02-يناير-2018

2017 بالنسبة للمغرب هو عام الاحتجاجات ومحنة الصحافة والتدهور الحقوقي (فاضل سينا/ أ.ف.ب)

شهد المغرب في 2017، مجموعة من الأحداث والسجالات الساخنة، التي تابعها الرأي العام المغربي والدولي عن كثب، بداية من الانفجارات الاجتماعية المتوالية، مرورًا بقانون الصحافة والنشر المثير للجدل، وحتى الانتهاكات الحقوقية التي سجلتها مجموعة من الهيئات العاملة في مجال حقوق الإنسان.

كان عام 2017 في المغرب، حافلًا بالمطالب الحقوقية والفورات الاجتماعي الأضخم منذ احتجاجات 2011

عام الفورات الشعبية

كانت سنة 2017 في المغرب حافلة بالفورات الاجتماعية، فمنذ بداية العام تفجر حراك شعبي هو الأضخم من نوعه في البلاد منذ احتجاجات "حركة 20 فبراير" في 2011، بعد أن أطلق حادث مقتل بائع السمك محسن فكري، في الحسيمة، شرارة لمظاهرات حاشدة في منطقة الريف، وسرعان ما امتدت نيران الاحتجاجات إلى مناطق مختلفة بالبلاد، ولا تزال تداعيات هذا الحراك مستمرة إلى الآن داخل أروقة المحاكم، حيث تتم متابعة زعيم الحراك، ناصر الزفزافي، ورفاقه المعتقلين.

اقرأ/ي أيضًا: حراك الريف.. انتهاكات الأمن مستمرة بتعذيب المعتقلين داخل السجون

وفي نفس العام أيضا، اندلعت احتجاجات شعبية في عدد من المناطق الفقيرة، تنديدًا بالانقطاع المتكرر للمياه الصالحة للشرب، بدأت في بلدة زاكورة وانتقلت إلى مناطق أخرى في إقليم بني ملال وأزيلال ووزان وصفرووسطات يرفع نفس المطالب، مما حوّل المسيرات إلى حراك شعبي عرف بـ "ثورة العطش".

ويتذكر الرأي العام المغربي في هذه السنة أيضًا، وفاة نحو 15 امرأة وإصابة العشرات خلال عملية توزيع معونات غذائية إثر التدافع بمنطقة الصويرة، الواقعة المؤلمة التي أثارت غضب المغاربة واعتبرها حقوقيون، حادثة غير معزولة عن واقع الفقر المدقع والتهميش الذي تعيشه عديد المناطق في المغرب، لتنفجر مؤخرًا "احتجاجات جرادة" على خلفية مصرع شقيقين أثناء عملهما داخل منجم عشوائي للفحم، ما أطلق حراكًا جديدًا في البلاد يطالب برد الاعتبار إلى أسر الضحيتين وخفض فواتير الماء والكهرباء بالإضافة إلى تحسين الوضع الاقتصادي في المنطقة.

اعتبرت احتجاجات جرادة الأضخم بعد حراك الريف (telquel)
اعتبرت احتجاجات جرادة الأضخم بعد حراك الريف (telquel)

لكن ما كشفته كل هذه الانفجارات الاجتماعية، هو غياب النخبة السياسية في البلاد، حكومة ومعارضة، التي بدت تغرد في واد والمجتمع يئن في واد آخر دون جسور بين الاثنين. وقد ظهر جليًا هزالة مصداقيتها في الشارع، ما يوسع هوة الثقة بين المواطنين من جهة والأحزاب السياسية والدولة من جهة أخرى.

سنة محنة للصحافة

في نظر بعض الحقوقيين، كانت 2017 سنة محنة للصحافة والإعلام في المغرب، إذ اعتُقل عدد من الصحافيين والمدونيين، كان أبرزهم الصحافي حميد المهداوي، مدير ورئيس تحرير موقع "بديل" الإلكتروني، الذي دَأب على بث مقاطع فيديو ينتقد فيها بشدة تعامل السلطات الحكومية مع أزمة حراك الريف، كما يثير على موقعه عدد من قضايا الفساد. 

حكم على حميد المهداوي بسنة سجنًا نافذًا، وغرامة مالية قدرها 20 ألف درهم (ألفي دولار)، بتهمة "تحريض أشخاص على ارتكاب جنح بواسطة الخطب والصياح في مكان عمومي"، كما يتابع بتهمة أخرى متعلقة بعدم التبليغ بجريمة "المس بسلامة الدولة".

هذا وأعلنت السلطات المغربية منتصف السنة، البدء في تنفيذ مقتضيات قانون الصحافة والنشر المغربي، الذي صدر في الجريدة الرسمية قبل عام، وأثار نقاشًا ساخنًا بين الحكومة والوسط الإعلامي، لما يتضمنه من بنود تحد حرية الصحافة الإلكترونية مثلما يقول حقوقيون، حيث يتهدد مئات المواقع المغربية شبح الإغلاق إذا لم تتم تسوية وضعيتها وفق بنود هذا القانون.

