02-أكتوبر-2022
internet ban russian putin kremlin russian flag

يسعى الكرملين إلى السيطرة على الإنترنت (FT)

في نيسان/أبريل من عام 2018، أعلنت الدائرة الاتحادية لرقابة الاتصالات في روسيا، أو «Roskomnadzor»، فرض حظرٍ فوريٍّ على تطبيق التواصل تيلغرام الروسي المنشأ. علّلت الحكومة الروسية قرارها حينئذٍ برفض إدارة تيلغرام إعطاء القوات الأمنية الروسية مفاتيح التشفير التي يستخدمها التطبيق، وهو ما كان سيمنح الحكومة الروسية القدرة على الاطلاع على بيانات مستخدمي التطبيق.

استعملت تيلغرام حيلة تقنية شائعة لتجاوز الحجب في روسيا وبلدان أخرى

لربما يبعث هذا القرار على شيءٍ من السخرية، خصوصاً أن التطبيق أصبح في آذار/مارس 2022 التطبيق المفضّل للتواصل في روسيا، وتجاوزت عدد تحميلاته عتبة المليار في 2021. بل إن التطبيق اليوم أصبح حجراً لا غنى عنه على رقعة الحرب الروسية-الأوكرانية، حيث يستخدمه المواطنون الروس مصدراً للأخبار بعيداً عن بروباغندا الدولة، وهو أيضاً منفذٌ مهمٌّ لمؤسّسات الدولة الأوكرانية، ومنها مكتب الرئيس زيلسنكي، لنشر آخر تحديثات الحرب. ومن جهة أخرى نجد على التطبيق قنواتٍ مؤيّدةٍ لروسيا والسياسات الروسية في أوكرانيا، لدرجة استخدام التطبيق لحشد المقاتلين الروسيين في الحرب.

ولكن مما يثير الاهتمام أكثر هو ما أعقب القرار من اعترافات بعض المسؤولين في الدولة الروسية نفسها باستخدام التطبيق، الذي كان في ذاك الوقت ثالث أكثر تطبيقات التواصل استخداماً في روسيا. وكان من هؤلاء «ديمتري بيسكوف»، الناطق الرسمي للكريملن الذي قال ببساطة أن "التطبيق سهل الاستخدام وأن الدولة تستخدمه للتواصل مع الصحفيين." طبعاً هذا غير فشل السلطات الروسية أصلاً بتنفيذ القرار وحظر التطبيق.

telegram icon russian flag

التساؤل الذي يجدر بنا طرحه هنا هو كيف تستطيع تطبيقات التواصل الالتفاف حول قيود الحظر؟ وقبل ذلك ما جدوى هذه الحروب العبثية في نظر هذه الدول، ونحن نعيش في زمنٍ تجاوز فيه مستخدمو شبكات التواصل 4.9 مليار إنسان (أي ما يقارب 60% من سكان الكرة الأرضية كلهم)، وفقاً لـSmartinsights

لماذا تحظر روسيا والصين شبكات التواصل؟

لعل إجابة هذا السؤال بديهيةٌ لمن لديه أدنى درجات الاطلاع على سياسات دولٍ مثل الصين وروسيا. فيُعرف عن الحزب الحاكم في الصين سياساته الصارمة في مراقبة استخدام المواطنين للإنترنت، بما أصبح يُعرف باسم «الجدار الناري العظيم»، أو Great Firewall. وتشمل إجراءات الحظر هذه تغييب أي نتائج تتضمّن كلماتٍ أو مواضيع مثيرةٍ للجدل، وأيضاً بعض نتائج البحث، وهذا طبعاً غير حظر العديد من التطبيقات والمواقع العالمية كغوغل ويوتيوب وويكيبيديا. ويُضاف إلى ذلك اعتماد الدولة الصينية لتطبيقاتٍ محلية عوضاً عن شبكاتٍ مثل تويتر، وأشهرها هو WeChat، الذي عُرف بتطبيق "كل شيء"، ليصبح في عام 2018 أضخم تطبيقٍ على الإطلاق.

