11-فبراير-2024
كاريكاتير لـ عماد حجاج/ الأردن

كاريكاتير لـ عماد حجاج/ الأردن

كان الرد الوحيد المقنع من الرئاسة المصرية على تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي قال فيها: "في البداية، لم يرغب رئيس المكسيك، السيسي، في فتح المعبر للسماح بدخول المواد الإنسانية، كلمته. أقنعته بفتح المعبر. لقد تحدثت مع بيبي [نتنياهو] لفتح البوابة على الجانب الإسرائيلي. لقد ضغطت بشدة"، هو نفي أن عبد الفتاح السيسي رئيس للمكسيك.

جاء حديث بايدن بعد أسابيع من كلام مشابه في مرافعة الفريق الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، عندما مثلت تل أبيب أمامها بتهمة نية تنفيذ إبادة جماعية في قطاع غزة.

مع كلمة بايدن السابقة -أيضًا مع مرافعة الفريق الإسرائيلي-، ظهرت عشرات الأصوات التي تطالب الرئاسة المصرية بتوضيح، ليس لقناعتهم بما يقوله بايدن، بل تأكيدًا لكون مصر، التي ضرب رئيسها "المثل" في أهالي غزة مرةً، تفتح المعبر من تلقاء نفسها، وإن حدث تعطيل فهو إسرائيلي.

صدر بيان الرئاسة المصرية ولم يعترض على كون السيسي رئيسًا للمكسيك، بطبيعة الحال. لكنّ "التصويب المصري" أكد على القيام بـ"فتح المعبر بدون قيود أو شروط"، وكأن البيان يعيد تعريف ما هو "المعبر المفتوح"، أو يخترع تصورًا جديدًا عنه.

والحقيقة كما علمتنا السنوات الماضية، لا تأخذ من البيانات الرئاسية، ويبدو من السخف البحث عنها هناك، بينما ينتظر 6500 جريح الخروج من قطاع غزة للعلاج كـ"أولوية عاجلة"، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.

يمكن قول الكثير عن أوهام معبر مفتوح، الذي يحتاج الغزيّ إلى آلاف الدولارات من أجل الخروج منه، إذ أن التنسيقيات في معبر رفح، أصبحت منظمةً وممأسسةً مع النظام المصري

وبما أن الحديث عن الحقائق، فعن معبر رفح قالت وسائل الإعلام المصرية مرة إن "القاهرة نجحت بإخراج وائل الدحدوح من قطاع غزة"، من ينجح بإخراج شخص من معبر يفتحه؟ ولماذا يتحول هذا إلى خبر؟ وأخبرنا الطبيب غسان أبو ستة، الذي أكد على أن دخول المساعدات كان سيكون فارقًا في صمود المنظومة الطبية في غزة، بأنه احتاج إلى عدة أيام للخروج من معبر رفح، نظرًا لعدم ظهور اسمه في قوائم الخروج، نتيجة الرفض الإسرائيلي، رغم أنه يُعدّ مزدوجًا للجنسية. وما قاله أبو ستة ليس سرًا، فقد أكده وزير الخارجية المصري، وهو يشير إلى أمر واحد، هو أن النظام المصري مجرد حارس للبوابة عند إسرائيل، تدير "حصار القطاع"، وتبتز جراحه.

لنتذكر أيضًا بأن السيسي "رهن" دخول المساعدات إلى قطاع غزة، بالتوافق مع الولايات المتحدة الأمريكية، ضمن صفقة توافق مصر على أساسها بخروج حملة الجنسيات الأجنبية من القطاع، مقابل دخول المساعدات إلى قطاع غزة، وبعدد هزيل، وكأنها خطوة سيادية.

أمّا عن معنى السيادة التي تظهر خطابيًا في مصر، وربما بحث عنها من طالب الرئاسة المصرية بالبيان، فقد كان يُحاول ترويجها طوال الوقت في الحديث عن "الصفقة" السابقة، لكن بايدن بدايةً هو من أعلن عن الاتفاق مع السيسي. و"السيادة"، بدلًا من فرضها على معبر حدودي، تطالب كل المناشدات بفتحه باتجاه واحد، أي دخول المساعدات اللازمة والضرورية وخروج الجرحى، تفرض فعليًا على من يعيش على جانبه، أي أكثر من مليوني شخص غزيّ، يطحنون علف الحيوانات ويشربون مياه البحر، وتتكدس الشاحنات على بُعد أمتار منهم. ولكن مصر ترسل المساعدات إلى معبر إسرائيلي للتفتيش، وعندها يقرر عودتها إلى معبر رفح من أجل الدخول إلى غزة أو المرور عبر المعابر الإسرائيلية، التي تحكمها اليوم مجموعات المستوطنين التي تتماهى وتدعمها حكومة إسرائيل. وهذا يعني سيادةً إسرائيلية، للجيش والحكومة ومجتمع المستوطنين.

