11-سبتمبر-2017

بعض ضباط الجيش والشرطة المصريين متورطين في سرقة وتهريب الآثار (Getty)

تجارة الآثار جريمة علنية لا تخفى على أحد، لكن الفاعل مجهول، ففي تقرير لوكالة الأناضول عن تنقيب الأفراد عن الآثار في مصر بشكل غير مشروع، فإنّ "العمليات تجري خلسة وفي جوف الليل، والظاهرة آخذة في الانتشار بمصر، ووصل الأمر إلى أن دفع مواطنون حياتهم ثمنًا في مغامرة غير مضمونة العواقب"، بحسب التقرير.

الخوف من الأجهزة الأمنية هو ما يجعل التنقيب سرًا في جوف الليل؛ لما له من عقوبات قاسية تصل إلى السجن المؤبد، كما وصل الأمر في بعض محاولات التنقيب وليس كلها، فقد سجلت محاضر النيابة عشرات القضايا من هذا النوع.

في عام 2015 ضبطت شرطة السياحة المصرية 3 آلاف قطعة آثار مع لصوص التنقيب، وحررت 1200 قضية تنقيب غير شرعي ضد "مجهولين"

وبحسب إحصاءات غير رسمية، سجّلتها الأناضول، يبلغ حجم تجارة الآثار في مصر 20 مليار دولار سنويًا. وسجّلت السنوات التي تبعت ثورة 25 يناير، زيادة في عمليات التنقيب والتهريب بشكل كبير يفوق هذا الرقم، مُرجعين ذلك إلى الانفلات الأمني وسوء الحالة الاقتصادية للمصريين ما دفعهم إلى تجارة "مجرّمة ومحرّمة" يكسب منها العرَّافون عشرات الملايين مقابل الزعم بالإرشاد عن كشف أثري خفي مستعينين بالدجل.

اقرأ/ي أيضًا: سرقات الآثار الكبرى في مصر.. تسريب التاريخ

وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2015، قال اللواء أحمد شاهين، مساعد وزير الداخلية لشرطة الآثار آنذاك، في تصريحات صحفية، إن شرطة السياحة ضبطت خلال ذلك العام فقط ثلاثة آلاف قطعة أثرية، قام اللصوص بالحصول عليها عن طريق التنقيب، مع تحرير 1200 قضية "حفر وتنقيب" سجلتها محاضر الوزارة ضد مجهول.

ضبطت شرطة السياحة 3 آلاف قطعة آثار مسروقة خلال عام 2015 (Getty)
ضبطت شرطة السياحة 3 آلاف قطعة آثار مسروقة خلال عام 2015 (Getty)

صحيفة التايمز البريطانية، تتبعت ذلك المجهول، قبل أن تتوصل أخيرًا، عبر عدة معطيات، إلى هويته.

حماة تجارة الآثار.. من الجيش والشرطة

المغامرة المدفوعة بالأزمة الاقتصادية التي يعيشها المصريون، خاصة بعد تعويم الجنيه، هي التي دفعت ما أسمتها التايمز بـ"الفئات الآمنة في المجتمع المصري"، لزيادة تأمين معاشها بالتنقيب غير الشرعي عن الآثار التي قفزت إلى أكثر من ضعف أرباحها بعد أن زاد سعر الدولار بالنسبة للجنيه المصري.

لكن من أين يأتي تجار الآثار في مصر بالقطع التي يتاجرون فيها؟ يقدم تقرير التايمز إجابة عابرة: "من لصوص الآثار، الذين يستولون عليها من متاحف ومناطق أثرية مهملة، أو أهالٍ وجدوها تحت منازلهم بعد عمليات حفر وباعوها". تخرج تلك الآثار عن طريق لصوص وسماسرة إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تباع بالدولار، وبأسعار ضخمة "أضعاف أسعار تداولها في القاهرة"، ويحصل التجار في المقابل على عمولة 2% من المبالغ المليونية.

وثمة محطتا عبور للآثار المصرية في منطقة الشرق الأوسط، هما إسرائيل والإمارات، كما أنّ هناك طرقًا لتهريبها من الكمائن القريبة من مناطق العثور عليها، والتي غالبًا ما تكون عين شمس والمطرية، التي تسمّى بـ"أرض الآلهة"، كما يقول التقرير، وذلك نظرًا لغنى أرضها بآثار ثمينة، فقد كان بها عاصمة مصر الفرعونية في وقتٍ من الأوقات. إلا أنّ التنقيب لا يتوقف عند هاتين المنطقتين. فمصر كلها تقريبًا تعرف تنقيبًا غير مشروع عن الآثار.

