30-مايو-2018

استغلت قطر الحصار من أجل تعزيز خياراتها اقتصاديًا وتنمويًا (Getty)

ألترا صوت - فريق التحرير

لم يتوقع أكثر القطريين تفاؤلًا، أن تنتهي سنة على الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات مع دول تابعة لهما، على الدوحة، بهذه النتائج. وعلى الرغم من أن المراقبين للشأن الخليجي، الذين يعرفون قوة الاقتصاد القطري، توقعوا أن تخرج الدوحة بأقل الخسائر الممكنة، إلا أن أحدًا لم يتخيل أن ينقضي العام بسجل مليء بالإنجازات القطرية بهذا الحجم والمستوى الشاسع من التنوع.

استثمرت قطر  في ظل الحصار من أجل رفع مستويات الاعتماد الذاتي والخيارات المتنوعة اقتصاديًا

لقد استطاعت قطر لا أن تتجاوز الأزمة التي ترتبت على الحصار وحسب، ولكنها حسب ما رأى خبراء، تخلصت من الاعتماد على دول خليجية بعينها، سواء بخصوص الاستيراد والتصدير أو التعاملات الحدودية، وفتحت لنفسها آفاقًا جديدة كليًا. وبدا أن الحكمة السياسية والدبلوماسية، قد نابت عن الأوضاع الجغرافية والاستراتيجية الصعبة، فأظهرت قطر بموقف واثق متزن، أمام ثلة من الجيران المرتبكين، الذين انشغلوا بتلفيق التهم بحق الدوحة، دون أدنى إمكانية على تقديم أدلة وإسنادات، بطريقة  صدعت سرديتهم أمام الحلفاء قبل أي أحد آخر.

اقرأ/ي أيضًا: سنة على حصار قطر.. نقلة دبلوماسية وقفزات تنموية

ومع اقتراب مرور سنة على بدء أربع دول عربية حصارًا على قطر، أشادت صحف عالمية وازنة عديدة بالصمود القطري أمام  ما حمله العام المنصرم من أحداث ومفاجئات، وتسخيرها من أجل تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد، واعتبرت أن الإنجازات القطرية خلال هذا العام، كانت تجربة ملهمة بحق.

كيف انقلب السحر على الساحر؟

خلال أشهر قليلة، كانت الأمور تتغير بشكل تدريجي وتنقلب على دول الحصار رفقة تصعيدها وتشنجها ضد الدوحة، بل حتى عدم تعاملها بما يليق برصانة الوساطة الكويتية مثلًا. فلم تكف مليارات الدولارات المدفوعة على بلاط البيت الأبيض، أو في دعايات مكشوفة، من أجل قلب الحقائق. ورغم أن المال السعودي نجح أول الأمر باستقطاب الرئيس الأمريكي المثير للجدل لتقديم تصريحات شائكة ومتعجلة، إلا أنه  فشل فشلًا ذريعًا في كسب تأييد مؤسسات  الحكم الأمريكية، التي دأبت بدورها على اتهام السعودية بتمويل الإرهاب، وبتصدير نسخة متطرفة من الإسلام، والتي لم تقنعها بطبيعة الحال صورة الاعتدال السعودي المأخوذة على عجل، ولم تنجح حملات البروباغندا بإزاحة أشباح "جاستا" بشان التورط السعودي في الإرهاب بعيدًا.

وبمرور أشهر أخرى، اتضحت روابط عدة، ليس فقط بشأن تورط أبوظبي في التلفيق المكوكي ضد الدوحة، بل أيضًا الانغماس في مؤامرات اليمين الحمائي الأمريكي لصالح دونالد ترامب رفقة إسرائيل، وهذا ما اتضحت الأدلة الدامغة بشأنه مع أخذ تحقيقات روبرت مولر مجراها بشان التدخل الروسي في الرئاسيات الأمريكية والدور الإسرائيلي والإماراتي  في المسألة. 

في ظل ذلك كله، انشغلت الدوحة بما هو أنفع وأبقى لاقتصادها وعلاقاتها الدبلوماسية ومصير شعبها، إذ فتحت خطوط استيراد وتصدير جديدة، ودشنت لعلاقات ومشاريع تعاون، ربما لم تكن ستباشر في تنشيطها بهذه السرعة في ظروف مغايرة.

مع اقتراب مرور سنة على بدء الحصار على قطر، أشادت صحف عالمية عدة بالصمود القطري وشكل التعاطي العقلاني مع الحملة العدائية

وفي موازاة الدعاية السعودية عن الإنجازات التي تبين لاحقًا زيفها، عن الحريات المدنية والتعليم، كانت قطر تدشن مكتبتها الوطنية الضخمة، وكان آلاف الطلاب والطالبات القطريون، يتخرجون من جامعات بمستويات تصل إلى العالمية.

