03-أبريل-2019

الشاعر آزاد عنز

هذا النص قراءة في ديوان الشاعر آزاد عنز، المعنون بـ"القصيدة التي كتبت بلسان مقطوع، أو ميثاق الضجر" (المؤسسة العربية للدراسات والنشر- الطبعة الأولى، 2017).

ظلٌّ سكران

تبقى الكلمة وحدها تصرخ من الوجع الذي يغلق عليها رتاجات الأبواب كلها، فتبحث عن ظلّها السكران، ظلّها الذي يغيب في لحظات التيه باحثًا عن وجوده، عن معناه وعن خلوده، حين باتت اللغة منطوية تحت جناح ذلك الوجود حين بدأت الأرض بالتكوّن في تلك اللحظة، إله بعثر كل شيء يوم الخلق، ووزّع آثار تطوينه للخلق على أرقام سبعة، فاستحالت تلك الأرقام كتابًا يتحدث في سفر الوجود عن تلك الأرقام لعله يحظّى بنصيب من ذلك الإله فيعيد الخلق قراءته، ومن ثم يدركون سرّ تلك الأرقام التي تحولت بين فجر وضحاه إلى قصيدة أخذت تتردد على الشفاه، قصيدة قطعت لسانها قبل أن تنطق بكلمة واحدة..

الخطيئة الأولى

وما زاد الطين بلّة هو أبو الخلق نفسه؛ آدم، حين تجرّأ على اقتراف جنايته منذ الدقائق الأولى للنشأة، على الرغم من التحذير المستمر من قبل خالقه بألّا يفعل ذلك، ولكن الخطيئة الأولى ارتكبت، وارتكب فعل الجناية، فكانت المأساة، وكان الوجود البشري على أرض تسبب لهم بكل ذلك الدمار والهلاك. 

العجز عن التعبير عن محنة الإنسان من صفات القصيدة، ومن أخصّ خصائصها

اقرأ/ي أيضًا: عن أحمد خالد توفيق الذي جعل الشباب يقرأ

هكذا أصبح الموت صفة لصيقة بالقصيدة، القصيدة التي صار العجز عن التعبير عن محنة الإنسان من صفاتها، ومن أخصّ خصائصها، بعد أن كان البيان سيّد الموقف، وكانت اللغة المرساة التي تلقى بها السفن الأمان من الغرق، أو الضياع في بحور العالم المترامية الأطراف.

تاريخ يسرد حكاية الخلق

التاريخ يمضي عاصفًا في سرده للأحداث، والأبطال في التاريخ يؤرخون الوقائع، والشعر ينطلق في محاولاته ليكون صنواً لهم في هذه القضية اللامتناهية، وعلى هذا التراب الذي طغى فيه "منطق الطين الممزوج على كفيه وترك ليقينه... إلى أن نضج عجينه الممدود على التراب"، فكان الخلق، وكان أبو البشر الذي ولد حين "نفض الطين عن كاهله تراب النشأة... فكانت ثمرة إبداع الخالق... إنتاج والد البشرية... أديم الأرض... صانع الخيانة، وناكث العهد".

والشريك يمضي معه في ناكث الخيانة، فيكون منه ومن ضلعه الأعوج، والذي لم يستقم حتى الآن، ربما لحكمة من صانع الأول، وخالق الأول. يستمر الجنس بالاستمرار، وتستمر معه الخليقة بالتكاثر، وتأتي أولى ثمرات ذلك الحب إلى الوجود، ليبدأ فعل القتل يبري جسد المخلوق، ويكون ذلك القتل والموت "فعل الاختزال... فهو قيّد أول جريمة قتل تعصف بأولاد الأديم".

جدارة الكردي بالخسارة

تحتفي القصيدة ذات اللسان المقطوع بالكردي، لأنهم "أولياء الله في تمكين الغير للغير على حساب الخديعة... للشريك الكردي... ككل كردي يؤازر خصمًا علنًا... أخًا لفظًا... شريكًا في الخسارة".

فتصديق الغير سمة من سماته، وجرت عليه على مر التاريخ الكثير من الويلات والدمار والحروب، تلك الخيانة مصنوعة منه بيده، وتنتهي إليه بعد حين، ليكون وحده الرامي والمُرمى عليه في آن واحد. ويكون جديرًا بالخسارة، والخديعة التي تحلق الحيف به، فقصة جمهورية مهاباد وغيرها ما زالت ماثلة أمام الأعين.

عود على بدء

الرقم الكردي مرة أخرى يترك الكردي يتلوى من الألم، حكاية لا تنتهي مع الوجع، حكاية تستصرخ ذاتها، هي وحدها جديرة بالشقاء، جدير ة ببقاء الكرد حتى الآن طيورا مهاجرة نحو كل الأصقاع، مهاجرة إلى "جهة لا ظلّ لها... لا وطن للطيور... لا وطن للأكراد... لا وطن لظلّ الأكراد... لا وطن للمهاجر".

الكرد ومحنة الوطن  

منفى أخير، فراغ يبحث عن ذاته في جنون الحياة، في ضجيجها وصخبها، "سجادة صلاة شاغرة تستنجد بالجباه... كربيع يابس لا يتنفس إلا إذا توضأت في حضنه زهرة مجنونة"، أعمى، فراغ من كل شيء، وطن هاجر عنه الكرد، وهجرهم هو أيضا في ليلة لا ظلال تُرى لأشجار من قمر يلقي بكاهله على أغصانها العارية، فتنتحب على نفسها وعليهم، ليقسو المكان، والفراغ الجديد الذي هاجروا إليه، ويترك الغصة في قلبوهم، ويتركهم يتجرعون آلام العودة كل لحظة، فلا يكون لهم إلا الريح، الريح التي تتنفس وحدها عشقهم للعودة، لملامسة الجودي، زهرات الوطن النحيلة مثلهم، فناء كان يجمعهم تحت ظلّه يوما ما، ولكنهم يعرفون أنه ليس هناك "داء ولا فناء".

برزخ مجهول ينبري له الكردي وحده

تفتح الأبواب هذيانها على الجميع، يتوارى الكل خلف صخور صماء، يتمنون لو أنهم لم يكونوا، لم يولدوا على شاكلة الآدمي، فالحساب يأتي مع القيامة، القيامة التي تتعانق فيها الأرواح بشدة لتعود إلى خالقها مرة أخرى، فتفتح الدفاتر، وكل يحمل كتابه بيده، يهرب من يهرب في صرخة ليس إلّاها، صرخة واحدة وينتهي كل شيء، وكأن شيئًا لم يكن، فـ"تجتمع الأرواح شاردة على رغيف القيامة... بوجهيها الفردوس والجحيم... فتصيح روح كردية بأعلى صوتها... لن تستطيعوا على حمل القيامة... أنا من ستحمل القيامات في باطن يدي".

التصقت الخسارة بالكردي، وقصة جمهورية مهاباد ما زالت ماثلة أمام الأعين

اقرأ/ي أيضًا: مكتبة ماناش باتاشارجي

في ذلك الفراغ إلى الذات العليا يقطع لسان القصيدة، فلا يستطيع أحد أن ينفث من رئتيه الهواء؛ لأن الرئتين ستعلنان نهاية الكون في الصراخ الذي سيجتمع به الخلق في قبة السماء.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

"فنّ الرواية" لكمال الرياحي.. هرولة لذيذة نحو أهمّ كتّاب الرواية

خوان خوسيه ميّاس: لا أصطنع خطًّا حدوديًّا يفصل عملي الروائيّ عن عملي الصحفي