13-أكتوبر-2017

الكاتب السوري نبيل الملحلم

"سرير بقلاوة الحزين" (دار أطلس، بيروت 2012) لنبيل الملحم هو العمل الروائي الأول الذي يتطرق لسجن تدمر، بغض النظر عن المستوى الفني والأدبي لكل ما سبق هذه الرواية، إذ كانت لدينا أعمال تفاوتت في قيمتها الفنية بين السرد الرديء وبين المذكرات الجافة التي يكتبها مفكر يحاول تحليل تجربته السياسية، صور رائعة وأسلوب فذ ميز "فقد" لؤي حسين و"قوقعة" مصطفى خليفة، لكن أين الرواية؟ "القوقعة" و"الفقد" من أجمل ما كتب عن السجن السياسي، لكن الواقعية تسم العملين بميسمها.

الخيال هو ما نفتقده في معظم أعمال أدب السجون السورية

يعتمد الباحث الغربي توصيف fiction للحديث عن الرواية، هذا الفيكشين أو الخيال، هو ما نفتقده في معظم أعمال أدب السجون السورية، نحن نشاهد التوثيق المُحسَّن ببعض الصور البلاغية، الخواطر الإنسانية وتوصيف للأحداث اليومية في سجن عربي، قد يمكن مقارنته بسجون ناصر، والعاهل المغربي، والرفاق في كوريا الشمالية... لا أكثر ولا أقل، فتتحول الأعمال إلى يوميات سجين أو مذكرات لمرحلة السجن، قراءة للعذابات البشرية الجسدية والنفسية التي رافقت مراحل الاعتقال واستمرت بعدها مؤثرة على ضحايا هذا الطغيان؛ وحده نبيل الملحم كسر متأخرًا قضية السرد التوثيقي وأطلق لخياله العنان في "سرير بقلاوة الحزين".

اقرأ/ي أيضًا: نبيل الملحم: أغار من عبد الباسط الساروت

العمل يصف تدمر، ما هو واقع وما يمكن أن يكون واقعًا. للمرة الأولى لا نسمع ذكريات يرويها شاعر مبدع كفرج بيرقدار عن سجنه، أو نقرأ تحليلات منظر ومفكر كياسين الحاج صالح لفترة الاعتقال، أو نشاهد وجهة نظر مسرحي متميز لتلك التجربة كما فعل غسان الجباعي في روايته الحائزة "قهوة الجنرال" بل نرى شخصيات روائية.

سابقاً عندما كنا نقرأ نقدًا أدبيًا لرواية ما، كان بعض عتاة النقاد يعتمدون عبارة: "رواية شخصياتها حقيقية من لحم ودم". عبارة من العبارات الكثيرة المثيرة للقيء، فالرواية ليست فيديو يوثق حقيقة بصرية، الخلق الإبداعي للشخصية الروائية ميزة تنقص الكثير من الأعمال التي ظهرت مؤخرًا في سوريا ويتمتع بها الملحم.

في عمله الهام الذي يعالج الثورة السورية من وجهات نظر مختلفة؛ "بنسيون مريم" نحن أمام "رواية شخصياتها حقيقية من لحم ودم" لكنها شخصيات روائية، يخلط الكاتب مزيج من الشخصيات التي عاشرها وعرفها، يضيف عليها توابله المتميزة ليخرج بشخصية جديدة... شخصية روائية.

في "سرير بقلاوة الحزين" نحن أمام رواية لا توثيقية، توثق للسجن السياسي والفساد المستشري داخل السجن الكبير المسمى وطنًا. خلق الملحم الشخصية المحورية الأولى، شخصية تعيش، تتبسم، تُظهر أسنانًا ذهبية ركبتها غجرية هنغارية، وسن لبنية بقيت لتثبت أن بوسع المرء البقاء إن شاء طفلًا، ابتسامة لا يزعجها فقد البقية من رفاقها خلال التعذيب ولا اللثغة الرائعة التي نجمت عن هذا الفقد، بحيث صار صاحبها يلثغ بالسين والصاد والعديد من الأحرف الأخرى. "من ثار على الدرب وثل" (1).

