14-يونيو-2019

الكاتب والشاعر آزاد عنز

افتتح آزاد عنز كتابه "حماقاتٌ لا بدّ منها" (دار الزمان) بدون مقدمة بنص أدبي سياسي بعنوان "قامشلو، القامشلي، قامشلوكي" يقول من خلالها: خُططت بأنامل فرنسية على خريطة مهمشة في شمالٍ مهمش وشرقٍ بائس، لم تكن زجاجة عطرٍ ليتعطر بها الضابط الفرنسي تيرييه، بل كانت مجموعة من الغرف الطينية بعثرت على ضفّتي نهرٍ متسوّل ليتعطر أهلها برائحة الطين المنبعث من متاهات الغرف ذات الأبواب الخشبية المفتوحة على مصراعيها، التي بعثرت على ضفّتي نهر الجقجق، فورّثت المدينة اسمها من القصب أولاد النهر، القصب الذي يرضع من النهر أبدًا، فكان القصب أي قامش أبًا للمدينة وأجدادها فسميت قامشلو.. القامشلي ذات رائحة البخور والحناء والتوابل، النهر النحيل الذي يشبهه في نحالته ووسامته.

يتحدث كتاب "حماقات لا بد منها" عن تعريب الأسماء والمدن والبلدات الكردية التي جعلت للأمكنة أكثر من اسم

اقرأ/ي أيضًا: آزاد عنز.. حين يقطع لسان القصيدة

وفي نص آخر يناجي الكاتب والشاعر الكردي الكبير سليم بركات فيناديه بصوت عال "سلو، سليمو، ابن المُلا بركات"، "سليمو الكرديّ الهارب إلى شماله الناطق ليحمل مفاتيح الشمال ويكون حارسًا على أبوابها الكبيرة، سلو الهارب من جغرافيته إلى جغرافية لا جهة لها، الذي غدر بأول شمالٍ احتضنه ليلجأ إلى الشمال الثاني ويطعنه، وكأنه يختار الشمال كي يغدر به بطعنة قاتلة ويعيد إحياءه في جغرافية أخرى، ليعود سيدًا للجهات".

ثم يستجديه ليعود إلى شماله حتى لا يضلّ طريق العودة إلى البيت.

وفي نص "الأكراد لصوص الجغرافيا" يشرح بلغة أدبية شاعرية هادئة حتى لا تثب الجغرافية الكردية من سباتها بهلع كيف أن الله تصدّق على الطبيعة وأهداها جبالًا وهضابًا حمقاء لتصبح بمثابة الأب والأم للكرديّ بالفطرة، ولم يحرم الله الكرديّ فتكرم من الوجع والعذاب.

ثم يتحدث عن تعريب الأسماء والمدن والبلدات الكردية لتصبح لكل بلدة أو مدينة أكثر من اسم. ويتوقف في نصٍ آخر عند الوطن متسائلًا: ما هو الوطن يا سادة؟ ويبحث بين ثنايا الكتب متكئًا أحيانًا على مشاعره، وأحيانًا هلوساته التي تغطي صفحات واسعة من كتابه، ليصل إلى نتيجة ليست نهائية فربما يكون شبر من الأرض الواسعة كي يضع عليها حذاءه الصغير، من أجل أن يصفق له شركاؤه في التشرد الذين يريدون أشبارًا تسع لأحذيتهم، أو مهد الولادة الذي قذفه إلى الشارع القريب من الحي، ليستنشق هواءً بائسًا من أعقاب السجائر المرمية، ليعلمه الشارع كلمات غريبة الأطوار، ويطحن وحل المستنقع عظامه الفتية حافيًا حتى الركبة ويتسخ حتى منكبيه، أو قلب فارغ يبحث عن مستوطن كي لا يبقى شاغرًا إلى الأبد، أما وطن العاشق ففراش امرأة عاشقة تستدرجه رائحة جسدها ليذهب مغمض العينين أسير تلك الرائحة، ويبقى آزاد عنز باحثًا عن الوطن في أكثر من نص ودراسة معمقة تحتاج إلى أكثر من قراءة.

في نص "الأكراد أيتام الله"، سوداوية ما بعدها سوداوية عند الآخر عند الحديث عن الكرد، وفي نص عن قاضي محمد، رئيس جمهورية مهاباد، يتحدث عن أحذية كردية معلقة، ونعال كردية تعلو الهامات.

يختتم نصوصه بنص "مُشافهة الأرواح ما بعد البرزخ" يتحدث عن حوار بين روح هاجرت جسدها ليس بسبب عارض أو حادث ما، وأخرى قُتِل جسدها دفاعًا عن الدين أو الوطن، في جدال سفسطائي عن أحقّية التمتع بالحياة ما بعد البعث المعهود.

نصوص كتاب "حماقات لا بد منها" ملأى بأفكار خرجت توًّا من محيط التيه

خمسة وعشرون نصًا، خمسة وعشرون حبة من مسبحة "كهربان" تلتصق الواحدة بالأخرى تسحبك من محيطك، ومن صفحات الفيسبوك التي تخرّج منها وكأنك لم تتصفحها، إلى فضاء الكلمة الأنيقة، والأفكار التي خرجت توًّا من محيط التيه.

اقرأ/ي أيضًا: يوسف بشير في "حين حدث ما لم يحدث": الخلاص بالسخرية والخيال

آزاد عنز الشاعر الجميل الذي تحدث إلينا قبل الآن بلسانٍ مقطوع في مجموعته الشعرية "القصيدة التي كتبت بلسان مقطوع أو ميثاق الضجر" هو في هذه الحماقات بحاجة إلى أكثر من قراءة، فكتاب "حماقات لا بد منها" بحاجة إلى الغوص في أعماقه ليستشف القارئ أعماقه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عن أحمد خالد توفيق الذي جعل الشباب يقرأ