سحب البضائع السعودية المهربة.. خلاصة واضحة

ولقد كان المشهد الذي كُشف عنه في الفترة الأخيرة، عن سحب السلطات القطرية لبعض البضائع السعودية التي وصلت تهريبًا إلى البلاد، بمثابة الدليل الحاسم، على استغناء قطر بشكل رسمي عن الواردات السعودية، التي اعتقدت الرياض أن وقف تصديرها سيكون عقابًا وخيمًا. كان المشهد كما وصفته صحف ووسائل إعلام عالمية، على غرار وكالة بلومبيرغ، وكأنه يعطي خلاصة واضحة، بأن قطر استطاعت احتواء الأزمة.

لقد أكدت الدولة من خلال شعورها بالمسؤولية الكاملة تجاه حاجات المواطنين، أنه يمكنها أن تفعل ما هو أكثر من تجاوز الأزمة.  وفي حين كانت السعودية بإجراءات أمنية منفرة، أطلق عليها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لقب إصلاحات، تضع المستثمرين أمام واقع جديد، اختار معظمهم الهرب منه، كانت قطر تضفي مزيدًا من الأمان على علاقتها مع مواطنينها، ومع المستثمرين المحليين والأجانب، ومع العمالة الوافدة المقيمة على أراضيها أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: بعيدًا عن تخبّط ترامب.. أمريكا "الرسمية" تقف ضد حصار قطر

وفي تقرير صدر مؤخرًا، اعتبر صندوق النقد الدولي أن الآثار الاقتصادية للحصار على قطر كانت "عابرة"، مشيرًا إلى أنه في حين انخفض التمويل الأجنبي والودائع الخاصة بالقطاع الخاص بمقدار 40 مليار دولار، تم تعويض ذلك عن طريق الضخ النقدي من البنك المركزي وصندوق الثروة السيادية القطري، الذي يعد من الأقوى والأكثر ثباتًا عالميًا خلال العقود الأخيرة.

نجاحات ملهمة في بيئة معادية

حسب ما أورده  موقع "ميديل إيست آي" البريطاني، فقد دفع الحصار قطر إلى أن تجد بدائل جديدة وتركز على سياسات طويلة الأمد، سواء من حيث الجغرافيا السياسية أو الأداء الاقتصادي إجمالًا. ويضيف الموقع مستشهدًا بخبراء اقتصاديين، أن الحصار ساعد في الحد من اعتماد الدوحة على جيرانها في مجلس التعاون الخليجي، وأنه من خلال جعل نفسها أكثر اكتفاءً خاصةً من الناحية الاقتصادية، فإن هذا يسمح لقطر في النهاية بتأسيس طريقها الخاص والمستقل.

ما زال هناك آثار عميقة ومستمرة بالتأكيد للحصار، خاصة بخصوص العائلات التي فصل أفرادها عن بعضهم، والطلبة الذين حرموا من إكمال تعليمهم. وقد وصفت هيومن رايتس ووتش هذه الآثار بـ"الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان"، ومع ذلك، فقد أدى الحصار إلى تعزيز العلاقة بين المواطنين القطريين والمقيمين، إذ احتشد كلاهما حول إحساس قوي بالهوية الوطنية، ووعي بطبيعة التحديات التي تواجه قيادة البلاد بهدف التأثير على مسارها النهضوي.

وصفت هيومن رايتس ووتش آثار الحصار ضد قطر بـ"الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان"

بدورها رأت صحيفة الغارديان البريطانية، أن ما حدث كان فرصة، وعاملًا محفزًا لرؤية قطر لنفسها، على المدى البعيد، خاصة من أجل تطوير خطة لمستقبل اقتصادي متميز بدون الحاجة لعائدات الغاز.

واعتبرت الصحيفة البريطانية أن افتتاح المكتبة الوطنية، بإمكانيات فريدة مقارنة بالشرق الأوسط والعالم أجمع، يمثل دليلًا على الإنجاز الوطني القطري أثناء الحصار. كما أشادت باستثمار ما حدث، من أجل تعزيز دور التعليم، وتطوير الجامعات ومؤسسات التعليم العالي في البلاد.

كل هذا، وما زالت شاشات الارتزاق وصحف التشويش والتضليل بالمال السعودي الإماراتي تمارس ما مارسته طويلًا من تلفيق بحق الدوحة. في حين تنشط أذرع دول الحصار، المعلنة والخفية، في الغوص أكثر في ملفاتها، التي باتت مفضوحة، محركة إياها برشاوى جماعات الضغط وصناع البروباغندا. لتكون النافذة الكبرة للهروب، الذي اعتقده أهل الحصار أمنًا، باتجاه الاستجمام بدفء العلاقات مع تل أبيب من أعلى مستويات الدبلوماسية والاستخبارات والتنسيق العسكري، وصولًا لراكبي الدراجات الهوائية في القدس المحتلة بتمويل الإمارات والبحرين "احتفالًا" بنكبة الشعب الفلسطيني.  

 

اقرأ/ي أيضًا:

الغاز.. العنصر الغائب في تفسير حرب السعودية على قطر

قطع العلاقات مع قطر.. كل شيء عن مؤامرة أبوظبي