هنا أتساءل إن كان هناك قدرة أروع من هذه على السخرية من النظام، ماضيه وحاضره؟

في "سرير بقلاوة الحزين" نحن أمام رواية لا توثيقية، مع ذلك توثق للسجن السياسي

الدكتور نزار الحزبي البعثي الذي يعتقل لعدم اهتمامه بالسياسة، ونسيانه تغيير صور قادة الحزب في عيادته، بعد أن تم تغييرهم في الواقع، يتم تعذيبه وامتهان كرامته الإنسانية، يتم خصي رجولته فيزيائيًا. يبقى مبتسمًا حتى أن بقايا جثته التي تستلقي على محفة المشرحة في الجامعة تضحك وتمد لسانها منهية الرحلة العجائبية للمواطن العجائبي.

اقرأ/ي أيضًا: نبيل الملحم: الكتابة فعل أقرب إلى الاستحمام

للمرة الأولى تخرج رواية من السجن الصحراوي، يكتبها روائي عن سجن وسجناء وجلادين، وليس كما كان قبل "سرير بقلاوة"، يوميات سجين ومذكرات مسجون.. لا انتقص من قدر أي عمل سابق، فكلها توثيق للمعاناة الإنسانية وللآلاف التي عُذبت وسلخت أو قتلت، امتُهِنَت كرامتها الإنسانية بشرب البالوعة أو التهام جرذ، لكن هذه العذابات كانت مصير مئات الألوف من الذين عانوا من الاعتقال السياسي ونجوا من الموت في سجون النظام، أُقدِر أن عدد السجناء السياسيين والمعتقلين الذين دخلوا هذه التجربة قد يصل إلى المليون "في سوريا فقط"، من أيام عبد الناصر حتى معتقلي الحراك الحالي "الثورة المعاصرة"، فإن أتحفنا كل منهم بقصة اعتقاله ودقائق التعذيب سيكون الأمر مملًا.

[[{"fid":"90856","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":300,"width":200,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

في "سرير بقلاوة" الذي نتعرف عليه لاحقًا نجد العهر الجميل، المرأة التي هي الأصل والمشتهى، الأنثى التي تبيع السعادة وتفتح سريرها للبكائين وعطشى الحب والحنان.

الموت للسجناء خلال مرحلة الاعتقال، خصوصاً في تدمر، قضية هامة، تعاملت معظم الأعمال السابقة معها بشكل من القدسية، فمن التوصيف الواقعي للجرائم التي ترتكب بحق المساجين وتؤدي لقتلهم، لحزن ورثاء، لتوصيف فقد الرفاق وتوثيق كيفية استشهادهم، روائح العنبر وهالات النور التي تحيط بالأخوة الشهداء في أعمال الإسلاميين، والابتسامات التي ترتسم على وجوههم وهم يتسامون لعالم أفضل.

تعامل الملحم مع الموت مختلف: هناك في المهجع سجين مختل عقليًا يضرط بشكل متواصل معتقدًا أن هذه الضرطات هي آخر ما تبقى من وسائل التعبير عن الرأي. الطبيب الشاعر نزار يلقي قصائده بمرافقة تلك الأصوات، الدويتو الأهم في مهجع المئة هو الشاعر والضراط.

الطبيب الشاعر لا يعالج مرضى العنبر:"- لكنه يحتضر... ـ دعني لا أعيق الله في عمله" ص 20.