تُتيح هذه السياسات للحزب الشيوعي الصيني، الحزب الحاكم في الصين، "فلترة" المعلومات والروايات التي تصل مواطنيها، وهو ما يسمح لها على المدى الطويل ببلورة عقليةٍ معيّنة وترسيخها في الأذهان. تجلّى ذلك بصورةٍ بارزةٍ بداية جائحة كورونا، عندما هاجم الشعب الصيني كاتبةً صينيةً اسمها «فانغ فانغ» حاولت، عن شجاعة، بإخبار العالم بخطر كورونا من خلال نشر مذكّراتها التي حوت محاولات المسؤولين في ووهان بالتكتّم على انتشار فيروس كوفيد-19، إذ قال الصينيون وقتها أن «فانغ فانغ» تخدم أجندةً معاديةً للصين.

يرتبط ذلك أيضاً برفض التطبيقات التعاون مع الحكومات في مسائل "أمنية" قد تمسّ خصوصية مستخدميها، وهو ما كان عليه الحال في قرار روسيا بحظر تيلغرام السابق ذكره، وأيضاً، كما لك أن تتخيّل قارئنا العزيز، برغبة الدولة بحجب أي رواياتٍ تخالف روايتها الرسمية في شأنٍ معيّن، وهو ما لجأت إليه الحكومة الروسية خلال حربها مع أوكرانيا أيضاً بفرض قيودٍ شديدةٍ على تويتر، وحظرها أيضاً العديد من الشبكات الإخبارية كالبي بي سي وغيرها.

لماذا تفشل؟

ببساطة، يرجع ذلك بدايةً، كما أسلفنا، إلى الانتشار الواسع لهذه التطبيقات وسهولة استخدامها، حيث أن المسؤولين الروس أنفسهم يستخدمون هذه التطبيقات وقت صدور القرار.

ولكن البنية المتداخلة لشبكة الإنترنت هي سببٌ آخر يجعل من حظر خدماتٍ كتيلغرام دون مشاكل أمراً أقرب للمستحيل. ولننظر مثلاً إلى قرار حظر تيلغرام في روسيا عام 2018 لفهم ذلك.

يقول «أدريان شهباز»، الذي يعمل مديراً للأبحاث في مجموعة «فريدوم هاوس» أن رقابة الاتصالات الروسية، وبشكلٍ غير مسبوق، كانت مستعدةً لتعطيل جزءٍ كبيرٍ من شبكة الإنترنت في البلاد لتثبت جديتها في تنفيذ قراراتها.

russian telegram

وهذا ما كان. تعتمد رقابة الاتصالات الروسية قائمةً بالمواقع المحظورة دشّنتها في أيار/يناير من عام 2012، وبصدور هذا القرار، أو بعبارةٍ أخرى إضافة تيلغرام إلى القائمة، فإن الرقابة الآن ملزمةٌ برصد البروتوكولات الشبكية، ما يُعرف بالـIP أو Internet Protocol، المرتبطة بالتيلغرام، وإيعاز شركات الاتصالات بحظرها، أو إزالة هذه المواقع من خوادمها (Servers)، وهو ما حصل لشبكة لينكدإن التي كانت ضحية قرارٍ مشابهٍ عام 2016.

ولكن، وهنا يدخل عنصر تداخلية شبكة الإنترنت للمعادلة، تلجأ شبكةٌ مثل التيلغرام إلى حيلةٍ تُعرف باسم Domain Fronting، ولنترجمها مجازاً «استعارة العناوين»، حيث تقوم خدمةٌ مثل تيلغرام بنقل خوادمها إلى نظام شركةٍ أخرى لتختفي بياناتها بين بيانات الشركة الأخرى. ويصف «جوس رايت»، باحث مزامل مختصٌّ بالرقابة على شبكة الإنترنت في معهد إكسفورد للإنترنت، هذه الحيلة بأنها "مثل خللٍ تقني يُؤتي نتائج غير متوقّعة بسبب طبيعة عمل هذه الخدمات". 