مقابل متوسط 10 آلاف دولار للقطعة الواحدة، يُساعد ضباط بالجيش والشرطة في مراحل تجارة الآثار بداية من التنقيب وحتى التهريب

 زوسط البحث عن إجابةٍ لسؤال: "من المجهول الذي يدير تجارة الآثار في مصر؟"، قالت التايمز إن البعض ضباط من الجيش والشرطة متورطون في تجارة الآثار غير المشروعة، وفي حماية بعض اللصوص والمنقبين عنها في مناطق تحت سيادتهم.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا استغرق بناء المتحف المصري الكبير 15 عامًا؟

"دائرة التنقيب وتجارة الآثار، تتسع لتشمل أفرادًا في الأمن المصري ومجندين وضباط جيش"، هكذا قال أحد تجار الآثار لصحيفة التايمز، مُضيفًا أن هؤلاء المذكورين يُساعدون في كل مراحل التجارة غير المشروعة، بدءًا من التنقيب فالاستخراج فالتهريب، والمقابل عمولة متوسطها 10 آلاف دولار عن كل قطعة آثار، أي أكثر من 170 ألف جنيهٍ مصري.

ونقل تاجر الآثار للصحيفة البريطانية خلاصة خبرته في سوق ملوك وآلهة مصر القديمة: "يتسع الأمر أكثر ليشمل دبلوماسيين أجانب ومصريين ينقلون الآثار في حقائب محصّنة من التفتيش (كونهم دبلوماسيين) بالمطار، وتُهرَّب القطع الأثرية الضخمة عن طريق سفن نقل بضائع عملاقة".

وبسبب تورط شخصيات "ممنوع الاقتراب منها أو مساءلتها أم المساس بها" في القاهرة، بحسب تلميح التايمز، في إشارة إلى أفراد الأمن والجيش؛ فقدت مصر منذ عام 2011 قطعًا أثرية تقدَّر بثلاثة مليارات دولار، اختفت من مواقع أثرية ومتاحف ومعابد. 

يتورط بعض ضباط من الجيش والشرطة في التنقيب غير المشروع عن الآثار (Getty)
يتورط بعض ضباط من الجيش والشرطة في التنقيب غير المشروع عن الآثار (Getty)

ورغم ما يُروّج من محاولات السلطات المصرية وقف عمليات التنقيب غير المشروعة في الآثار، ورفع درجات العقوبة على جريمة الاتجار في الآثار للسجن المؤبد بعد أن كانت لسبع سنوات فقط، إلا أنّ تدهور الاقتصاد المصري كان سببًا في انتشار التجارة رغم ذلك، فما زالت عمليات النهب مستمرة، والحفر والتنقيب باتا تحت حماية أفراد من الجيش والشرطة، أو "المجهولين"!

منذ 2011 اختفت 32 ألف قطعة أثرية من مخازن وزارة الآثار. ويُعتقد أن من يقف وراء اختفائها هم ضباط في الجيش والشرطة

وذكرت صحف مصرية، أن 32 ألف قطعة أثرية اختفت من مخازن وزارة الآثار، وفقًا لنصّ تقرير الإدارة المركزية للمخازن المتحفية، الذي حصلت على نسخة منه. ويبين التقرير أعداد القطع المفقودة بالتفصيل، ومناطق فقدها (11 مخزنًا بأربع مناطق)، فيما تقول الوزارة إنها لا تزال تعمل على حصر باقي القطع المفقودة خلال السنوات الماضية، بعد 25 يناير.

اقرأ/ي أيضًا: المتحف المصري الكبير: مغارات الآثار والأربعين حرامي!

اللافت في الأمر أن تلك المخازن تقع مسؤولية حمايتها على عاتق تشكيلات من الجيش والشرطة، وغالبًا فإن قيادة تلك التشكيلات متورطة أصلًا في تهريب القطع الأثرية، خاصة إبان فترة الفوضى التي عرفتها البلاد بعد انسحاب عناصر الشرطة عقب 28 كانون الثاني/يناير 2011، وهو ما أكد عليه تاجر آثار تحدثت إليه صحيفة التايمز البريطانية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 نفَّعني واستنفع.. مغامرة في عقل "خرتية" مصر "شركاء الداخلية وأعداء السياحة"

رمسيس الثاني.. المفترى عليه في مصر