نظريته عن كون تدخل الطبابة في مصير الإنسان يبطئ الفعل الحيوي الذي يقوم به الله، حيوية إفراغ الأرض، ثم عودتها ذاتيًا للامتلاء، ثم إفراغها لتمتلئ ثانية. هذه النظرية تحوز على إعجاب سجين درزي يرى بها عقيدته في التقمص، لكنها بعبقرية تشرح الخلافات التي تسود المهجع، الوطن. يموت السجين، تنفجر لديه الزائدة الدودية، يتدحرج على أرض الزنزانة وهو يسلم الروح. "من غير المتاح في عصرنا الأفقي، الصعود إلى الله شاقوليًا، كل ما بوسعنا فعله، هو أن نمضي إلى الله ونحن نتدحرج"، "الإسلاميون المتشددون اعتبروا هذه الفلسفة زندقة، والمتنورون الإسلاميون اعتبروها نوبة بوسع الله التساهل معها، والشيوعيون المتطرفون رأوا أن الطبيب الشاعر لن يصل إلى الله لا دحرجة ولا قفزًا" ص 21.

يلخص لنا الملحم الصفحات الطويلة التي حبّرها كتاب مثقفون لشرح الخلافات الفكرية بين تكتلات مساجين السجن الصحراوي

بعبارة مختصرة؛ يلخص لنا الملحم الصفحات الطويلة التي شَحَّرَهَا كتاب مثقفون لشرح الخلافات الفكرية بين تكتلات مساجين السجن الصحراوي. "سجين الضرطات" الطويلة يعتبر أن الروح تتسلل من الرأس لتخرج من إصبع القدم بعد أن تودع الجسد، وبعجائبية يعيد المحتضر للحياة بعد أن قاومها إصبع القدم فيردها لتعود لمكانها.

اقرأ/ي أيضًا: "خمارة جبرا": لماذا لا تسقط النجوم؟

الموت العبثي المجاني الذي يرافق سجن تدمر، يوصف بطريقة فنية جديدة على يدي الثنائي. ويبقى السؤال عن كيفية الموت الذي أوصل الطبيب الشاعر للمشرحة حاضرًا، الموت جزء من العمل يحكم إيقاعه ويدفع الأحداث للأمام.

الثنائي الشاعر والضرّاط، إضافة إلى أدهم الضابط السجين العاشق والعديد من الكومبارس يمثلون فريق السجناء. العريف محمد الشايل، والمرافق رباب، والعقيد صلاح صلاح ثلاثي السجانين. بقلاوة، هي المرأة، المومس الفاضلة، الملكة التي يحتوي فراشها كبارات البلد. كلير عشيقة أدهم المنسية، وزميلها الصحفي شهدي عبد الغني.. يمثلان جيلًا جديدًا جيل من هم خارج السجن. يكتبان الكلمات المتقاطعة، لتمجيد مطرب موهبته تكمن في إعجاب وزير الإعلام به. لورانس نادل المقهى كاتب التقارير الصريح... عنصر الأمن الذي يطلب من بعض زبائنه من المبدعين كتابة تقارير عن أنفسهم ليقوم بتبييضها، وذلك لإعجابه الشديد بأسلوبهم. جمعة الوردان صاحب عقدة العمود، وشخصيات ثانوية أخرى تتداخل في السياق الروائي لكنها لا تلعب دورًا محوريًا فيه، منها حراس وأهل قرية، وعروس الشاعر الطبيب المعتقل ليلة عرسه، وشيخ القرية الشبق الحالم بعروس الطبيب الشاعر، وطلاب درس التشريح في كلية الطب، وصراصير وهوام وحراس سجن، ونساء كثر من هنغاريا... شخصيات تتجول في الرواية، تثريها ولا تلعب دورًا هامًا في أحداثها.

نزار الذي يدبج قصائده في مديح الحزب والدولة، يصبح مُنتِجًا هامًا للعقيد صلاح مدير السجن الذي يصبح أسير شخصية نزار، بدئًا من اختلاس قصائده لينشرها باسمه في مجلة الجيش، ويتحول بفضلها إلى شاعر القوات المسلحة الأول، مرورًا باستغلال الشاعر الطبيب كمعلم لأبناء العقيد البلهاء.

