29-مايو-2017

ناصر زفزافي قائد احتجاجات الريف المغربي (محمد الأسريهي/ أ.ف.ب)

أوقفت الشرطة المغربية، صباح اليوم الإثنين، ناصر زفزافي، قائد الحراك الشعبي الذي يشهده الريف شمال المغرب منذ أكثر من ستة أشهر، بحسب ما أعلن مصدر حكومي، أكّد لوكالة فرانس برس أنه "قد أوقف زفزافي"، الذي كان ملاحقًا من القضاء منذ مساء الجمعة الماضية بتهمة تهجمه على إمام مسجد أثناء إلقائه خطبة الجمعة، كما أكّد مسؤول بوزارة الداخلية أيضًا توقيف زفزافي، في تصريح لفرانس برس. 

ناصر زفزافي، الشاب الذي ينحدر من مدينة الحسيمة بمنطقة الريف شمال المغرب، غدا حديث كل المغاربة، ومحط اهتمام وسائل الإعلام المغربية والعربية والأجنبية. اهتمام تضاعف بعد هروبه من الاعتقال مساء الجمعة الماضية، بعد حادث مقاطعته خطيب صلاة الجمعة بأحد مساجد المدينة، بدعوى أنه يمثل رأي السلطة باتهامه الحراك في المنطقة بـ"إشعال الفتنة". وكان هذا الحادث ذروة صعود اسم ناصر زفزافي الذي اعتبر الوجه الأبرز للحراك طيلة الأشهر الأخيرة، والمحرك الرئيس للاحتجاجات فيها. لكن سلوكه الأخير هذا جلب عليه من الإطراء مثل ما جلب من الاستنكار داخل المنطقة وخارجها في كل ربوع المغرب.

تضاعف الاهتمام بزفزافي بعد مقاطعته خطيب جمعة وهجومه عليه بدعوى أنه يمثل رأي السلطة

وبعد محاولة اعتقاله بالقوة من منزله بشكل غير قانوني، وحتى بعد استدراك ذلك بإستصدار مذكرة اعتقال في حقه بمعية عدد من النشطاء، لم تسمح ساكنة حيّه وبعض من النشطاء بحصول ذلك، وشكلوا جدارًا بشريًا منع قوات الأمن من الوصول إليه، مما مكن ناصر زفزافي من مغادرة المسكن والمدينة إلى مكان غير معلوم. وبعد ذلك بقليل وجّه ناصر زفزافي رسالة مصورة عبر فيسبوك طالب فيها المحتجين بالحفاظ على السلمية، وبإغلاق المحلات. لكن طلبه هذا لم يمنع حدوث مواجهات خفيفة بين السلطات الأمنية والمحتجين خلال اليومين الماضيين، لحقتها حملة اعتقالات واسعة شملت عشرات النشطاء، نقل بعضهم جوًا نحو مدينة الدار البيضاء، بحسب مصادر محليّة.

اقرأ/ي أيضًا: احتجاجات الريف المغربي مستمر.. والسلطات تتوعد بمزيد من الحلول الأمنية

هذه الأحداث المتسارعة خلال الآونة الأخيرة، صدّرت وبقوة صورة ناصر زفزافي للواجهة، فكيف تمكّن هذا الشاب من ذلك؟

برز اسم ناصِر زفزافي الذي ناصَر قضايا ساكنة الحسيمة، وأصبح "قائدًا" للحراك الشعبي بالمدينة، أو كما يفضل ناصر تسميته بـ"حراك الريف"، مباشرة بعد مقتل "محسن فكري"، بائع السمك المطحون داخل حاوية أزبال، بعد مشادات بينه وبين عناصر أمنية حول قانونية عمله، وذلك في نهاية تشرين الأوّل/أكتوبر 2016.

ويقول ناصر زفزافي إن انخراطه في الحراك جاء بشكل عفوي، لأنه "أحس بالقهر وقوة الظلم، والاحتقار التي تمارسه الدولة اتجاه المواطنين"، الشيء الذي شجعه على الحديث أمام الجميع، وتصدر الاحتجاجات في الأيام الأولى، والمطالبة بحقوق الساكنة المهضومة، وقد كان مقتل محسن فكري سببًا مباشرًا لاندلاع حراك الريف واستمراره لليوم، مُغذّى بمعاناة الساكنة تاريخيًا. 

