15-يونيو-2016

(Getty) سرت ترحب بكم

كان السؤال في البداية، هل يستطيع الليبيون بمفردهم مواجهة داعش؟ وكانت مناسبة السؤال هو الحديث المتواتر طيلة الأشهر الماضية حول حتمية عملية عسكرية أجنبية لهزيمة التنظيم الإرهابي وذلك على غرار التحالف الدولي في العراق!

 وبعد انطلاق عملية تحرير سرت والانهيار السريع لدفاعات التنظيم، بات السؤال، هل كان تنظيم الدّولة غولًا من ورق في ليبيا؟ ثم لحقه سؤال آخر يجيء وسطًا بين الحسرة والنّدبة، كم خسر الليبيون من انقسامهم حتى خُطفت منهم "سرت الجميلة"؟

دحر الليبيون "الغول" الذي اختطف سرت بشكل لم يتوقعه أحد مع الانهيار السريع لداعش في المدينة، غير أن السؤال يظل ماذا بعد تحرير سرت؟

لم تنطلق معركة تحرير سرت في البداية إلا حينما بات عنوان تحرير المدينة لواءً يتنافس الخصوم على رفعه. أطلق اللواء خليفة حفتر، القائد العام للجيش الليبي غير المعترف به غرب البلاد، عملية "تحرير سرت" فيما ظهر ورقة يلعبها لفرض نفسه في ساحة ما بعد الصّخيرات. فما كان لهذه العملية الانطلاق على الأرض، حتى سارعت حكومة الوفاق الوطني لسحب هذه الورقة منه. فشكّلت بدورها غرفة عمليات عسكرية قوامها المجموعات التابعة لمدينة مصراتة، وكانت التسمية "البنيان المرصوص" ولتبدأ من جهة الغرب معركة التّحرير.

اقرأ/ي أيضًا: تاريخ صناعة السلاح في إسرائيل..3 مراحل و3 أهداف

حققت عملية "البنيان المرصوص" في أسابيع وجيزة انتصارات متتالية في نقاط المواجهة المباشرة خاصة في منطقة أبوقرين ليكون الزحف متواصلا باتجاه الشّرق، في اتجاه المدينة المختطفة. وعمل حرس المنشآت النفطية، الداعم لحكومة الوفاق، من جهته على تضييق الخناق على التنظيم الإرهابي ومحاصرته من جهة الشرق. فيما ظلّت قوات خليفة حفتر تتقدّم ببطء خاصة في ظلّ رفض حرس المنشآت التعامل معها بعنوان عدم التعاون مع القوات الخارجة عن شرعية حكومة الوفاق.

التقدّم السريع لقوات "البنيان المرصوص" بالتوازي مع انهيار دفاعات تنظيم الدّولة، لم يكن وفق مراقبين دون مساعدة أجنبية، وإن لم يتبيّن بعد تأطيرها وطبيعتها.

حيث تناقلت مصادر متواترة من بينها "وكالة سبوتنيك" الروسية أن عددًا من المستشارين والفنيين العسكريين الأمريكيين والبريطانيين، يتواجدون في مدينة مصراتة لتقديم الدّعم للقوات المنضوية في العملية العسكرية، وهو ما أشارت إليه شبكة تلفزيون الكابل الأمريكية "سي إن إن" في وقت سابق. من جانبها، نفت حكومة الوفاق الوطني ذلك، وقرّرت التحرك لمواجهة داعش دون انتظار رفع مجلس الأمن لقرار منع تسليح الدولة الليبية، وهو مطلب دائم لأعضاء المجلس الرئاسي للحكومة تلحقه بصفة متكررة طلبات توفير الضمانات لعدم وقوع الأسلحة في أيادي متطرّفين.

في هذا السياق، تحدث مؤخرًا المندوب الليبي لدى الأمم المتحدة إبراهيم الدباشي عن وجود مجموعات مسلحة خارج إطار الدولة ضمن عملية "البنيان المرصوص". وقال: "إنه من السابق لأوانه الحديث عن قوات تسيطر عليها حكومة الوفاق لأن دعمها للحكومة لا يعني بالضرورة أنها تسيطر عليها". هذا التصريح أثار غضب عبد الرحمن السويحلي رئيس مجلس الدّولة، المنبثق عن اتفاق الصخيرات، مطالبًا بأخذ موقف حازم من الدباشي.

