04-مارس-2021

تجرأنا على الحلم ولن نندم على الكرامة

شعب بأكمله مشغول في تأويل جملة. مع أنّ "تجرأنا على الحلم ولن نندم على الكرامة" ليست جملة من نصّ مقدّس، ولا هي عبارة من دستور أو قانون. كلّ ما هنالك كلماتٌ بسيطة بساطةَ الماء. تحمل معنى بسيطًا يحلو لمن آمنوا بالثورة السورية أن يُعبّروا عن ذلك الإيمان بصيغة إيحائية، تقول إننا حلمنا بالتغيير وبذلنا الجهد في سبيله، ورغم الثمن الكبير الذي طالنا لم نشعر بالندم.

هذا ما تقوله. وهذا ما تريده. ولأجل هذا لاقت كل هذا الرواج.

عجزت النخب التي أعلنت الانتماء إلى الثورة السورية عن بناء تصورات لمشروع وطني يمكن التعبير عن بكلمات بسيطة، كما تفعل الثورات الأخرى في العالم

ولأننا في فترة استقطاب سياسي يزداد حدّة يومًا تلو آخر، خصوصًا مع توفّر المنصات كمنابر للتفريغ النفسيّ، ستكون هناك محاولات دائمة وحثيثة ليعبّر كلٌّ عن هواه، معتبرًا أنه الحق وما دونه باطل، بل باطل الأباطيل، مع أن النخب التي أعلنت الانتماء إلى الثورة السورية عجزت كليًّا عن الوصول إلى بناء تصورات لمشروع وطني يمكن التعبير عن بكلمات بسيطة، كما تفعل الثورات الأخرى في العالم، حين تختصر بالشعارات والملصقات والغرافيتي جوهرها العميق. ولهذا سيكون كل نقاش سوري حوارًا جديدًا يبدأ من الصفر، وكل حوار جديد لا يستند إلى بديهيات ومُسلّمات سوف يتحوّل إلى خلاف، وكل خلاف بداية حرب، وكل حرب نهاية.

اقرأ/ي أيضًا: شيفرة حافظ الأسد

وفي ظل غياب الأسس المتفق عليها سنبقى على حواف النهاية، نتأرجح بين سقوطين، سقوط آمن إلى جهة النجاة، لكن مع كسور أو رضوض، ما يجعل النجاة غير كاملة، والسقوط الآخر كاملٌ إلى الهاوية الذي لا يُعطي إلا درسًا بائسًا عما تجلبه آمال الناس في التغيير.

وبسبب ذلك التأرجح سوف يأتي دائمًا من يدعي النقد، وسينظر إلى كل الأفكار على اعتبارها أفكارًا خاطئة، وحين يقرأ جملةً مثل الجملة التي نتحدّث عنها سيبحث عن مكمن الخطأ. فمرة يراه في الذل والعار اللذين وصلنا إليهما كمشرّدين ومهزومين. مع أن هذا ليس خطأ شخصيًّا، فنحن "نحاول"، تمامًا كما قال امرؤ القيس منذ قرون "نحاول.. أو نموت فنُعذرا". أو يراه في وصول الباقين في بلادهم إلى حصارات مُركبّة تضرب من حولهم أسوارًا من الجوع والمرض والصمت. مع أنّ النظام، أساس الكارثة، لا يزال موجودًا. أي أن المشكلة التي قامت لأجلها كل القيامة السورية لم تنته بعد. فكيف نراها خطأً وكل ما حدث كان لأجل إيقاف مفعولها؟

كل من هؤلاء يبحث عن براءة. وكل منهم يعتبر أن ثمة شعبًا مُذنبًا، ولكي يبرئ نفسه سوف يسم كل ما حوله بوسم الخطأ، أو بالتأثيم حتى، لكي يؤكد لنفسه ولمن سواه: أنا غير الآخرين المهزومين من حولي، أنا أرى ما لا يراه قصار النظر الذين غرقوا في دوامات لم تكن إلا نتيجة لأفكارهم.

وعلى هذا يضع ذاته محورًا ينظر منه إلى كل القضايا، ومن وضع ذاته هذا الموضع سيصل إلى الرأي الأحمق الذي يرى خلاص القضايا الكبرى هو الخلاص منها، فالمشكلة في القضايا نفسها!

 من وضع ذاته منظورًا وحيدًا سيصل إلى الرأي الأحمق الذي يرى خلاص القضايا الكبرى هو الخلاص منها، فالمشكلة في القضايا نفسها!

بسبب طبيعة السوشيال ميديا ما يحدث للسوريين يحدث لغيرهم بدون شكّ، إذ تتخذ النقاشات طابعًا حادًا وعنيفًا، دون أن تصل الأفكار إلى برّ منطقي تستطيع فيه أن تتحوّل إلى مبادئ جامعة، فالرغبات الشخصية لا تُجدي هنا، إنما ثمة حاجة إلى بذل جهد جماعّي في المراجعة الفكرية والأخلاقية للثورة من أجل الوصول إلى مبادئ محدّدة من جهة، وثمة حاجة أخرى بالتوازي لاكتشاف هوية سوريا من خلال التجربة الراهنة والتاريخ المحلي (المذكرات والسير، الأوراق العائلية، التاريخ الشفوي..) الذي يمنحنا إضاءات ساطعة على من نحن وماذا نريد أن نكون، بعيدًا عن النزعات الشخصية في الكتابة والتدوين، تلك التي لم يعد لها من همّ سوى التميز الشخصي.

اقرأ/ي أيضًا: من هو المهزوم؟

ليست تلك العبارة مراجعة فكرية نظرية لمآلات عَقْدٍ من المأساة، ولا هي مخرج من النفق. المأساة والمصير أكبر من سطر مكتوب. ومن يريد حلًّا من سطر فبالتأكيد لن يصل إليه أبدَ الدهر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سلامة كيلة.. هكذا هي "التراجيديا السورية"

الثورة السورية العظيمة دائمًا