وطيلة الأشهر السبعة الأخيرة، كان ناصر زفزافي حاضرًا في كل مسيرة احتجاجية، مخاطبا المحتجين، ممسكًا مكبر الصوت، يردد القسم بعدم خيانة "الريف"، ويلقي خطابه الجريء بلغة غاضبة ومتمردة. فلناصر زفزافي ملامح حادة، غاضبة النظرات، بنبارات صوت عصبية. ويبدو أنه ورث تمرده ونضاله من عائلة لها تاريخ طويل في الريف. فوالده كان أحد المناضلين القدماء في حزب الاتحاد الاشتراكي، وكان أحد أعمامه مقاومًا إلى جانب "عبد الكريم الخطابي"، رمز النضال في منطقة الريف. أما جد ناصر زفزافي، فقد كان وزيرًا للداخلية، عندما أنشئت "جمهورية الريف" سنة 1921، بقيادة عبد الكريم الخطابي، كتحد للاستعمار الإسباني قبل أن تُحل بعد ذلك بخمس سنوات.

لم يسبق لناصر زفزافي أن انخرط في أي عمل نضالي منظّم سواء في الأحزاب أو في المجتمع المدني والنقابات العمالية. فالشاب الذي لم يتمم دراسته التي انقطعت في مرحلة الثانوية، والعاطل عن العمل لسنوات، لم يجد من يضع له أية خطوط حمراء، في خطاباته التي وصلت حد مخاطبة ملك البلاد ومختلف أجهزة الدولة بلغة جريئة إلى حد كبير.

ووفقا لما قاله لـ"ألترا صوت" في حديث سابق، فإنّ الريف بالنسبة لناصر زفزافي "فوق كل اعتبار"، فهو لا يتردد في وصف المسؤولين بـ"بيادق"، ووصف أجهزة الأمن بـ"القمعية"، ومؤسسات الدولة بـ"غير الشرعية"، في نفس الوقت الذي ينفي عن نفسه وعن الحراك تهمة "الانفصالية"، ويركز على المطالب الاجتماعية والاقتصادية.

وجهت عديد الانتقادات لزفزافي، خاصة عدم رفعه العلم الوطني المغربي، والاستعاضة بعلم "جمهورية الريف" وأعلام أمازيغية

وتبقى أبرز مطالب الحراك، إلغاء العسكرة التي تقول الساكنة إنها مفروضة على المنطقة منذ ظهير سنة 1958 الذي أعلن إقليم الحسيمة منطقة عسكرية، عقب انتفاضة شهدتها المنطقة. ورغم أن السلطات تؤكد دائمًا أن العسكرة ألغيت بظهير ثانٍ في 1959 يتعلق بالتقسيم الإداري، نَسَخَ ما قبله، لكن حراك الريف يُصرّ على إلغاء العسكرة بظهير خاصٍ يلغي الظهير السابق. وقضية العسكرة هذه وغيرها، كانت موضوع نقاش بين ممثلين عن الحراك وممثلين عن الحكومة المغربية زاروا المنطقة مؤخرًا، زيارة لم تكلل بالنجاح بعد مقاطعة ناصر ورفاقه لها.

اقرأ/ي أيضًا: حراك الريف يتصاعد.. ماذا بعد مسيرة الغضب "التاريخية"

انتقادات كثيرة وُجّهت ضد ناصر زفزافي من طرف بعض المغاربة، خصوصًا بعدم رفع العلم الوطني المغربي في المسيرات الاحتجاجية والاستعاضة بعلم "جمهورية الريف" وأعلام أمازيغية، إلا أن ناصر زفزافي يبرر ذلك بأنّ "العلم يمثل إرثًا تاريخيًا لساكنة المنطقة، ومن يريد رفع العلم الوطني المغربي أثناء المسيرة فله ذلك".  

من جهة أخرى تبرز مخاوف شديدة من النزعة الانفصالية للمنطقة، وهو ما تستغله الحكومة المغربية وتؤكد عليه وتذكر به في كل مرة. وبدا ذلك واضحًا في بيان اعتقال أكثر من 20 ناشطًا من عناصر الحراك، بتهم ثقيلة، من بينها تلقي تمويلات أجنبية من أعداء المغرب، ولم يفعل الحراك الكثير في هذا الباب، بل ظل خطابه غالبًا ما ينحو نحو تفوقية ريفية أمازيغية، تخيف العديد من المتابعين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تقرير واشنطن السنوي وجدلية واقع المغرب الحقوقي

المغرب والأردن.. ملكية الاستبداد الذكي