24-سبتمبر-2019

جر جونسون بريطانيا إلى مستوى جديد من التعقيد (رويترز)

توصل بوريس جونسون إلى تعليق عمل البرلمان البريطاني رغم كل المعارك التي تخاض على مستوى السلطة القضائية من أجل الطعن في مشروعية هذا التعليق، بالإضافة إلى ممارسة الشارع لفعل التظاهر الكثيف احتجاجًا على هذا الإجراء باعتباره اعتداء صريح على الحرية العامة، ويحرم ممثلي الشعب البريطاني من قدرتهم على الدفاع عن مصالحهم.

أضعف الخيار الوسطي الذي اعتمده جيريمي كوربن، موقف حزب العمال أمام كل من حزب "بريكست" المناهض بشدة لأوروبا وحزب الديمقراطيين الأحرار المؤيد للاتحاد الأوروبي بدون تردد

لكن مجلس العموم البريطاني نجح في الأسبوع الأخير، قبل سريان مفعول تعليق أعماله، في فرض مجموعة من الضمانات. فقد استطاع المجلس أن يفرض قانونًا لا يسمح للسلطة التنفيذية باتخاذ قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي دون موافقته على شروط الخروج، مترافقًا مع تقارير حكومية تفيد بأنه في حال اتخاذ قرار الخروج دون اتفاق في تشرين الأول/أكتوبر القادم، فإن هناك مخاطرة  في حدوث أزمة في الوقود والطعام والدواء.

اقرأ/ي أيضًا: بوريس جونسون وتعقيدات بريكست.. الديمقراطية البريطانية في خطر؟

في هذه الأجواء السياسية، يفتتح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون جولاته التمهيدية من أجل الحوار مع الجانب الأوروبي حول إمكانية تعديل شروط الخروج من الاتحاد الأوروبي بطريقة لا تتيح لمجلس العموم البريطاني رفضه. في الوقت الذي تبدو فيه جميع خياراته المتمثلة في تحدي القانون والخروج من الاتحاد في 13 أكتوبر/تشرين الأول، أو إبرام اتفاق بسرعة، أو الاستقالة من منصبه، أو قبول طلب تمديد مهلة بريكست، في أفضل حالاتها بمثابة انتحار سياسي.

تفاؤل من جونسون وإجراءات من قبل الاتحاد الأوروبي

وفي الوقت الذي يحاول فيه بوريس جونسون التأكيد بأن الأمور تحت السيطرة، وأن احتمال الخروج دون اتفاق يتضاءل، وأن بلاده ستغادر الاتحاد الأوروبي في الموعد المقرر نهاية الشهر المقبل، صادقت الملكة إليزابيث الثانية على قانون يلزمه بالتمديد إذا لم يتوصل إلى اتفاق مع بروكسل ينال موافقة مجلس العموم، بالإضافة إلى التمرد الذي يشهده داخل حزب المحافظين والذي تجسد في انضمام جملة من نواب كتلته إلى معسكر المعارضة، مما أفقده أغلبيته البرلمانية.

 ومن الجانب الأوروبي تأتي جميع التأكيدات بأن هذا التفاؤل ليس له ما يبرره، حيث أكد رئيس الوزراء الإيرلندي موقف بروكسل بقوله لبوريس جونسون إن الاتحاد "مستعد لأية بدائل، لكنها يجب أن تكون واقعية، وقانونية وقابلة للتنفيذ، ولم نتسلم مقترحات كهذه حتى الآن"، في إشارة إلى الاتفاق الذي سبق أن توصل له الطرفان خلال فترة تولي رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي لرئاسة الوزراء. ولكن رفض البرلمان البريطاني للاتفاق وإصرار الجانب الأوروبي على جملة من المعايير الجوهرية في آلية صياغة العلاقة المستقبلية ما بين هذين الكيانين السياسيين تحول دون إمكانية التكهن بما ستؤول إليه الأمور، خصوصًا وأن جونسون لا يزال يصرعلى أنه يحقق تقدم ملموس في هذا الملف ليرافقه إجراء احترازي من قبل البرلمان الأوروبي يفيد بالقبول الفوري في حال تقدم الجانب البريطاني بطلب لتمديد البريكست.

