25-مايو-2017

لا يزال المغرب يمنع تأسيس القنوات التلفزيونية الخاصة (عبد الحق سنا/أ.ف.ب)

خلافًا لبلدان شمال إفريقيا ومعظم دول العالم، لا يزال المغرب يمنع تأسيس القنوات التلفزيونية الخاصة حتى اليوم، حيث يحتكر الإعلام العمومي التابع للدولة القطاعَ السمعي البصري فيها. فبالرغم من كل محاولات التحرير لهذا القطاع من قبل الأصوات الصحافية والحقوقية طوال عقود، إلا أن هذه المحاولات دائمًا ما كانت تصطدم بجدار الرفض العنيد من طرف الجهات الرسمية.

خلافًا لبلدان شمال إفريقيا، لا يزال المغرب يمنع تأسيس القنوات التلفزيونية الخاصة، حيث يحتكر الإعلام العمومي القطاع السمعي البصري

اقرأ/ي أيضًا: المغرب.. إعلام يهين المرأة

"تيلي ماروك" أول قناة خاصة مغربية

بيد أنه وسط هذا الحصار الرسمي على التلفزيون الخاص، يستعد الصحافي المغربي، رشيد نيني لإطلاق أول قناة مغربية خاصة، ستُبث انطلاقًا من العاصمة الإسبانية مدريد، لتعذر تأسيسها داخل البلاد، ما يعني أنها ستخضع للمساطير القانونية الخاصة بالقنوات الأجنبية، وإن كانت القناة ذات صبغة مغربية بحتة، كما أنها ستنطق بـ"الدارجة المغربية".

رشيد نيني، مدير جريدة "الأخبار" اليومية، أكد في تصريحات إعلامية أن قناته "Télé Maroc" ستكون مختلفة عن باقي القنوات المغربية، لاعتبار وحيد "هو أننا لا نستقبل المكالمات من أي طرف ليملي علينا ما يجب أن نبثه"، وسيبدأ بث قناة تيلي ماروك على قمر النايل سات مع بداية شهر رمضان.

وتبشر القناة على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" مشاهديها، من خلال وصلات إشهارية، ببرامج حوارية ساخنة، وربورتاجات مشوقة، وتحقيقات جريئة، تتناول مواضيع مثيرة في مجالات مختلفة، من السياسة والاقتصاد إلى الرياضة والفن. وبالرغم من أنه لم يمض على نشر هذه المقاطع الإشهارية لبرامج قناة "تيلي ماروك" سوى بضعة أيام، فإنها حصدت حتى الآن ملايين المشاهدات، ونالت تفاعلاً إيجابياً واسعًا من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

يُذكر أن الاستعدادات لإطلاق القناة المغربية الخاصة "تيلي ماروك" بدأت قبل عام، حيث كان يفترض أن تكون على شكل قناة إلكترونية تبث على الإنترنت، قبل أن يتحول المشروع إلى قناة تلفزية تنطلق من إسبانيا المحاذية للمملكة شمالاً، ويستعين رشيد نيني لإنجاح تجربته الصحافية الجديدة بنخبة من الإعلاميين المغاربة ومنشطي البرامج التلفزية.

اقرأ/ي أيضًا: في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. ما واقع حرية الصحافة بالمغرب؟

الإعلام الرسمي يحتكر التلفزة المغربية

بينما تشهد كل من تونس وموريتانيا والجزائر تواجد عشرات القنوات التلفزية الخاصة، تصر السلطات المغربية على تقييد القطاع السمعي البصري وحصره في الإعلام العمومي. بل ويفرض القانون المغربي كذلك الحصول على رخصة بعد مسطرة قانونية معقدة من أجل مجرد التصوير، البند الذي عادة ما توظفه السلطة من أجل معاقبة المواقع الإلكترونية الجريئة والناشطين بشكل عام.

فبالرغم من أن المغرب عرف مبكرًا بالمقارنة مع المنطقة العربية البث التلفزي منذ خمسينات القرن الماضي، إلا أنه ظل حكرًا على القنوات الرسمية، الغارقة في التقليدية والرتابة والرقابة الذاتية، ما قاد الكثير من المشاهدين المغاربة إلى هجرة جماعية نحو القنوات الأجنبية، كبديل للاطلاع على محتوى تلفزي متنوع وأكثر مواكبة للأحداث والتغيرات الحديثة.

يمكن تفسير التعنت الرسمي تجاه تحرير التلفزة المغربية بالهاجس الأمني إذ يُنظر للإعلام البصري كمصدر محتمل لزعزعة الاستقرار

ويُرجع المهتمون بالشأن الإعلامي في المغرب هذا التعنت الرسمي اتجاه تحرير التلفزة المغربية من الاحتكار، إلى الهاجس الأمني الذي يطغى على رؤية السلطة نحو الإعلام، إذ تنظر للإعلام البصري كمصدر محتمل لزعزعة الاستقرار، وتَعتبر التلفزة كأداة خطيرة للتحكم في المجتمع المغربي، لا ينبغي أن تسقط في يد غير الجهات الرسمية.

إلا أن هذه المقاربة الجامدة للسلطات المغربية كان لها أثر مدمر على الإعلام العمومي، الذي فقد مصداقيته وغابت أدواره في تنوير الرأي العام وتعزيز تماسكه الاجتماعي في خضم طوفان التغيرات المتسارعة لهذا العصر، كما باتت صورة حرية الصحافة في البلاد محط نقد المنظمات الدولية الشديد اللهجة، من بينها منظمة "مراسلون بلا حدود" التي بوأت المملكة في آخر تقرير حديث لها المرتبة 133 من أصل 180 دولة، في مؤشر حرية الصحافة.

بدائل جديدة لتجاوز الحصار على التلفزة المغربية

لكن في ظل الثورة الرقمية وعولمة العالم، لا يبدو أنه يمكن الرهان على تقييد الإعلام التلفزي من خلال سلطة القانون، إذ بات المواطنون، بفضل الإنترنت، قادرين على مشاهدة محتوى مرئي متنوع يعرض وجهات نظر أخرى مخالفة للخط الرسمي فيما يخص الشأن المغربي، سواء على قناة اليوتيوب أو على صفحات المواقع الإلكترونية والشبكات الاجتماعية.

كما أن تدشين قناة "تيلي ماروك" المغربية الخاصة، ربما تكون بداية قادمة لباقة من المحطات التلفزية غير العمومية، تبث عبر الأقمار الاصطناعية من خارج البلاد لتجاوز الحظر المقام داخل المغرب على البث التلفزي الخاص، وذلك من خلال تأسيس شركات إعلامية ببلدان أوروبية توفر بسهولة رخصة البث التلفزي، مثلما بات عدد من الهيئات الإعلامية المغربية يتجه إلى إنشاء قنوات تلفزية تبث على الإنترنت.

هذا وتتزايد أعداد القنوات الإلكترونية المغربية على "اليوتيوب"، والتي تلقى إقبالاً واسًعا من المتصفحين الشباب المغاربة، لما تعرضه من من جوانب سياسية واقتصادية، غائبة بشكل تام في الساحة الإعلامية العمومية، كما تفتح نقاشات جريئة تتعلق بقضايا الجنس وحرية الاعتقاد، لاتزال في عداد "التابوهات" الممنوعة بالنسبة للتلفزيون المغربي الرسمي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الصحافة الإلكترونية المغربية..فوضى أم حرية تعبير؟

المغرب.. موجة غضب ضد "ماكياج" العنف المنزلي