07-يوليو-2017

عينة من مقاتلي حفتر في أحد شوارع بنغازي (أ.ف.ب)

ببزّة عسكرية بيضاء لم يعتد ارتداءها، وفي خطاب متلفز، أعلن خليفة حفتر قائد "الجيش الليبي"، التابع لمجلس النواب، ما أسماه "تحرير مدينة بنغازي من كلّ الجماعات الإرهابية تحريرًا كاملًا غير منقوص"، وذلك بعد زهاء ثلاث سنوات من إطلاقه لما تُسمى بـ"عملية الكرامة" من مدينة بنغازي نفسها. في النهاية ورغم الدعم اللوجستي من الإمارات والعسكري من مصر، استلزم حفتر ثلاث سنوات للقضاء على الجماعات المسلّحة المعارضة له.

 

 

ويأتي إعلان سيطرة حفتر الكاملة على بنغازي، في خضم تواصل تأزم الوضع في البلاد، وهو ما جعل الأمم المتحدة تفضل مؤخرًا تعيين مبعوث جديد لها في ليبيا، هو اللبناني غسان سلامة، بدلًا عن الألماني مارتن كوبلر، الذي لم ينجح عبر اتفاق الصخيرات، في إرساء خارطة طريق توافقية بين الفرقاء الليبيين لإنهاء أزمة تزداد كلفتها يومًا عن يوم على النسيج المجتمعي الليبي وعلى الاقتصاد المتهالك للبلاد.

كما يتزامن إعلان السيطرة مع مراوحة المبادرة التونسية المدعومة من دول الجوار في مكانها، ومع استمرار الغموض حول مآل اتفاق خليفة حفتر ورئيس حكومة الوفاق فائز السراج، الذي أشرفت عليه أبوظبي قبل شهرين.

اقرأ/ي أيضًا: السراج وحفتر في الإمارات.. هل نضج الحل السياسي في ليبيا على طاولة غير محايدة؟

من جهته، بادر رئيس حكومة الوفاق فايز السراج بإصدار بيان لـ"تهنئة الشعب الليبي بعودة الحياة الطبيعية إلى المدينة"، متجنّبا استعمال لفظ "التحرير"، مُشيرًا للتطلّع إلى بناء "جيش واحد ومؤسسات سيادية موحّدة"، دون أي إشارة لقوات حفتر، أو توجيه التحية لها، إذ حاول السّراج كعادته المواءمة بين الفريق المتحفّظ في المنطقة الغربية على دور حفتر من جهة، والفريق المخالف، بيد أن هذه المواءمة الحذرة أكدت استمرار اتساع المسافة بينه وبين حفتر، غير المستعدّ بعد للجلوس على الطاولة، لتقديم تنازلات حقيقية لإنهاء الأزمة.

فيما أعلن حفتر سيطرته الكاملة على بنغازي، لا تزال الأوضاع في ليبيا تزداد تدهورًا، من جهة الأمن والاقتصاد وكذلك الفرقة المجتمعية

مطامع حفتر لا تنتهي

بعد ساعات من إعلان "تحرير بنغازي"، حاولت قوات حفتر التقدم لجهة الشرق نحو مدينة سرت، التي تسيطر عليها قوات "البنيان المرصوص" التابعة لحكومة الوفاق، وذلك قبل أن تصدّت له هذه القوّات، إذ لايزال حفتر طامعًا في تعزيز مساحات سيطرته العسكرية، خاصة بعد الاختراقات التي حققها في جنوب البلاد خلال الأشهر الماضية.

وتعكس هذه المطامع مجدّدا عدم جديّته في الانخراط في أي حل سياسي دائم، بما في ذلك تحت الغطاء الإماراتي المصري، فلا يزال بين عينيه هدف السيطرة على كامل ليبيا، وتحديدًا العاصمة طرابلس، إلا أنّ تأمين حكومة الوفاق لطرابلس وسرت، ومحافظتها على مواقعها في الجنوب، ما يزال يمثل العائق الرئيسي أمام حفتر. فرغم شحنات الأسلحة القادمة من الإمارات على سفن سعودية، كما كشف تقرير أممي مؤخرًا، ورغم وجود قوات مصرية على الأرض وفي السماء، ما زالت الكفّة العسكرية تميل نحو حكومة الوفاق، وذلك بالإضافة إلى تمتّعها بالاعتراف الدولي.