يتحول السجين ليصبح الموسوعة المعرفية للعقيد، والعميد، واللواء لاحقًا، يثير غيرة رباب الحارس الشخصي وظل الضابط، هذا الضابط المتشوق للمعرفة الطامح لاكتشاف خيمياء جديدة تجعله ثريًا مهمًا.

تزداد أهمية نزار كمحلل سياسي خلال حرب الخليج الأولى حيث يصبح منظرًا استراتيجيًا يحلل علاقات الدول ويقيم الوضع العسكري؛ ما يمنحه بعض الميزات كالحصول على راديو صغير، ليصبح لاحقًا قوادًا للعقيد صلاح يرافقه لسرير بقلاوة.

يصل السجين في رواية نبيل الملحم إلى اليقين بأن النظام على حق وأنه يستحق الإصلاح

يغدو سجينًا يغادر السجن ويتجول في العاصمة، يمارس مهنة الطب عندما يرغب، بطلًا في مساعدته لأدهم للهروب من السجن، عندما يرى أن الوقت قد حان، والأمر الناهي على مدير السجن في النهاية.

مدير السجن الحالم مع نزار بنجاح البحث الخيميائي الرامي لاكتشاف الذاكرة البشرية في الدماغ ونقلها زرعًا لشخص آخر، تصور عاهرة تضاجع زبائنها بفكر فيثاغورث.

اقرأ/ي أيضًا: خمارة جبرا.. وحول القاع الدمشقي

يحدثنا الروائي عن الإبداع فالشعر بالنسبة لنزار أصعب من الطب، بإمكانه أن يعلم العقيد صلاح استئصال الزائدة، إعطاء الحقن، أن يحوله لطبيب خلال أسبوع من الممارسة، ولكنه من المستحيل أن يعلمه كيف يكتب الشعر.

طور الملحم شخصية بطله العجائبية بروعة، فالسجين المؤمن بأن النظام على حق وأنه يستحق الإصلاح، البعثي الهاتف للحزب وقيادته، من مهجع المئة، يسرد بالعربية شعرًا ونثرًا عبقريات متداخلة، عن خطط الروس لإذابة القطب المتجمد، الأمر الذي أكدته للدكتور نزار نادلة هنغارية كانت عشيقة ضابط مخابرات روسي، هذه القصة التي رفعها العقيد لرؤسائه وعادت عليه بالتوبيخ وعلى الدكتور بالمعاناة.

أحيانًا كان الدكتور نزار يسترسل في سردياته العبقرية باللغة المجرية في نقاشات فلسفية تضطر العقيد حينها للاستعانة بمترجمين لفهمها، يصرح بحقائق عن الكون وعن قدراته، ومنها: "إنني أميز من الأعضاء الجنسية للنساء بين من تنجب قائدًا عبقريًا، وبين من تنجب ولدًا أبلهَ"، ما يستفز العقيد فيسأله طبيب النسائية إن كان قد رأى الأعضاء التناسلية لأم رومل، فيجيبه الطبيب الشاعر بأنه يمكن معرفة عمر الشجرة من مقطع عرضاني في جذعها.

لنزار نظرية عن أن الولد الأهبل يأتي من مهبل شاحب مكتئب صامت، بينما يأتي الآخر من المهبل الضاحك. هذه النظرية لم تتسبب فقط بسفر العقيد الشاق إلى دمشق، ليصل بيته ويأمر زوجته بخلع ثيابها ويتأملها بفضول عالم في مختبره، بل شغلت العديد من ضباط وعناصر أجهزة المخابرات، وأدت لأن يتفحص كل منهم، بل وحتى المترجم الخجول، كل يتفحص ما لدى زوجته.

ينهي الملحم هذا المقطع الإبداعي بنص: "نستطيع القول، ودون معلومات موثقة، أن العقيد، ما زال منشغلًا بالسؤال ذاته، وحين كان ينظر إلى المرآة، أو إلى مجموع الأوسمة المعلقة في صدر مكتبه، يتراءى له ما لوالدته من ضاحك منشرح، وهو من تأكد بالوثائق الرسمية، أنه الرجل المختلف، ما عزز اعتقاده بما لوالدته من عضو مختلف، صار يقسم به إن دعت الحاجة إلى قسم لا يجوز الحنث به. – وحياة كـ... الوالدة!" ص 59.

