعد من الأقوى والأكثر ثباتًا عالميًا خلال العقود الأخيرة.

فتحت قطر آفاق جديدة بخصوص علاقاتها الدبلوماسية والتجارية، واستطاعت أن تدشن خطوطًا جديدة على مستوى التصدير والاستيراد، كما أنها أكملت مشاريعها بسرعة ومرونة أكبر، خاصة فيما يتعلق بتهييء الاقتصاد القطري للاستغناء عن واردات الغاز، أو المشاريع العلمية، التي تجسدت بافتتاح مكتبة وطنية من الأضخم في العالم، وتحسين أوضاع الجامعات والمدارس.

انفتاح دبلوماسي يزعج دول الحصار

في الوقت عينه الذي انقطعت فيه علاقات الدوحة التجارية مع الجهات التلقليدية، كانت تظهر علاقات جديدة، سواء اقتصاديًا أو دبلوماسيًا، وهو ما أزعج دول الحصار وخاصة السعودية. بينما كانت صفقة تزويد روسيا لقطر بنظام الصواريخ الدفاعية "إس 400" مثالًا على حجم القلق السعودي وانعدام الثقة بممارساتها، إذ بدأت تشعر بأن الحصار ذهب إلى غير مآربه، وأنه يزيد من قوة الدوحة، وقدرتها على الاستنغاء بالكامل عن محيطها الخليجي.

لم يتوقع أحد أن تحقق دولة بحجم  قطر جغرافيًا ومحاطة بحدود محاصرة، نجاحات بهذا المستوى الذي نال اعترافات دولية أمام  أبشع تجارب الحصار خلال العقود الأخيرة 

وقبل أيام، كشفت صحيفة لوموند الفرنسية، عن انزعاج سعودي كبير من الصفقة الروسية القطرية، تجسد في رسالة أرسلها العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يطالبه فيها بالضغط من أجل إفشال الصفقة، وهدد بأن بلاده ستتدخل عسكريًا إذا تمت.

وقد رأى مراقبون أن هذه النزعة غير المدروسة سعوديًا، تبين مسارًا ثابتا منذ بدء الأزمة في صيف العام الماضي، حيث ما تزال السعودية تواجه الهدوء والحكمة القطريين، بكثير من الاستعجال والتشويش، والتهديد بالقوة، وهو الأسلوب الذي لم ينجح في كل الجبهات التي ما تزال السعودية تخوض فيها حروبًا فاشلة، كما حدث في لبنان مع اختطاف رئيس الوزراء، سعد الحريري، أو ما يحدث في اليمن منذ 3 سنوات.

فضح "مبررات" الحصار.. سقوط السردية!

كُشفت منذ بدء الحصار، مجموعة كبيرة من الأدلة التي تحطم كل سردية دول الحصار عما حدث، بدءًا من اختراق وكالة الأنباء القطرية "قنا"، وتلفيق تصريحات كاذبة باسم أمير قطر، وصولًا إلى الاتهامات المدفوعة بالتضليل عن دعم قطر للإرهاب، أو تآمرها مع إيران.

اقرأ/ي أيضًا: سنة على حصار قطر.. هاشتاغات تضامنية تؤكد المؤكد

وقد أسدلت صحيفة واشنطن بوست، من خلال مصادر في المخابرات الأمريكية "سي آي إيه"، الستار عن تخطيط إماراتي تلى القمة الإسلامية الأمريكية في الرياض، في الثالث والعشرين من أيار/مايو 2017، من أجل اختراق الوكالة القطرية، وتلفيق تصريحات تكون مبررًا لحملة ضخمة ضد قطر، وهو ما حدث فعلًا بعد يوم فقط من اجتماعات لمسؤولين إماراتيين رفيعين على هامش القمة.

وقبل يومين، كشف تحقيق استقصائي أعدته قناة الجزيرة، بالأدلة تورط خلية سعودية في تطبيق الاختراق، بعد أن خططت له الإمارات، وعملت هذه الخلية من داخل وزارة سيادية في الرياض. واستطاع معدو التحقيق الاستقصائي الحصول على بيانات الأجهزة المستخدمة من قبل الخلية السعودية، وبين أن شركة وهمية تتبع للإمارات كانت تعمل من أذربيجان خصيصًا، وتواصلت مع شركات تركية تقدم خدمات في كشف الثغرات وتأمين المواقع الإلكترونية، من أجل تحديد ثغرات وكالة الأنباء القطرية، ثم أغلقت في نهاية عام 2016.

إشادة دولية بإنجازات قطر

وفي ذكرى بدء حصار قطر، أشادت صحف عالمية عدة بالإنجازات التي توصلت لها قطر خلال فترة الحصار، واستغلالها لهذه الأزمة من أجل تطوير الاقتصاد بما يتلاءم مع الاستغناء الكامل عن المحيط الخليجي الذي عادى الدوحة وأضر بشعوبه وشعبها مخترقًا كافة الشرعات الدولية والدبلوماسية.

 كشف تحقيق استقصائي أعدته قناة الجزيرة، بالأدلة تورط خلية سعودية بإشراف إماراتي في اختراق وكالة "قنا"القطرية

في حين نشرت وكالة بلومبيرغ الأمريكية، يوم أمس الإثنين، تقريرًا يضم معلومات مفصلة عن الاقتصاد القطري بعد الحصار، أظهرت أن هناك ارتياحًا عامًا في أوساط المستثمرين الأجانب، وميلًا منهم باتجاه قطر مجددًا. وقالت الوكالة، إن الثقة قد عادت إلى السوق القطري بعد سنة من الحصار.

بينما عبرت صحف أخرى مثل الغارديان البريطانية خلال الأيام الماضية، عن الفروق التي دشنتها قطر، المنشغلة بالتنمية والإصلاح، بينها وبين السعودية التي ما زالت تلاحق الناشطين الحقوقيين، وتطارد من يطالبون بحقوق أولية جدًا.

وبدورها، أقرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، بانتصار قطر خلال فترة الأزمة. وقالت في تقرير نشرته أمس الإثنين، إن دول الحصار حاولت نبذ قطر من خلال اتهامها بدعم الإرهاب، لكن ما حدث فعليًا هو أن دول الحصار هي التي بدأت تواجه نبذًا وسمعة سيئة في العالم.  وتستنتج الصحيفة، أنه على الرغم من كل التدابير التي اتخذتها الرباعية العربية ضد قطر، إلا أن الأمور تسير إلى الآن في صالح الدوحة. من ناحية ثانية، فقد أرفدت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، مساحة خاصة لمقالة نشرها وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، اليوم الثلاثاء، وضح فيها موقف ووجهة نظر قطر من الحصار. في الوقت الذي يحاول حلف الحصار، بكل يأس إيجاد مبررات مقنعة وتسويغ سياسته ضد قطر، تقف الدبلوماسية العالمية موقف المستنكر والمستهجن لهذا الكم الاستعدائي الأهوج، في حين تتعامل دبلوماسية دول الحصار وأجهزتها "السيادية" بكل إذعان تجاه متطلبات تل أبيب في مسيرة تطبيعها الفج والمعلن.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سنة على حصار قطر.. إقرار دولي باتزان الدوحة وبراعة إنجازاتها

سنة على حصار قطر.. نقلة دبلوماسية وقفزات تنموية