ولعلّ من آخر مؤشرات عدم الحسم بعد في أهم نقاط الخلاف بخصوص التبعية للجيش الليبي وشرعيته، هي دعوة ونيس بوخمادة، قائد القوات الخاصة التابعة لحفتر مؤخرًا، لقوات "البنيان المرصوص"، أن تنضمّ للجيش الليبي، وهو ما يعني استمرار المقاربة في معسكر حفتر، التي تعتبر بأن قواته هي النواة الشرعية والوحيدة للجيش الليبي الموحّد الموعود، فيما تتبنّى حكومة الوفاق مقاربة تتجاوز خطاب الاستحواذ والاستفراد بالشرعية عبر التركيز على مقاربة "توحيد الجيش"، ما يعني انضواء المجموعات المسلّحة في مختلف المناطق في جهاز عسكري واحد.

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: معركة الجفرة في ليبيا.. التداعيات الميدانية والحسابات الإقليمية

وفي الواقع، فإن سعي حفتر للتأكيد على أن قواته هي "الجيش الليبي"، وهي أساس أي جيش موحّد في المستقبل، مبناها سعيه للمحافظة على منصبه كقائد عامّ، وهو ما ترفضه عديد القوى المؤثرة في المنطقة الغربية، من منطلق أن حفتر شخصية جدلية، وبأن الوصول لتوافق يستلزم تقديم تنازلات من كل الأطراف.

ماذا بعد بنغازي؟

هذا ويظلّ السؤال حاليًا: ماذا بعد بنغازي؟ بتجاوز نفي قوات "مجلس شورى ثوار بنغازي" سيطرة قوات حفتر على جميع مناطق البلاد، وهو ما لا ينفي هزيمتها في كل الاحوال، فإن إعمار المدينة المنكوبة منذ ثلاث سنوات هي المرحلة القادمة.

ما يزيد من سوداوية المشهد الليبي هو استمرار غياب أي مؤشرات حقيقية للتسوية بين الفرقاء 

إلا أن استمرار الأزمة السياسية عبر الثنائية المؤسساتية بوجود حكومتين تتصارعان على الشرعية، وما زالت قواتهما في حالة استنفار ضد بعضهما البعض؛ فإن إعمار المدينة يظلّ مفتقرًا لأساس جوهري، وهو ضرورة وجود توافق وطني يكون أرضية لخطوات إعمار البلاد بكلّها. فما يزال حظر التسليح مستمرّا، وما يزال ملفّ إعادة الإعمار بتمامه، سواءً لدى الليبيين أو دول العالم، معلّقًا على شرط التسوية السياسية في ظلّ استمرار شبح الاحتراب الأهلي.

اقرأ/ي أيضًا: الجيش الليبي.. سرابٌ موجود وهدف منشود

وما يزيد الصورة السوداوية في المشهد الليبي، هو استمرار غياب أي مؤشرات حقيقية لهذه التسوية التي ينتظرها الليبيون الذين ضاقوا ذرعًا بالانقسامات والصراعات. وينتظر حاليًا الجميع ما سيحمله المبعوث الأممي الجديد غسان سلامة، في جعبته، في الوقت الذي ما تزال القوى السياسية المؤثرة غير مستعدّة لتقديم تنازلات في مناخ عدم الثقة.  وربّما ستزيد التطوّرات الأخيرة في منطقة الخليج من تعقيد مسار التسوية في ليبيا، وهي واحدة من أهم مساحات صراع النفوذ بين الإماراتيين والمصريين من جهة والقطريين والأتراك من جهة أخرى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

معارك الهلال النفطي.. الأزمة الليبية باقية وتتمدد

تورط أبوظبي في الإفراج عن سيف الإسلام القذافي.. دلائل ومؤشرات