نبيل الملحم: أميز من الأعضاء الجنسية للنساء بين من تنجب قائدًا عبقريًا، ومن تنجب ولدًا أبلهَ

العلاقة التي تتطور بين كتلة المساجين وكتلة السجانين، يمثلها الدكتور نزار الذي ينجح في احتلال مكانة هامة لدى العقيد، يقوده ويسيره، بل ويثير غيرة رباب الذي يشعر بالمنافسة والغيرة من علاقة مدير السجن بالسجين.

اقرأ/ي أيضًا: 8 أعمال روائية من أدب السجون العربي

في نقاش مع سجين تدمري سابق، أحسست بامتعاضه من النص الذي لا يمكن تخيله لسجين يغادر السجن برفقة مديره وحارسه الشخصي متى يشاء ليقضي الأمسيات في دمشق، هذا غير معقول، ولا يمكن أن يصدَّق. نعم هذا هو العمل الروائي، وليس إعادة سرد ما حدث... الإبداع يختلف عن التوثيق يا صديقي.

ثورة أزيز الذباب التي يبدأها نزار تؤدي لحالة هيجان، تتسبب بقدوم قيادات للتحقيق في السجن، القيادات تلوم العقيد صلاح على كونه لم يستخدم نسبة العشرين بالمائة المسموح قتلهم... تُوجَّه أصابع الاتهام في ثورة الذباب للدكتور نزار الذي وببراعة راقص باليه محترف يخرج من الموت المحقق بالإدلاء بالأسماء الثلاثية، تواريخ ميلاد، واسم الأم لعدد من أعداء الثورة. القائمة المختلقة تتضمن ألف وتسعمائة اسم، تمنح نزار المزيد من الوقت، خمسة أباريق من الشاي، وتكلف أجهزة الأمن تجنيد عناصر ومخبرين جدد. العلاقة المثلية بين رباب والعقيد لا يصرح عنها بشكل مباشر في البداية، بل يلمح إليها بشاعرية تنفي الشذوذ عنها، لتصبح في النهاية حقيقة يؤكدها مرؤوسي صلاح، وتلمح لها بقلاوة، وتفضحها تسريبات أدهم للصحافة... العلاقة الإنسانية المثلية تختلف هنا، إنها علاقة جلاد بجلاد... إنسان في موقع قوة بتابع يتحول لماسح لأحذية سيده بتفان وإخلاص. الحسد والغيرة من جانب رباب بسبب دخول نزار لعالم سيده، لا يمنعاه من متابعة المسيرة في خدمته للنهاية. عندما يصطحب نزار الثنائي لزيارة الملكة في ماخورها، ينقلب العقيد إنسانًا ضعيفًا يبلل بدموعه سرير المرأة، الجلاد الذي هو في الأصل إنسان، نتعرف على ماضيه، عائلته، ضعفه، وفي الزيارة الثانية وعلى الطريق من تدمر لدمشق ينجح نزار في انتزاع نصر جديد للسجناء، وعد خفي بتقليل نسبة الحصى في شوربة عدس المساجين. ترويض السجان يسير بخطى واثقة.

سرير بقلاوة يشهد نوبات البكاء المتكررة لصلاح، السجان الذي يستجيب لرغبة الملكة ببقاء نزار لديها، رغبتها أمر يتم تنفيذه رغم اعتراض رباب... ويصبح رفيق زنزانة أدهم الانفرادية متسكعًا في دمشق يبحث عن كلير محبوبة أدهم فيها، يمارس عمليات إجهاض بالاتفاق مع بضعة قابلات ويتقاسم الإيراد مع العقيد.

