02-فبراير-2020

بدأ مسار العداء البريطاني للاتحاد الأوروبي قبل الخط الزمني الرسمي لبريكست (Getty)

قد تتفق الصحف التي تريد إعداد موضوع سريع عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو ما بات بُعرف إعلاميًا بالبريكست، أن هذا المسار قد بدأ منذ ثلاث سنوات، تحديدًا في الثالث والعشرين من حزيران/يونيو عام 2016، حين خالف البريطانيون توقعات نايجل فاراج نفسه "الوجه البارز المناهض لبروكسل"، حين قال قبيل نتائج الاستفتاء إن "الأمور ستبقى على حالها".

ثمة مسار آخر لـ"بريكست" بعيدًا عن "الخط الزمني التقليدي"، الذي يتم تداوله، كما أن له بعدًا أعمق من الورقة الرسمية التي أصدرها البرلمان الأوروبي الأسبوع الماضي عن القضية

كثيرون يعتقدون أن القصة الحقيقية بدأت منذ 1331 يومًا، حين بدأ العد التنازلي للقصة باستقالة ديفيد كاميرون وتولي تيريزا ماي، ووصول الحدث السياسي بتعقيداته الاقتصادية والجيوسياسية مع بروز بوريس جونسون إلى أقصى ما يمكن. لكن للقصة عمقًا آخر بعيدًا عن "الخط الزمني التقليدي"، الذي يتم تداوله، كما أن له بعدًا أعمق من الورقة الرسمية التي أصدرها البرلمان الأوروبي الأسبوع الماضي عن القضية، والتي اتخذتها معظم التقارير مرجعًا زمنيًا لتطورات الأحداث.

اقرأ/ي أيضًا: بعيدًا عن احتفالات جونسون.. الحسابات الحقيقية لما بعد "بريكيست"

ما قبل الاستفتاء: الأبقار البريطانية بداية للحكاية

لا تستطيع بريطانيا العظمى أن تعيش كابوس أن تُمنع من أن يتم تصدير لحومها لأي مكان في العالم، ولا يمكن لها أن تقبل أن يكون مصدر هذا الكابوس بروكسل، وهو ما سجلته في أجندتها الوطنية على أنه تدخل "صفيق" في سيادتها وفي طريقة إدارتها لشؤونها.

مع الوباءات التي تنتشر في كل فترة من الزمن، فإنه لن يكون صعبًا على المتابع لأخبار "فيروس كورونا" اليوم أن يتفهم كيف كان شعور المزارعين عام 1996 في بريطانيا، وهم يقرأون الصحف البريطانية، مليئة بعناوين عريضة من نوعية "اللحوم البريطانية محظورة في كل أوروبا"، و"انخفاض أسعار اللحوم في أسواق الماشية"، بعد انتشار مرض جنون البقر واعتبار اللحوم البريطانية مصدرًا له.

كانت تلك القصة في التاسع والعشرين من مارس/آذار عام 1996، أي منذ أربعة وعشرين عامًا. دخلت فرنسا وألمانيا على الخط، وأقامتا حظرًا أحاديًا على اللحوم البريطانية، بعدما تبين انتشار المرض وإمكانية  تطوره إلى كروتز فيلد القاتل للبشر. الجبهة المعارضة لأوروبا ترد بالمقابل على لسان السير الراحل تيدي تايلور الذي لو كان من المحتمل، لو أنه لا يزال حيًا، أن يكون أحد أبرز وجوه بريكست. دعا الرجل بصوت عالِ وقتها لفرض حظر مقابل على النبيد الفرنسي ولحم البقر الفرنسي. وهكذا أصبحت المواجهة: لحومنا بلحومهم ونبيذهم.

حدث كل هذا بينما كانت آمال أوروبا في غد مشرق تولد بين كفي هيلموت كول وجاك شيراك اللذين كانا يخططان لإطلاق اليورو وتوسيع أوروبا جغرافيًا لتقبل دول شيوعية سابقة، لتصبح القارة أوسع لا أعمق.

كان حينها جون ميجور الذي بدأ رحلة رئاسة الوزراء عام 1990، بحلم أن تكون بريطانيا محور أوروبا ومركزها، يواجه ضجيج وجلبة الصحف اليمينية التي شكلت البداية الحقيقية لكل ما هو "ضد أوروبا". عندئذِ بدأ العد التنازلي الحقيقي لوجود بريطانيا داخل "تجمع بروكسل"، وبدأت أسئلة وجودية تطال بريطانيا من الداخل حول عضويتها في الاتحاد الأوروبي. تلت هذه الأحداث سلسلة مما يمكن تسميته بـ"تدهور العلاقات المستمر بين أوروبا وبريطانيا"، كان آخرها فشل ديفيد كاميرون في إقناع الزعماء الأوروبيين بدعمه للفوز على المحافظين من زملائه، بينما يُسدل الستار في 23 حزيران/يونيو عام 2016.

ما بعد الاستفتاء.. بريطانيا الغارقة في التيه

في ذلك اليوم من حزيران/يونيو 2016، فازت "لا" للاتحاد الأوروبي بنسبة 51% وخسرت نعم بنسبة 48%، بفارق 13 مليون صوت، ليعلن بعدها ديفيد كاميرون استقالته ويفتح الباب أمام رحلة خروج صعبة وعسيرة.

