13-أكتوبر-2023
أكرم خريف

حطّمت عملية "طوفان الأقصى" الأساطير التي كانت إسرائيل تروّجها عن جيشها (الترا صوت)

لا تزال إسرائيل تحصي قتلى وأسرى الهجوم الذي شنته المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف قطاع غزة فجر السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، حيث نجح مقاتلو "كتائب القسام" في اقتحام الخط الدفاعي الذي نصبته تل أبيب حول القطاع، والذي لطالما تباهت بتقدّمه التكنولوجي وقدرته على حمايتها، وتمكنوا من مهاجمة عدة مستوطنات ونقاط عسكرية للاحتلال، باستخدام تكتيكات هجومية مختلفة وعتاد عسكري يدخل ساحة المواجهة لأول مرة.

وردًا على هذا الهجوم، أطلقت إسرائيل حربًا انتقامية واسعة على قطاع غزة هي الأعنف منذ سنوات. ومع دخول قوات أخرى على خط الصدام المسلح، أبرزها الولايات المتحدة التي أرسلت حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد فورد" إلى مياه شرق المتوسط وقدّمت مساعدات عسكرية ضخمة لإسرائيل، إضافةً إلى التوترات على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية وتبادل القصف المدفعي والصاروخي بين مقاتلي "حزب الله" وجيش الاحتلال؛ أصبح التهديد بانتقال الحرب من طابعها المحلي إلى نزاع إقليمي واسع، أكثر جدية من أي وقت آخر. 

أمام كل هذه المعطيات، ولفهم ما جرى على الأرض أثناء عملية "طوفان الأقصى"، ومحاولة استشراف السيناريوهات الميدانية التي من الممكن أن تأخذها الحرب الأخيرة على غزة، مرورًا بتفاصيل القدرات العسكرية والعتاد الذي تملكه المقاومة وأدواره التكتيكية والاستراتيجية، يحضر معنا الخبير العسكري الجزائري ومدير موقع "مينا ديفانس" المختص في العتاد العسكري، أكرم خريف، في حوار خصّ به "ألترا صوت".


  • ماذا تعني عملية "طوفان الأقصى" بالنسبة للجيش الإسرائيلي؟ وما تفسيركم للصورة المترهلة التي ظهر بها لحظة الهجوم؟ 

لقد حطّمت عملية "طوفان الأقصى" أربعة أساطير أساسية كانت إسرائيل تروجها عن جيشها: أولًا، أسطورة أن إسرائيل تتحكم في حدودها عبر المراقبة المستمرة وعبر اختراق مخابراتها للمقاومة. ثانيًا، أن المعدات التكنولوجية التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي هي الأكثر تقدمًا في العالم. ثالثًا، أن المقاتلين الإسرائيليين من الأكثر كفاءةً والأحسن تدريبًا في العالم. ورابعًا، أن تفوّق العتاد العسكري وتطور التكنولوجيا قادران على حماية الجنود الإسرائيليين.  

وعلينا أيضًا فهم أن "حماس" لم تقم باقتحام الأراضي المحتلة عبر الانتقال من ثكنة إلى أخرى ومن نقطة عسكرية إلى أخرى، بل سعت إلى دحر كل الوجود العسكري الإسرائيلي على طول المنطقة المحيطة بقطاع غزة. 

أكرم خريف: حطّمت عملية "طوفان الأقصى" الأساطير التي كانت إسرائيل تروّجها عن جيشها

أما بالنسبة للجيش الإسرائيلي، فمنذ سنوات ونحن نلاحظ ترهله وتراجع عتاده، وهذا راجع إلى عدة أسباب: أولها أن هناك قناعة تاريخية دائمًا ما تثبت حقيقتها، وهي أن كل جيش يُكلَّف بتأدية مهمات الشرطة المدنية، يتقهقر بشكل بنيوي ويفقد كفاءته. ثانيًا، أن الجيش الإسرائيلي لم يدخل في حرب منذ مدة طويلة، وأن الجيل الذي عاش المواجهات الميدانية قد اختفى، وهو ما ظهر جليًا في حرب لبنان عام 2006 ونلاحظه الآن بنفس الشكل. وأخيرًا، غياب الاختبارات الحقيقية للعتاد العسكري الإسرائيلي، والتي توفرها المواجهات، من أجل معرفة مدى كفاءته، ولتعويض هذا النقص لجأ الجيش الإسرائيلي إلى التسويق المفرط لذلك العتاد. 

كل هذا، في نظري، ساهم في انهيار الجيش الإسرائيلي مع كل هجوم لـ"حماس"، كان لخسائره أن تكون أكبر لو أن عدد المقاتلين الفلسطينيين كان 10 آلاف مقاتل بدل ألفين.

  • هل من الممكن أن تشرح لنا كيف نجحت المقاومة في التفوق على تكنولوجيا الرصد والتصدي الإسرائيلية الحديثة؟

نجح الفلسطينيون في إلحاق الهزيمة بالجيش الإسرائيلي عبر القيام بدراسة وسائله وقدراته الدفاعية بشكل دقيق وكل واحدة على حِدَة، فقد تم استهداف كل نقاط المراقبة باستخدام الطائرات المسيرة والقناصة، وتم تحييدهم بشكل كامل تجنبًا للمواجهة المباشرة.

