08-مارس-2022

(Getty Images)

ألتراصوت- فريق الترجمة 

منذ أن أعلنت روسيا عن بدء ما أسمته "العملية الخاصة" في أوكرانيا في 24 شباط/فبراير الماضي، لجأت الحكومة الأوكرانية وكوادرها السياسية والأمنية المختلفة إلى تطبيق تليغرام، لبثّ رسائل مختلفة إلى المواطنين، سواء ما كان متعلقًا منها بالتحديثات العامة حول الهجمات الروسية، أو التوجيهات المعنويّة والبروباغاندا المضادّة لمكائن الإعلام الروسية أو الموالية لروسيا في المناطق الانفصالية.

إلا أنّ كل تلك الرسائل كانت تتضمّن نصائح أساسية للناس لتجنب بعض بؤر الاشتباك المحتدمة والتوجه إلى الملاجئ أو البقاء بالبيوت، بحسب التطورات الميدانية والمعلومات الاستخبارية، خاصة تلك التي تعتمد على صور الأقمار الصناعية، التي أثبتت فعالية كبيرة في منح أوكرانيا أفضلية نسبية في بعض الأحيان، رغم التفوق الروسي المطلق على صعيد القوّة العسكرية.


كان لتطبيق "تيك توك" كذلك دور ملحوظ في نقل الأحداث الجارية في أوكرانيا. للاطّلاع على المزيد من التفاصيل حول الحرب في تطبيق "تيك توك" يمكن الاطلاع على هذا التقرير. 

وللمزيد من المعلومات حول الخصائص التي تفسّر شعبيّة تطبيق تليغرام يمكن قراءة هذا المقال


مئات الرسائل التي تنشر يوميًا عبر تليغرام، عبر حسابات أوكرانية معتمدة، أثبتت أهميتها للأوكرانيين، ودفعتهم إلى اللجوء إلى هذا التطبيق من أجل متابعة مجريات الحرب من المصادر الرسمية والمحلية، واستقاء المعلومات من المصادر الموثوقة، والتحذير من الضربات الجوية المحتملة، والتعرف أحيانًا على السبل الشعبية في مقاومة المحتل. ومن بين هذه الحسابات وأشهرها حاليًا حسابات "أوكرانيا الآن" (UkraineNOW)، المتوفرة بعدة لغات، من ضمنها الأوكرانية والروسية والإنجليزية والإسبانية والألمانية. 

وعلى الرغم من كونها واحدة من أشهر قنوات تليغرام حتى قبل الاجتياح الروسي، إلا أن حجم متابعي القناة قد تضاعف منذ بدء الحرب، ليصل إلى أكثر من مليون متابع، يعتمدون على القناة للحصول على آخر التحديثات والتطورات، الأمر الذي انعكس على مشاهدات القناة التي تجاوزت 10 ملايين مشاهدة حاليًا في اليوم.

وتبلغ منشورات الحساب حاليًا ما معدله 100 منشور يوميًا، إضافة إلى ما تعيد القناة نشره من حسابات أخرى رسمية وشعبية موثوقة في أوكرانيا، علمًا أن القناة كانت تنشر ما معدله خمسة منشورات في اليوم فقط قبل الاجتياح الروسي. ويعد النموّ الهائل الذي حققته هذه القناة على تليغرام، مؤشرًا إضافيًا على تنامي أهمية هذا التطبيق في سياق النزاعات والحروب والكوارث، إذ يعدّ وسيلة سريعة وفعّالة في الحصول على المعلومات بشكل مباشر، بعيدًا عن التشتت الذي تخلقه وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، مثل فيسبوك وتويتر، والتي تختلط بها المعلومات بتعدّد مصادرها واختلاف توجهاتهم. أمّا في تليغرام، فيملك المستخدم التحكّم بتدفق المعلومات التي تصله بحسب ما يناسبه ويبحث عنه.

في حديثه إلى موقع "وايرد" الأمريكي، قال أحد أعضاء الفريق في القناة الأوكرانية إن هدفهم الحالي هو "ضمان حصول الأوكرانيين والمتابعين من خارجها على معلومات موثوقة في مواجهة البروباغاندا الروسية"، مضيفًا أن القناة قد تحولت بسرعة إلى "منظومة فعّالة لبثّ المعلومات" تسهم في ضمان تدفق المعلومات التي يحتاجها الأوكرانيون في هذه الظروف.

