05-سبتمبر-2016

حين الحديث عن التقارب التركي-الروسي في الفترة الأخيرة، أو عن تراجع حدة خطاب العواصم الغربية من النظام السوري إجمالًا، يزعم العديد ممّن عارضوا الثورة السورية منذ انطلاقها أو حتّى ممّن اتخذوا موقفًا متحفّظًا منها تحت عناوين مختلفة، للإشارة إلى ما يعتبرونه صحة موقفهم وذلك في مغالطة بيّنة. حيث يربط هؤلاء الفشل في إدارة الأزمة وتغير خريطة التحالفات في الفترة الأخيرة بادعائهم أن الحاصل في سوريا منذ زهاء خمس سنوات ما هو إلا مؤامرة ضد النظام البعثي وقد فشلت.

لعلّه يكون من باب اللزوم التذكير دائمًا بهتاف السوريين العزّل منذ 2011 بشعار "يا الله ما لنا غيرك يا الله"، وهو الشعار الذي تأكد طيلة السنين المنقضية أنه الأكثر تعبيرًا عن السوريين وثورتهم. فبين أعداء رفعوا السلاح ضد السوريين وقتلوهم وهجّروهم، وأصدقاء -مهما ادّعوا وقوفهم إلى جانب الشعب- فلم تخرج مواقفهم وتحركاتهم عن محددات مصالحهم بكل الأحوال، كانت الثورة ومازالت تسبح لوحدها، وهي محلّ محاصرة وموضوع متاجرة، بيد أنها تظلّ دائما نقيّة بدماء أبنائها وتضحياتهم. وتلك هي سنة الثورة دائمًا.

كانت الثورة ولازالت تسبح لوحدها، وهي محلّ محاصرة وموضوع متاجرة، بيد أنها تظلّ دائمًا نقيّة بدماء أبنائها وتضحياتهم

أن يسيء لها من يرفع شعارها، أو أن يخيب الظن من يتحدث باسمها، أو أن يتاجر بها من يدّعي دعمها، فكلّ ذلك لا يمسّ قيد أنملة من شرعية الثورة السورية ونقاوتها. فأن تكون مغلوبة، ومغبونة، ومكلومة، حتى حاصرها القريب والبعيد، وتآمر عليها العدو والصديق، تظلّ الثورة عظيمة بحكم طبيعتها، وإن أنهكت وفشلت بل وأفشلوها لتبلغ مراميها حتى الآن.

اقرأ/ي أيضًا: بوتين ساعد أردوغان وفتح له طريق جرابلس

إن قدرة النظام البعثي على الحفاظ على توازنه اليوم بفضل الدعم السياسي والعسكري اللامحدود من حلفائه لا يمسّ من شرعية طلب إسقاطه قبل خمس سنوات، وعدم قدرة الثورة بالتوازي على تحقيق أول مطالبها التأسيسية، لا يعني أنها كانت مفبركة حتى بان زيفها كما يدّعي مؤيدو النظام البعثي، الذي أنكر العديد منهم وجود مظاهرات على الأرض منذ أول الأيام. أليس الحاصل عندهم أصلا هو مؤامرة كونية صهيوأمريكية ضد نظام الممانعة والمقاومة؟

في هذا الجانب، تبيّن أن كومة الأكاذيب والافتراءات التي وجهها النظام البعثي تجاه الثورة لم يتأكد طيلة السنين الفارطة إلا خلافها. فلم تُحاصر إلا الثورة، ولم يكن الدعم الأجنبي السخيّ إلا للنظام، وإن كانت هناك مؤامرة، فقطعًا إنها استهدفت الثورة التي تظلّ دائمًا متلحفة بعذريتها مهما تشوّهت سواء باسم أنصارها أو بسبب خصومها.

كلّما زاد التشويه والحصار على الثورة السورية كلما زادت عظمتها، وفي رحاب فعل السياسة، دائما ما تُظلم الثورات دائمًا بحكم طبيعتها، وفي سوريا، خُنقت الثورة غير أنها تظلّ حيّة في نفوس الأحرار. فلم يعد الرهان بعد أن تحقق الثورة أهدافها حتى بات الحدّ الأدنى منها هو أكبر المنايا اليوم، لكنّها تبقى كوهج يدفع مهما خفتت نارها. وسيحفظ التاريخ أن الثورة السورية هي واحدة من أعظم الثورات في التاريخ، وسيظل شعار "يا الله ما لنا غيرك يا الله" هو الأصدق والأكثر تعبيرًا عنها على الدوام.

اقرأ/ي أيضًا:
في الحاجة إلى "جريندايزر" فلسطيني!
بجانب من تقف الأمم المتحدة في سوريا
كيف مولت "الأمم المتحدة" بشار الأسد