وبالنسبة للثكنات والقواعد العسكرية، فقد استغلوا عامل أن الجنود الإسرائيليين يهرعون تلقائيًا إلى الملاجئ عندما تكون هناك رشقات صاروخية، وهو ما جعل الفلسطينيين يقومون بضربات صاروخية تزامنًا مع الاجتياح البري، ما مكن الكوماندوس الفلسطيني من اقتحام الثكنات التي أصبحت غير محروسة بسبب وجود الجنود الإسرائيليين داخل المخابئ، وهو ما سهّل القضاء عليهم.

وقامت "حماس" أيضًا بتكتيك تمويهي بإرسال قوات كوماندوس عبر البحر، وبإنزال جوي للمقاتلين باستخدام الطائرات الشراعية والمظلات المزودة بمحركات، وهو ما عرقل إرسال الدعم العسكري للإسرائيليين وخلق نقاط اشتباك عديدة. وعلى ما يبدو أيضًا، قام الفلسطينيون بتدمير عدد من هوائيات الاتصال والتشويش على موجات الراديو، من أجل منع الجنود الإسرائيليين من التنسيق في ما بينهم للرد على الهجوم. وفي النهاية، يجب أن نشير إلى أن المقاومين أظهروا قدرات قتالية كبيرة لم تكن موجودة عند
الإسرائيليين.

  • انطلاقًا من خبرتكم في مجال التسليح والعتاد العسكري، ما تقييمكم للأسلحة الجديدة التي كشفت عنها المقاومة الفلسطينية: القدرات الصاروخية والمسيرات وأنظمة الدفاع الجوي؟

المذهل في الهجوم الأخير ليس جودة العتاد المستخدم من قبل "حماس"، لأنه ظل تقريبًا نفسه الذي تستخدمه في كل عملية، ولكن استخدام تقنيات وأسلحة جديدة. على سبيل المثال، لعبت الطائرات بدون طيار دورًا رئيسيًا، بينما كان من المفترض أن تكون إسرائيل هي اللاعب الدولي في هذا المجال، وقد أظهرت تجربة الحرب في أوكرانيا أنه يجب أن نعطي الأفضلية للعدد والتكلفة على التكنولوجيا والأداء.

ومن حيث الأساليب المبتكرة، استلهم الفلسطينيون من الهجمات على ثكنات سوريا والعراق ومنطقة الساحل التي تعطي الأفضلية للحركة والسرعة على القوة النارية، ومن هنا جاء استخدام الدراجات النارية في الهجوم. أما بالنسبة للقدرات الصاروخية، فما لعب دورًا في كفاءتها ليست دقتها التي زادت فحسب، بل حتى زيادة عددها، فبفعل تكثيف وتوسيع الهجمات الصاروخية يتم إضعاف قدرة أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية على التصدي لها.

  • مع بداية التوتر أيضًا على جبهة لبنان، ومقارنة بحماس، ما هي أبرز القدرات العسكرية التي يمتلكها حزب الله؟

يتمتع "حزب الله" بقوة أكبر مقارنة بـ"حماس"، إذ يمتلك القدرة على الحصول على إمدادات من الخارج، ويتمتع بإمكانية الوصول إلى تكنولوجيا عسكرية متقدمة، كما أن أراضيه محصنة وتتوفر لديه أنظمة اتصالات صعبة التشويش من قبل الإسرائيليين. بالإضافة إلى أن وجوده في الطرف الآخر من الأراضي يساهم في تشتيت القوات الإسرائيلية وإضعافها. 

أكرم خريف: نجح الفلسطينيون في إلحاق الهزيمة بالجيش الإسرائيلي عبر القيام بدراسة وسائله وقدراته الدفاعية بشكل دقيق

ومن ناحية العتاد، يمتلك "حزب الله" كمية كبيرة من الطائرات بدون طيار المفخخة، وطائرات الرصد، التي يقدر عددها بالمئات مقابل عشرات الطائرات لدى "حماس". بالإضافة إلى صواريخ مثل "الفجر" التي يمكن أن تصل إلى معظم مدن إسرائيل. وتتميز قوات النخبة في "حزب الله" بتدريب جيد وخبرة عميقة في القتال.

ومن هنا تأتي الخطوة الأمريكية بنشر المجموعتين البحريتين، حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد فورد" والبارجة "يو إس إس نورماندي"، لحماية إسرائيل من تدخلات القوى الخارجية التي قد تستغل هجوم "حماس" كفرصة للتدخل، وعلى رأسها "حزب الله"، إضافةً إلى سوريا التي ترغب في استعادة أراضيها، أو حتى إيران.

  • انطلاقًا من المؤشرات الحالية، ما هي السيناريوهات التي يمكن أن تأخذها الحرب؟

في الحقيقة هناك عدة سيناريوهات يمكن توقعها، من بينها اتفاق بين "حماس" وإسرائيل بشأن إطلاق سراح الأسرى والرهائن، ووقف إطلاق النار، أو تصعيد محلي مع تدمير قطاع غزة، وتكلفة عالية يتحملها الجيش الإسرائيلي. وأخيرًا، تصعيد عام مع تدخل أطراف أخرى مثل إيران وحلفائها (اليمن، العراق، سوريا، لبنان)، مما سيشكل تهديدًا بحدوث حرب بين إيران وإسرائيل، يمكن أن تكون مدمرة للكوكب بأسره.