أنشئت قناة "أوكرانيا الآن" (UkrainNOW) قبل حوالي سنتين لتغطية التطورات المتعلقة بجائحة كوفيد-19، ولفتت عناية المسؤولين في الحكومة الأوكرانية، ودفعتهم إلى دعمها وتبنيها بشكل رسمي، لتكون القناة المعتمدة الخاصة بالجائحة على تليغرام، والتي تمدّها الحكومة بشكل مباشر بالمعلومات والبيانات من أجل نشرها. ووفق تقرير "وايرد"، يقول أحد الأفراد المطلعين على عمليات القناة إن القائمين على الحساب يتلقون المعلومات الموثوقة من جهات حكومية ليتم نشرها للمتابعين، وفي حال عدم تلقي المعلومات من مصادر حكومية معتمدة، فإن الفريق يقوم بالتحقق من المحتوى بشكل صارم قبل الموافقة على نشره، وضمن تراتبية واضحة في العمل، حيث يتم تمرير المنشور على أكثر من مدقّق، قبل تحصيل الموافقة النهائية للنشر.

ورغم اعتماد المسؤولين والوكالات الحكومية الرسمية في أوكرانيا منذ بدء الحرب على حسابات موثقة في تويتر وفيسبوك ويوتيوب وغيرها، إلا أن قنوات تليغرام حافظت على خصوصيتها بين الأوكرانيين كمصدر مفضّل للحصول على المعلومات بسرعة وموثوقية، خاصة من الحسابات الموثّقة المعتمدة، مستفيدين من الطبيعة الهجينة للتطبيق، والتي تجعله أكثر فعالية في التواصل مع الجماهير. فالقنوات العامة أو الخاصة، مثل قناة "أوكرانيا الآن"، تتيح الاشتراك فيها لعدد غير محدود من المتابعين، أو المجموعات العامة أو الخاصة فتتيح الاشتراك فيها لحدّ 200,000 عضو. أما في واتساب، فالحد الأقصى للمجموعات هو 256 حسابًا، وفي سيغنال يسمح بألف حساب في المجموعة كحدّ أقصى.

قناة "أوكرانيا الآن" ليست وحدها في المشهد المتعلق برصد الأحداث في أوكرانيا على تليغرام والتعليق عليها، فهنالك العشرات من المؤسسات الإخبارية والسياسيين والكتّاب والمعلقين والمدونين والناشطين والحقوقيين الذين لجأوا إلى التطبيق للنشر عليه بشكل مكثف خلال الفترة الماضية، ولاسيما بعد بدء الاجتياح الروسي نهاية الشهر الماضي. ومن بين أبرز الشخصيات الأوكرانية على تليغرام، حساب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ومحافظ العاصمة كييف، فيتالي كليتشكو، ووزير الاتصال والمعلومات، ميخائيل فيدوروف، والذين يتابع حساباتهم على تليغرام مئات الآلاف. ولتوضيح حجم النموّ في الحسابات الأوكرانية على تليغرام، تكفي الإشارة إلى أن متابعي حساب زيلينسكي قبل الاجتياح، أي في 23 شباط/فبراير، لم يتجاوز 65،000 شخص، ثم قفز العدد إلى 1.2 مليون متابع حاليًا، وهو نمط لوحظ في عدد من الحسابات الأوكرانية الأخرى التي ترصد تطورات الحرب في البلاد.

نداء على تليغرام: من الحكومة الأوكرانية إلى مجتمع الهاكرز

بالإضافة إلى الاعتماد الأوكراني على قنوات تليغرام من أجل نشر المعلومات ومجابهة حرب المعلومات من الخصم الروسي ونقل رسائل تساعد على الحفاظ على حيوات المواطنين وممتلكاتهم وتزويدهم بالمعلومات بشأن نقاط التجمّع والإغاثة والمساعدات والملاجئ وغيرها، فقد لجأت الحكومة الأوكرانية إلى تليغرام من أجل إطلاق نداء لطلب المساعدة من المواطنين والمتعاطفين مع أوكرانيا، لتشكيل "جيش الآي تي"، بحسب وصف وزير المعلومات الأوكراني ميخائيل فيدوروف، لمواجهة الحملات الإلكترونية الروسية. انضمّ إلى هذا "الجيش" أكثر من 200,000 شخص حتى الآن، يقومون بمساعدة الحكومة على رصد أي تحرّك رقميّ مشبوه قد يشير إلى عمليات تخريب واختراق من روسيا، إضافة إلى رصد التحركات الروسية على الميدان، وأية إشارات أو رموز تتركها القوات الروسية على الطرقات والمباني أثناء اجتياحها للمدن الأوكرانية.