ربما تكون "سرير بقلاوة الحزين" هي الرواية الأولى بالمعنى الفني عن سجن تدمر

بالصدفة يجد نزار، كلير عشيقة أدهم التي تنتظر، يتواصل معها قبل أن يعود للسجن بسبب من خشية العقيد صلاح من فكرة شاذة طارئة لمحاربة الفساد بدأت تستشري في البلاد، عودة نزار ترتبط بإصابته خلال عملية تعذيب اعتيادية تودي به لمشفى السجن حيث يبحث بعض الأطباء من شتات البيروسترويكا في العقل البشري والذاكرة على مجموعة من فئران المخابر الجديدة "نزلاء تدمر".

اقرأ/ي أيضًا: مصطفى خليفة.. القبور ترقص في سوريا

يعمل نزار على أن يهرب أدهم من السجن ومن البلاد، يغادر أدهم لبيروت وينشر لمنظمات لحقوق الإنسان تفاصيل ودقائق ما يحدث في تدمر، فتوحات جديدة للحقيقة، تعرية لعلاقة صلاح برباب، توصيف دقيق لإبداعات العريف الشايل في التعذيب، حمامات سلق المساجين وفظائع كثيرة.

يكشف للعالم ما يعرفه العالم، حيث أنه لا يوجد عاقل يعتقد أن معتقلات النظام تشابه منتجعات سويسرا، يموت نزار، يتقاعد اللواء صلاح ويعيش على قمة جبل... بقلاوة تمارس كافة الرذائل المتفق عليها شرعًا وقانونًا، تهرب المخدرات، لكنها تخلط الكوكائين بالسكر، والهيروين بسم الفئران الذي لا يقتل بل يسبب مفعولًا مشابهًا للمخدر النقي، هذه البضاعة هي انتقامها من المجتمع، زبائن هذه السلعة هم من المتنفذين، الذين لا يستحقون هيروئينًا خالصًا.

مشهد أخير يجمع أدهم في مقهى للمثقفين، بكلير، بصبية حولاء من ناشطي الثورة قالت بأن الثورة ستكنس المعارضة والمثقفين والسلطة. "كل ما عرفه أن الجوع داهمه فجأة مثلما داهمه الاشمئزاز من البنت داعية الثورة، مثلما داهمه الاشمئزاز من الكتابات السريعة لناشطي الفيسبوك وقد بدوا أكثر استعجالاً من أن يتعرفوا على عبقريته الفريدة في صناعة الإبرة من سلك ناتئ من جدار زنزانته".

أدهم كان قد زار مؤخرًا اللواء المتقاعد صلاح في قريته النائية، اللواء الذي يعاني من رهاب الأماكن المغلقة وعمى سيكولوجي للألوان نسى أو تناسى وجه أدهم، لكنه لم ينس رجل الضرطات أو الدكتور نزار أو سرير بقلاوة، يرافقه حارسه الشخصي رباب الذي فقد رغباته وزهد في استعراض جسده أمام سيده، بسرعة يتوصل اللواء ويوافقه أدهم لحكمة مفادها: "طز بالتاريخ"، هذه الحكمة يكررها ثنائي كلير وأدهم في المقهى، بينما تعرض الشاشات صورة الكهل التونسي يصرخ "هَرِمنَا.. هَرِمنَا".

النص كما يتضح من الإهداء لفارس الثورة الأولى منيف ملحم، كُتب خلال شهر بين 24 حزيران/يونيو 2002 و24 تموز/يوليو 2002، لكن الملحم أعاد فيه بعض الصياغة ونقحه وأضاف المشهد الأخير في 29 حزيران/يونيو 2011 لينشره عام 2012، مهديًا الرواية لجيلين من السوريين.

نص جدير بالقراءة، وربما الرواية الأولى عن سجن تدمر، بعد مئات الأعمال التوثيقية متفاوتة المستوى التي تحدثت عنه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"مشاءة" سمر يزبك

مها حسن: "بلغني أيتها الحرب السعيدة"