استعملت تيلغرام حيلة "استعارة العناوين" بربط خدماتها بخوادم غوغل وأمازون، وهي قطعاً ليست أول من لجأ لهذه الحيلة التي تُعدّ طريقةً شائعةً للالتفاف حول أذرع الرقابة الرقمية، مع أن لها مخاطرها لأن البعض يستخدمها أيضاً للتسلّل إلى أجهزة المستخدمين وزرع ملفاتٍ خبيثةٍ فيها لغرض اختراقها. 

وبحسب رايت، فإن نظام الرقابة سيرى خدمة تيلغرام في هذه الحالة على أنها جزءٌ من خدمة غوغل دون أن يملك أية قدرة على التمييز بين الاثنين.

المعركة لا تنتهي هنا

طبعاً، وكما قال شهباز، فإن الجهات الرقابية لن تقف مكتوفة الأيدي، فمحاولات رقابة الاتصالات الروسية لحظر تيلغرام قد أدّت إلى تعطيل الكثير من الخدمات بحسب تقارير من روسيا، منها خدمات غوغل، فضلاً عن تعطّل شبكة تويتر وفيسبوك، بل وأيضاً شبكاتٌ محليةٌ عملاقة مثل يانديكس وفيكونتاكتي، فضلاً عن الحدّ من الوصول إلى المجلات العلمية بحسب المجلس العلمي الروسي الذي قال أن هذا القرار تسبّب بمشاكل "جسيمةٍ" للعلماء في روسيا.

ويرى رايت أن هذه المحاولات المكلفة هي نتيجة قرارٍ يقدّم القوانين الروسية على قيمة خدمةٍ مثل غوغل. فصحيح أن الإنترنت شبكةٌ متداخلة، ولكننا لم نصل بعد إلى الاستغناء بالكامل عن حاجتنا إلى خوادم وكيبلات ملموسة تُوجد داخل حدود أي بلد وتسري عليها قوانين هذا البلد.

تزامن ذلك، بشكلٍ مريبٍ بلا شكّ، مع إعلان غوغل بتعطيلها لقدرة الخدمات الأخرى على استعارة عناوينها، حيث قال متحدّث باسم الشركة بأن "استعارة العناوين لم تكن أصلاً خدمةٌ مدعومةً رسميا" مضيفاً أنها مجرد ظاهرةٍ غريبة غير مقصودة في نظم الشركة. وشدّدت غوغل في تصريحاتها على أن "استغارة العناوين لن يعمل بعد الآن، ولا نخطّط لتقديمه على أنه ميزة."

أثارت هذه التصريحات مخاوف بعض المجموعات المعنية بالحقوق الرقمية، منها منظمة Access Now التي قالت أن هناك "12 تقنيةٍ على الأقل تستخدمها شبكات حقوق الإنسان" تعتمد على استعارة العناوين من غوغل، وأن هذه التقنيات قد تتأثّر بهذا القرار. وأضافت الشركة أن "استعارة العناوين كان الوسيلة التي سمح لملايين الناس بالاستفادة من شبكة إنترنت حرة وغير ذلك من حقوق الإنسان. نناشد غوغل بتذكّر التزاماتها لحقوق الإنسان وحرية شبكة الإنترنت وأن تسمح باستعارة العناوين بالاستمرار."

صحيح أن الإنترنت شبكةٌ متداخلة، ولكننا لم نصل بعد إلى الاستغناء بالكامل عن حاجتنا إلى خوادم وكيبلات ملموسة تُوجد داخل حدود أي بلد وتسري عليها قوانين هذا البلد

أيضاً، يمكن لهذه الدول، كما يتكهّن شهباز، بأن تقدّم خدماتٍ بديلةٍ يسهل عليها التحكّم بها. "تمتم" (TamTam) على سبيل المثال، هو أحد هذه التطبيقات البديلة التي تملكها الشركة الروسية Mail.ru، وهناك خدمة سروش التي تقدّمها إيران كبديلٍ لتطبيق تيلغرام، بالإضافة إلى الصين التي تملك نطاقها الواسع الخاص تطبيقات التواصل المحليّة السائدة. 

 

* تستند هذه المقالة بشكل أساسي على تقريرٍ في موقع "وايرد"، مع بعض المصادر الثانوية الأخرى.