اقرأ/ي أيضًا: أوكرانيا تعلن عن تأسيس "جيش الآي تي" لاستهداف المجال السيبراني الروسي

كما لجأ فيدوروف إلى قناة على تليغرام لتوجيه رسائل إلى الرؤساء التنفيذيين لكبرى الشركات الرقمية العالمية، مثل ميتا/فيسبوك، وجوجل، ويوتيوب، ونتفليكس، وآبل وغيرها، والتي يدعوهم فيها إلى الوقوف إلى جانب الأوكرانيين في الحرب، وتعليق خدماتها داخل روسيا. وقد تجاوبت معظم هذه الشركات بالفعل مع هذه الدعوات، وأعلنت عن وقف أنشطتها داخل روسيا.

مؤسس تليغرام.. روسيّ المولد أوكراني الهوى

بافيل ديوروف، هو رجل أعمال شاب يشتهر بكونه مؤسس تليغرام والرئيس التنفيذي للشركة المشغّلة للتطبيق. ولد ديوروف عام 1984 لأبوين روسيين، إلا أنّ أصول أمّه تعود إلى أوكرانيا. وإلى جانب الجنسية الروسية، يحمل ديوروف الجنسية الفرنسية، إضافة إلى جنسية جزيرة سانت كيتس ونيفيس. يُعرف عن بافيل ديوروف حبّه للسفر والتنقّل والعزلة والابتعاد عن الأضواء، لكنّ المؤكّد أنه لا يقيم في روسيا، ولا تربطه بحكومتها علاقة جيّدة، وخاصة بعد رفضه التعاون مع السلطات في بسط سيطرتها على تطبيق تليغرام، الذي يبلغ عدد المشتركين فيه أكثر من 500 مليون شخص. ورغم محاولة السلطات الروسية حجب التطبيق داخل أراضيها، إلا أنها لم تتمكن من ذلك حتى اليوم، ويبلغ عدد مستخدمي التطبيق فيها زهاء 30 مليون مستخدم.

ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا، والهجرة الكبيرة نحو تليغرام للحصول على المعلومات، اندلعت سلسلة من التساؤلات حول مدى موثوقية التطبيق للأوكرانيين، خاصة وأنّ مؤسسه يحمل الجنسية الروسية، وعاش فترة من حياته في روسيا.

أمام هذه التساؤلات، نشر بافيل ديوروف على قناته الخاصة على تليغرام، منشورًا يوضّح فيه موقفه من الحرب في أوكرانيا، وعن شكل العلاقة التي تربطه مع وطنه الأم روسيا، وكيف انتهت تلك العلاقة بصدام مع نظام بوتين ومؤسسات الحكم في موسكو. وفي المنشور يوضّح ديوروف كيف طلب منه جهاز الأمن الفيدرالي الروسي أن يقدّم لهم بيانات المستخدمين الأوكرانيين لتطبيق (VK) للتواصل الاجتماعي، وذلك إبان اشتعال موجة من الاحتجاجات الشعبية في أوكرانيا ضد الرئيس الموالي للكرملين آنذاك.

 

وقد أوضح ديوروف أنه قد رفض بشكل قاطع الرضوخ لذلك الطلب الرسمي الروسي، وبناء على ذلك تمّ إغلاق الشركة في روسيا، وأرغم ديوروف على مغادرتها تحت ضغط التهديدات والتضييقات الأمنية التي فرضت عليه في روسيا.

بافيل ديوروف (Getty)

يقول ديوروف: "خسرت شركتي، ووطني، ولكني مستعد لفعل ذلك مجددًا لو لزم، دون تردّد". ويضيف: "انقضت العديد من السنوات منذ تلك الأحداث، وتغير الكثير. فأنا لا أعيش في روسيا حاليًا، ولا أملك أي شركات ولا يتبع لي أي موظفين فيها. ولكن أمرًا واحدًا بقي على حاله، وهو أني أقف بصفّ المستخدمين للتطبيق وحقهم المقدس في الخصوصية، وهو أمر بالغ الأهمية اليوم أكثر من أي وقت مضى".

معضلة التضليل حاضرة

وعلى الرغم من أهمية تليغرام وتزايد الاعتماد عليه من قبل الناشطين والحراكات المحليّة في مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى إدراك المؤسسات الرسمية أهميته في نشر المعلومات، فإن التطبيق قد وفّر في المقابل مساحة حرّة للترويج لنظريات المؤامرة والبروباغاندا والبروباغاندا المضادّة، وذلك بفضل الحدّ الأدنى من الرقابة على المحتوى فيه، وهو ما أتاح كذلك مساحة للمجموعات المتطرّفة للتواصل وتجنيد المتعاطفين معهم.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

أوكرانيا تعلن عن تأسيس "جيش الآي تي" لاستهداف المجال السيبراني الروسي

إيلون ماسك يدخل على خطّ الأزمة الأوكرانية.. لماذا شكره الأوكرانيون؟

نتفليكس وتيك توك تحجبان جميع خدماتها في روسيا