كان عام 2017، سنة محنة بالنسبة للصحافة والصحفيين في المغرب، بسبب الانتهاكات بحقهم وحملات الاعتقال التي طالت عددًا منهم

ونشرت منظمة "مراسلون بلا حدود" في 2017، تقريرًا تبوأ فيه المغرب المركز 133 من بين 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة، ضمن فئة البلدان ذات "الوضع الصعب". وقالت المنظمة، إن المغرب "يواصل ممارسة الضغط السياسي والاقتصادي على وسائل الإعلام المغربية المستقلة لثنيها عن معالجة القضايا الحساسة".

اقرأ/ي أيضًا: الصحافة الإلكترونية في المغرب.. ضحية جديدة لتقنين قمع الحريات

وسارت منظمة "فريدم هاوس" في نفس الطريق، بتصنيفها المغرب ضمن خانة الدول "غير الحرة" في تقريرها الصادر عن 2017، مُشيرةً إلى أن الصحافة في المغرب، وخصوصًا الرقمية منها، "تنهج نوعًا من الرقابة الذاتية، احترازا لما قد يطالها من توقيف في حالة تجاوز المسموح به".

حميد مهداوي، صحفي مغربي معارض تعرض للاعتقال في 2017 (يوتيوب)
حميد مهداوي، صحفي مغربي معارض تعرض للاعتقال في 2017 (يوتيوب)

لكن لم تخل السنة من بوادر أمل في الساحة الإعلامية المغربية، حيث أطلق الصحافي المغربي، رشيد نيني، أول قناة مغربية خاصة، في ظل استمرار احتكار الإعلام العمومي التابع للدولة القطاعَ السمعي البصري، بالرغم من كل محاولات التحرير لهذا القطاع من قبل الأصوات الصحافية والحقوقية طوال عقود، وهو الأمر الذي دفع رشيد نيني إلى بث قناته من خارج المغرب بإسبانيا بسبب تعذر بثها في الداخل المغربي.

الوضع الحقوقي لم يراوح مكانه

كان مفاجئا خلال هذا العام، أن تُصدر مؤسسة رسمية بالمغرب، وهي المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تقريرًا في 35 صفحة، تثبت فيه وجود حالات تعذيب لمعتقلي حراك الريف، من خلال استعراض الدلائل المادية والنفسية لآثار التعذيب الذي تعرض له 34 معتقل من معتقلي احتجاجات الحسيمة، بينهم ناصر الزفزافي متزعم حراك الريف، مع شهاداتهم. بالإضافة إلى إشارته إلى أن هؤلاء المعنيين وقعوا على محاضر الضابطة القضائية دون الاطلاع عليها.

وجاء التقرير تماشيًا مع اتهامات النشطاء الحقوقيين، ومنهم محامي دفاع معتقلي حراك الحسيمة، للسلطات الأمنية بالاعتداء على المعتقلين من نشطاء حراك الريف، بالسب والضرب والصفع والتهديد بالاغتصاب، وإرغامهم على توقيع محاضر لم يطلعوا عليها، ووضعهم في زنازين انفرادية.

في حين تنفي المديرية العامة للأمن الوطني بشكل "جازم" الاتهامات المتفرقة من قبل جهات مختلفة، التي ترمي أفراد تابعين لها بالعنف المفرط والتعذيب، مؤكدة أنها تحرص على "صون حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها وطنيًا ودوليًا، وتحترم ضمانات الحرية الفردية والجماعية خلال ممارسة الوظيفة الشرطية".

العديد من الأصوات الحقوقية المحلية والدولية، أكدت أنّ الوضع الحقوقي في المغرب لم يكن بأفضل حال خلال 2017

 لكن أصواتًا حقوقية محلية دولية تؤكد أن الوضع الحقوقي في المغرب لم يراوح مكانه في هذا العام، حيث سجّلت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في تقريرها السنوي الحديث، قائمة من الانتهاكات المسجلة خلال هذه السنة، على رأسها تلك المرتبطة بالحق في التجمع، والتظاهر السلمي، خصوصًا بمنطقة الريف، ملفتة إلى تزايد الاعتقالات والمتابعات والاستنطاقات لنشطاء حقوق الإنسان. مثلما وجهت منظمة "أمنيستي" الدولية "انتقادات لاذعة" للحكومة المغربية بشأن القيود المفروضة على حرية التعبير وتأسيس الجمعيات والتجمع، خلال أشغال المجلس الأممي لحقوق الإنسان بمدينة جنيف السويسرية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حقوقيون.. وضعية حقوق الإنسان قاتمة في المغرب

في المغرب.. التدوين على فيسبوك قد يدفع بك إلى السجن بتهمة "الإرهاب"!