كما أن الجانب الأوروبي يستعد لمواجهة التوقعات المرجّحة للاختناقات المرورية في النفق الواصل مابين فرنسا والمملكة المتحدة. حيث أطلق الجانب الفرنسي يوم الخميس 18 سبتمبر/أيلول الجاري، أول "بروفة" لعمل النقاط الجمركية في النفق الأوروبي وذلك بمشاركة نحو عشرين متطوعًا، سيقومون باختبارات تتعلق بآليات عمل النقاط الجمركية والمدّة اللازمة لإنهاء الإجراءات، علمًا أن نحو 5 آلاف شاحنة تعبر هذه القناة يوميًا.

يأتي كل هذا في الوقت الذي بدأت فيه التداعيات الاقتصادية للبريكست تبدو أكثر وضوحًا، حيث أعلنت شركة "توماس كوك" الشركة البريطانية العملاقة الرائدة في مجال السفر والتي انطلقت قبل 178 عامًا عن  إفلاسها، نتيجة عدة عوامل كان من ضمنها قلق المسافرين من مسألة بريكست.

وضع داخلي مضطرب

إضافةً إلى كل ما سبق، لا يبدو أن المعسكر المناهض للبريكست في أفضل حالاته، فخلال المؤتمر السنوي لحزب العمال البريطاني، حاول الحزب التوصل إلى استراتيجية متماسكة لبريكست تساعده على قلب نتيجة استطلاعات الرأي حول الانتخابات المبكرة المقبلة التي ترجح إمكانية تراجعه.

وفقًا لهذه الاستطلاعات فإن الموقف الوسطي الذي اعتمده جيريمي كوربن، والمتمثل في أن تبقى بريطانيا في تحالف اقتصادي مع أوروبا بصيغة أكثر متانة مما قدمه الاتفاق الذي توصلت اليه رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، وفي أن يقوم الحزب لاحقًا بإجراء استفتاء ثان يتم من خلاله تخيير الناخبين بين دعم الاتفاق الجديد أو البقاء في الاتحاد الأوروبي، قد أضعف موقف حزب العمال أمام كل من حزب "بريكست" المناهض بشدة لأوروبا وحزب الديمقراطيين الأحرار المؤيد للاتحاد الأوروبي بدون تردد.

اقرأ/ي أيضًا: "بوجو" على رأس المحافظين البريطانيين.. بورتريه انتصار مؤجل

كما أن رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون الذي ينتمي إلى حزب المحافظين أيضًا قد خرج عن صمته في الأيام الأخيرة الماضية، مهاجمًا الزعيم البريطاني الحالي جونسون ومؤكدًا أن خيارات رئيس الوزراء الحالية تفتقر إلى أية رؤية، وأن هدفه الأول كان دعم مسيرته السياسية.

أعلنت شركة "توماس كوك" الشركة البريطانية العملاقة الرائدة في مجال السفر والتي انطلقت قبل 178 عامًا عن  إفلاسها، نتيجة عدة عوامل كان من ضمنها قلق المسافرين من مسألة بريكست

يبدو أن المشهد الحالي يمكن تلخيصه بالصورة التي رسمها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عندما ترك نظيره كزافييه بيتيل رئيس وزراء لوكسمبورغ يقف بجانب منبر فارغ خلال مؤتمر صحافي، بانتظار ما سوف تؤول إليه الأمور في الأسابيع القادمة، لمعرفة هل الغائب هنا هو شخص بوريس جونسون أم المملكة المتحدة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ماذا يعني "بريكست دون اتفاق"؟.. 4 أسئلة تجيبك