وعودة إلى بايدن وتصريحه، يشار هنا إلى أن وزير خارجيته أنتوني بلينكن، وخلال زيارته الأخيرة إلى تل أبيب، كان من المفترض أن يصل إلى معبر كرم أبو سالم، من أجل تقييم دخول المساعدات إلى قطاع غزة، لكن الحكومة الإسرائيلية، لم "تستطع ضمان عدم تعرضه للإحراج"، لأن الشرطة الإسرائيلية "لم تقدم أي وعود، بمنع وصول المتظاهرين إلى المعبر، ومنع الشاحنات من الدخول إلى قطاع غزة".

واحدة من القصص عن "المعبر المفتوح"، وهي كثيرة في هذا السياق، هي حالة الشاب عمرو أبو قاسم، الذي قال عند سؤاله عن سبب ذهابه السريع إلى مواقع القصف الإسرائيلي: "إنه يتخيّل حين حصول قصف على أي مكان كأنه يحدث على منزلهم فيذهب للمساعدة".

وفي واحدة من الغارات الكثيرة على غزة، كانت واحدة على منزل أبو قاسم. أصيب عمرو، ومكث عدة أيام يعاني من حروق بلغت 45 % من جسده وخطر على بتر يده، وفي مناشدات من قبل شقيقته استمرت لأسبوعين على الأقل، لإخراج أبو قاسم من غزة للحصول على العلاج، انتهت باستشهاده.

ويمكن قول الكثير عن أوهام معبر مفتوح، الذي يحتاج الغزيّ إلى آلاف الدولارات من أجل الخروج منه، إذ أن التنسيقيات في معبر رفح، أصبحت منظمةً وممأسسةً مع النظام المصري -عبر شركة هلا ورجلها في سيناء إبراهيم العرجاني- وأصبحت "قصة" يعلمها كُثر في العالم، ونشرتها وسائل الإعلام الغربية المركزية. وبالمناسبة، هي ليست ابتكارًا حديثًا، ويعرفها أهالي القطاع جيدًا، واختبروها على مدار سنوات، بداية من رشاوى يسكت عنها النظام، إلى فساد ترعاه الحكومة.

والتنسيقيات كلمة مُلطفة ابتدعت على معبر رفح كمعادل موضوعي لدفع آلاف الدولارات، من أجل الخروج من قطاع غزة، وهي تتطور بالظروف الموضوعية القائمة، إذ أصبحت تُدفع من أجل دخول الشاحنات إلى قطاع غزة، وترتفع أسعارها بين فترة وأخرى، وتفرض على من يحمل الجنسية المصرية أيضًا. كل هذا في زمن حرب إبادة، قد تصبح مصر بالمعنى قانون "معاونًا" لإسرائيل فيها، وهي تواصل انتهاك قرار المحكمة، ومصر ترفض تنفيذ قرار القمة العربية الإسلامية.

وعودة "إلى أن مصر تفتح المعبر"، وعلى افتراض ذلك فعلًا، ماذا تعنيه الحاجة إلى دفع آلاف دولارات من أجل عبور المعبر، سوى أنه مغلق؟

منذ الأيام الأولى، جاء الموقف الرسمي المصري معارضًا للتهجير باعتباره خطًا أحمرًا، كل ذلك على وقع المجازر والتجويع، وهي أمور لا تقل بشاعة عن تهجير أهالي القطاع. والآن أصبحت مصر تفتح الباب أمام مناقشة إمكانية تنفيذ إسرائيل عملية عسكرية في رفح بدلًا من رفضها المطلق. وهي ستكون طبقة جديدة، في طريق مشروع التهجير الإسرائيلي لأهالي القطاع، لكن سيطلق عليها "هجرة طوعية".

يُحاصر جنود وطائرات وبوارج إسرائيل قطاع غزة، وتعاونهم مجموعات المستوطنين. كما تُحاصر غزة، بممر بري يُنقذ إسرائيل، من مأزق منع سفنها المرور عبر مضيق باب المَندب، وتُحاصر غزة بإغلاق معبر رفح أيضًا، على ما يبقي أهالي القطاع أحياءً ويدعم صمودهم، وهذه شراكة في العدوان، لا أقل.