بعدها بأقل من شهر تدخل تيريزا ماي المشهد في 13 تموز/يوليو 2016، وتوصف على أنها الأكثر فرادة وصاحبة العهد الأكثر مصيرية في تاريخ بريطانيا العظمى. بكلمات أخرى، كانت مهمتها صعبة في ظل اقتصاد يجب أن يظل بخير، حتى تحت غمامة الخروج.

بعدها، في التاسع والعشرين من أيار/مايو 2017، تبدأ المادة 50 من معاهدة لشبونة بالعد التنازلي لعامين من أجل خروج بريطانيا من الكتلة. كان من أبرز التجليات الصحفية للقصة ظهور خريطة الاتحاد الأوروبي على الصفحة الأولى لصحيفة الغارديان البريطانية مع اختفاء بريطانيا من الخريطة، التي بدت كاللغز ومكانها عنوان صحفي عريض ومحير: "بريطانيا تتجه نحو المجهول".

حزيران شهر خيبات ماي

في الثامن من حزيران/يونيو وبعد الدعوة لإجراء انتخابات عامة مبكرة في محاولة لإعادة إحكام قدرتها على السيطرة على مجريات بريكست في مجلس العموم، بدا أن ماي فقدت أغلبيتها البرلمانية في هزيمة مذلة، واضطرت إلى عقد صفقة مع حزب الاتحاد الديمقراطي لتظل في السلطة.

بعدها بستة أشهر بالتمام والكمال، وافقت بريطانيا على ما يسمى بصفقة الطلاق أو بكلمات أدق "مشروع قانون الطلاق"، والذي يشمل حقوق مواطني الاتحاد الأوروبي وبريطانيا. لكن العام التالي لم يحمل أسعد الأوقات لماي حيث أصبح مشروع قانون الخروج من الاتحاد الأوروبي قانونًا، وينفض الجميع من حولها، أولهم بوريس جونسون.

بين شد وجذب برز نيسان/أبريل كمحطة جديدة لتأجيل الموعد النهائي لمغادرة الاتحاد الأوروبي ليكون مرة أخرى في 31 تشرين الأول/أكتوبر، بيأس بالغ تحت شعار "بصفقة أوبدونها"، في أعقاب فشل ماي في دفع تسوية يوافق عليها مجلس العموم.

في الرابع والعشرين من حزيران/يونيو 2018، وبعد إخفاق ماي للمرة الثالثة في الحصول على اتفاق الانسحاب من خلال البرلمان، حددت ماي موعدًا لاستقالتها في السابع من حزيران/يونيو.

عصر بوريس جونسون

استقالت ماي، باكية في مشهد مؤثر بدا وكأنه خاتمة لحياتها السياسية، ودخل بوريس جونسون البرلمان بعد فوزه في انتخابات قيادة حزب المحافظين بأغلبية 66 في المئة، في فوز قيل أنه "مريح" على منافسه جيريمي هانت.

بلاءات تجاه أوروبا، وتأييد لبريكست، كان "بوجو" حازمًا رغم يمينيته الخشنة، وأعلن التزامه بالانتهاء من قصة الانفصال وتوحيد البريطانيين.

في آب/أغسطس الساخن، ظهرت تقارير تفيد بأن رئيس الوزراء الجديد قد طلب من الملكة تعليق البرلمان لمدة خمسة أسابيع في الفترة التي تسبق 31 تشرين الأول/أكتوبر. في خطوة استنكرها حزب العمال على لسان توم واطسون، ووصفها بأنها إهانة مباشرة لديمقراطية بريطانيا العظمى.

اقرأ/ي أيضًا: بريكست ما بعد فوز جونسون.. وضوح الشعبوية يفوز وغموض اليسار يخسر

في الرابع من أيلول/سبتمبر 2019 طالب النواب بعد استعادة سيطرتهم على مقاليد الأمور من بوريس جونسون بإجراء انتخابات عامة، وبعد التصويت أيد النواب مشروع قانون يحظر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون صفقة في 31 تشرين الأول/أكتوبر. اضطر بوريس جونسون بناء على ذلك إلى طلب تمديد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ووافق الاتحاد على ذلك.

بلاءات تجاه أوروبا، وتأييد لبريكست، كان "بوجو" حازمًا رغم يمينيته الخشنة، وأعلن التزامه بالانتهاء من قصة الانفصال وتوحيد البريطانيين

في الثامن والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر أيد حزب العمال مشروع قانون حكومي يسمح بإجراء انتخابات عامة. تم حل البرلمان في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر، وفاز المحافظون، أي فاز جونسون بطبيعة الحال ومرر اتفاقية المغادرة. نتيجة لما حدث، خطت بريطانيا خطوة واسعة خارج اتحاد بروكسل بعد ثلاث سنوات بكل صعوبة، وبالكثير من الاستقطاب والانقسام الداخليين، وبعد أن صارت لندن مثالًا سلبيًا لمن يريد أن يسلك سبيلها، ومساحات شاسعة لـ"المجهول"، الذي تحدثت عنه "الغارديان" قبل سنتين.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

بريكست والإنترنت والفردانية.. القصة الكاملة لانهيار توماس كوك