ظلّت قوات خليفة حفتر تتقدّم ببطء في معركة سرت، خاصة في ظلّ رفض حرس المنشآت التعامل معها بعنوان عدم التعاون مع القوات الخارجة عن شرعية حكومة الوفاق

لقد مثلت التطورات العسكرية لتحرير ثالث أكبر مدن البلاد، في خضم تواصل الأزمة السياسية التي جعلت حكومة الوفاق تمارس أعمالها كحكومة أمر واقع، بشارة لليبيين في شهر رمضان الفضيل، الذي انطلقت خلاله قبل خمس سنوات عملية تحرير طرابلس من قبضة نظام القذافي، بيد أنها تظلّ بشارة تنتظر الحسم بتحرير سرت بشكل كامل وتأمينها، والأهم فرض ذلك تحت ظل الشرعية الوفاقية.

اقرأ/ي أيضًا: صار وجوده رسميًا..بغداد تعين سليماني مستشارًا لها

هذا الحسم لا يزال يواجه مقاومة من تنظيم داعش الذي حافظ على أدواته القتالية التقليدية، السيارات المفخّخة التي يقودها انتحاريون إضافة للقناصة الذين يعتلون أعلى المباني. حيث تمّت محاصرة مقاتلي التنظيم في الأيام الماضية في مساحة تقدّر بخمسة كيلومترات مربعة تغلب عليها المباني السكنية، وهو ما يجعل المعركة تتحوّل من المواجهة المباشرة في الصحاري إلى حرب شوارع تظلّ الخشية معها من استهداف المدنيين. كما تبقى الخشية بالتوازي من استدراج التنظيم لمقاتلي القوات الحكومية للمربّعات السّكنية وإعداد خطّة لمهاجمتهم وهو ما يظلّ مستبعدًا وفق التوازنات العسكرية الجارية.

هذا بينما استطاعت قوات العملية تشديد الحصار على التنظيم الإرهابي من المحورين الغربي والجنوبي إضافة للخليج البحري. كما استطاعت مجموعات عسكرية داعمة للعملية من تحرير مدينة هراوة غرب سرت، وبالتالي بات عناصر التنظيم في مصيدة يصعب الارتداد عنها، إضافة لوجود الغطاء الجوّي الذي يكشف مواقع التنظيم ويحدّد إحداثياتها للقوات المرابطة على الميدان. إضافة لذلك، تناقلت مصادر متعددة طيلة الأسابيع الفارطة وجود صراعات داخل أفراد التنظيم بين الليبيين من جهة والأجانب/المهاجرين من جهة أخرى. كما أدت المواجهات لمقتل القائد الشرعي للتنظيم، إضافة لأخبار هروب عدد من مقاتليه، وهو ما يكشف إجمالًا انهيار التنظيم في انتظار تحرير المدينة بشكل كامل في غضون الأسابيع القليلة القادمة.

دحر الليبيون "الغول" الذي اختطف سرت بشكل لم تتوقعه قيادات القوات الحكومية نفسها مع الانهيار السريع والمتتالي لدفاعات التنظيم الإرهابي، غير أن السؤال المحوري يبقى، ماذا بعد تحرير سرت؟.. فالأزمة السياسية التي مازالت على أشدها مع تواصل الثنائية المؤسساتية منذ صيف 2014 وتواصل صراع أجهزة الدّولة الضعيفة فيما بينها، تظلّ الضبابية حول إدارة مدينة سرت بعد طرد الإرهابيين منها. حيث يخشى ساكنو هذه المدينة، التي تمثل معقل نظام القذافي، من هذه المجموعات التي تعمل على تحرير مدينتهم إذ يعتبرون أن عددًا منها كان متورطًا في انتهاكات ضدهم طيلة السنوات الماضية.

اقرأ/ي أيضًا:

مساع لإعادة مقاتلين في الحشد الشعبي لجؤوا لأوروبا

نواب سنة وكرد يخشون العودة إلى بغداد