16-نوفمبر-2016

تمثال عمر الخيام في روسيا

بمناسبة عمله حاليًا على ترجمة معاصرة لـ"رباعيات الخيام"، يكتب جوان كول، أستاذ التاريخ بجامعة ميشيغان، هذا المقال. لدى كول اهتمام خاص بالعالم الإسلامي وبحث علاقته بالغرب في سياق تاريخي. آخر كتبه: العرب الجُدد؛ كيف يغير جيل الألفية الشرق الأوسط (2014).


مترجمةً بشكل بارع ومبتكر إلى الإنجليزية من قِبل إدوارد فيتزجيرالد عام 1859، ذاعت رباعيات الخيام غربيًا في الثلثين الأولين للقرن العشرين. ونجحت في خلق بديل عن الصور الاستشراقية النمطية للشرق الأوسط باعتباره إقليمًا يعاني التعصب والتزمت والظلامية الدينية. كما يتراءى لي أنها قد ساعدت كثير من الكتاب والمثقفين على تشكيل تصورهم عن العلمانية.

تنتمي الرباعيات إلى الشعر الشعبي الإيراني الهند-فارسي، ولا تعود بالضرورة إلى الخيام

اقرأ/ي أيضًا: "أسد البصرة".. نمذجة الشخصية العراقية

قبل قرن من الزمان، بل أكثر، كان مُلهمًا لمارك توين وعزرا باوند ووروبرت فروست عمق ما بلغته الأفكار العلمانية الحياتية لدى الفلكي الإيراني المسلم القروسطي، عمر الخيام (1126). وكلارنس دارو، المحامي الذي دافع عن تدريس الدارونية في قضية سكوبس مونكي الشهيرة بالولايات المتحدة (1925)، أشاد بالرباعيات ونقل عنها. كذلك ألهم الخيام أجيالًا من الشعراء، بما في ذلك وودي غوثري وجاك كيرواك وجيري غارسيا، كاتب أغانٍ وعازف غيتار فرقة غريتفول ديد (الستينيات).

إن ترجمة فيتزجيرالد المذكورة رائقة شعريًا، لكن أسلوبه الرومانسي ومفرداته الفيكتورية تجعل من الصعب علينا استساغتها اليوم. أيضًا، لم تكن ترجمته مخلصة دائمًا إلى الحرف الأصلي، على الرغم من أنني أزعم أنها استطاعت عمومًا نقل روح النص.

تنتمي الرباعيات إلى الشعر الشعبي الإيراني الهند-فارسي، ولا تعود بالضرورة إلى الخيام، الفلكي والرياضي الكبير أيام الإمبراطورية السلجوقية. مع ذلك، اعتُقِد على نطاق واسع أنها من صنع عالم بارز، وجرى الاعتزاز بها لألف عام في شتى ربوع العالم القديم على أيدي منفتحين مسلمين وهندوس ومسيحيين أرمن، وبريطانيين يستوطنون الهند، وغيرهم من متحدثي الفارسية، الذين استمتعوا بوضوح بهجومها على الأرثوذكسيات ضيقة الأفق.

في أيام "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وغير ذلك من أشكال الإرهاب، حيث وصل ما أنعته بـ "قلق الإسلام" إلى ذروته، ما عادت لدينا حاجة أخرى إلى صور بديلة للحضارة الشرق أوسطية. لكني أعتقد أننا بحاجة إلى استعادة الرباعيات.

شعر الخيّام يشكك في الحقائق الدينية والتنجيمية، ويُساءل مفاهيم التجاوز والجنة والنار

اقرأ/ي أيضًا: فرانز كافكا: هل يساعدنا الأرق على الكتابة؟

إنني منخرط في ترجمتها من جديد إلى الاصطلاح الإنجليزي الأمريكي المعاصر. وأستند  في ذلك إلى نفس مخطوط عام 1460، الذي غالبًا ما استند إليه فيتزجيرالد. كانت ترجمة الأخير قد تعرضت لانتقادات من قِبل روبرت غريفز لحفاظها على نظام القافية الفارسي الأصلي، مما اضطر إلى الخروج عن النص الأصلي لأسباب شكلية فقط. وبناء عليه، أفضل الشعر الحر أو المرسل لمثل هذا الغرض. وفي حين تعني "الرباعيات" حرفيًا "مقاطع شعرية من أربعة سطور"، فإن بعض السطور الأصلية كثيفة في معناها ومجازها بما لا يجعلها مفيدة إذا نقلت إلى الإنكليزية بما هي كذلك.

ابتكرت رباعيات الخيام شكلًا من أشكال العلمانية ميّزه المفكرون البريطانيون والأمريكيون المحدثون عندما رأوا ترجمة فيتزجيرالد. أعني بهذا شعرًا يشكك في الحقائق الدينية والتنجيمية، ويُساءل مفاهيم التجاوز والجنة والنار، ويقيّم الإنسان وفق مذاهب مجردة، ويحدد معنى الحياة في متعها البسيطة.

اقرأ/ي أيضًا:

حداثة الحياة.. تقليدية الموت

مدونة أمبرتو إيكو.. حدود المعرفة وفضاء الخيال