19-يوليو-2017

تلاحق الخِرتية اتهامات متتالية بانتهاك مهن السياحة (كريس ماك غراث/Getty)

في مصر أساطير، ولأنها كثيرة لا بد أن يكون لها صنَّاع، وأبطال. البطل هنا شاب مصري تسلل إلى فندق بالغردقة من شاطئ مجاور، حاملًا سكينًا، وأصاب أربعة أوكرانيات وقتل ألمانيتين قبل أيام، ولم تعلنْ أي جماعة، حتى الآن، مسؤوليتها عن الحادث، الذي استبعدت روايات أمنية أن يكون إرهابيًا.. هو مجرَّد حادث "قتل متعمَّد" وراءه حكاية.

الخرتية مهنة منتشرة في المناطق السياحية داخل مصر ومهمتهم صيد السائحين لإقناعهم بشراء بضائع من بازارات بالاتفاق مع أصحابها

رغم محاولات مجموعة وسائل إعلام بالقاهرة تسريب أنباء عن كون مرتكب الجريمة إرهابيًا، لم يعترف الشاب العشريني، الذي يدعى عبد الرحمن، بارتكاب الجريمة لأسباب تتعلَّق بالإرهاب، لكن الروايات البديلة تشير إلى أنه "خرتي" كان يعرض خدماته على السائحات فاشتبكن معه، فأحضر سكينًا وقفز فوق أسوار الفندق أو من أحد الشبابيك، لينهي كل شيء.

اقرأ/ي أيضًا: 3 أسباب تفسر تزايد جرائم القتل في المجتمع المصري

من هو الخرتي؟

يستوقفك، فيما سبق، أن المتهم "خرتي"، كلمة مفرد جمعها "خِرَتية"، والخرتية مهنة منتشرة في المناطق السياحية داخل مصر، التي تبدأ بالإسكندرية وضواحيها، وتمرّ بأهرامات الجيزة وميدان التحرير، ولا تنتهي بالأقصر وأسوان، وشرم الشيخ ودهب. ومهمة الخرتي صيد السائحين من الشوارع والشواطئ لإقناعهم بشراء بضائع من بازار أو عدّة بازارات، بالاتفاق مع أصحابها، يعمل لحسابها مقابل عمولة.

بدأ الأمر بالتعاون مع البازارات، يجذب السائح لشراء أنتيكات وتحف وعطور وملابس، لكنه، مع الزمن، تطوَّر. أصبح الخرتي يطارد السائحين، وأحيانًا يصاحبهم لتلبية طلباتهم وخدمة رغباتهم، مهنته تشبه قوَّادًا بأجر، لا تبدأ فقط بتسهيل شراء العطور والأنتيكات ولا تنتهي بتسهيل شراء الحشيش والجنس للسائحين، والسائحات.

ولأنها مهنة رجالية، فأحيانًا يصبح الخرتي، الذي يتمتع بوسامة ومواصفات جسمانية مميزة، صيدًا للأجنبيات، اللاتي يبحثن عن "متعة عابرة" مع شاب عابر بمقابل مادي قليل بالنسبة لهم، لكنه كثير بالنسبة له.

هربًا من ظروف العمل الصعبة وضعف الرواتب في القاهرة، يرسم الشاب، الذي قرر أن يصبح خرتيًا، "تاتو"، وشمًا، على ذراعه، ويرتدي مجموعة سلاسل، متشبِّهًا بالدراويش الصوفيين، صانعًا "لايف ستايل" مختلفًا ومريبًا أحيانًا، ويتكلم لغة جديدة تجمع بين عدّة لغات، كلمة من الإنجليزية ولفظًا من الألمانية ولدغة فرنسيّة، يداعب بها الجميع، ويتصنَّع خفة الدم، ويعرض على السائحات أنشطة جديدة ربما لا توجد في بلادهنّ، فيقرأ لهنّ الكف، والفنجان، ويكشف تفاصيل المستقبل.. الذي بالتأكيد ستقابل فيه رجلًا مصريًا فحلًا تستمتع معه.  

ما المقابل؟ بقشيش أحيانًا (يصل دخل الخِرتي يوميًا إلى 300 جنيهًا، 15 دولار أمريكي)، عمولة إذا تمّت عملية بيع وشراء، دعوة إلى الفراش لو أعجبت بخفة دمه.

تطور عمل الخرتي في مصر من جذب السياح لشراء أنتيكات وتحف إلى مصاحبتهم لتلبية طلباتهم حتى لو كانت تسهيل شراء حشيش وممارسة الجنس

اقرأ/ي أيضًا: اغتصاب سائحة بولندية.. هل قضي على السياحة في مصر؟

خرتي دهب يحل لغز جريمة الغردقة

على شواطئ شرم الشيخ ومارينا، يروي "خالد.م"، خرتي بمدينة دهب، أنه يبتعد عن العمل مع المصريين: "يدفعون قليلًا، ومشاكلهم كثيرة". يكشف خالد جانبًا من حياته وحياة زملائه الخرتية: "نخدم الجميع بحثًا عن الرزق، وبعضنا يجري وراء النساء، لكن بأسلوب لطيف لاصطيادهنّ، وأحيانًا تحدث زيجات تستمر سنوات".

لا يخفي خالد، أنه، أحيانًا، يرى مضايقات للسياح: "يرفض بعض السائحين دفع بقشيش أو نفحة للخِرتي، بعض الزملاء يفوّتون الأمر، وبعضهم يعتبر ذلك استعلاء وأكلًا لحقه فيطارد السياح ويضايقهم".

الحياة العاطفية والجنسية للخِرتية مريبة ومرتبكة، يقول: "العلاقات العاطفية مع المصريات، حتى لو وصلت إلى الزواج، مملة ولا تناسب حياة الخِرتي، فأغلب علاقاتنا تنحصر في أجنبيات نتعرف عليهن خلال العمل يوميًا".

يخمِّن خرتي دهب، القريبة من شرم الشيخ، سبب وصول الأمر إلى القتل بين الخِرتي عبد الرحمن والسائحتين الألمانيتين في الغردقة: "طلب من السيدة الأجنبية مالًا أو عرض عليها الجنس، أو كان ينتظر منها أحد الاثنين، فرفضت، فهاجمها ودون وعي، قتلها هي وصديقتها".

لماذا كرهت الدولة الخِرتية بعد "موقعة الجمل"؟

في شرم الشيخ ودهب ومارينا والمدن السياحية المفتوحة كل شيء متاح ومباح، على عكس القاهرة، فأمناء الشرطة بها كثيرون، ويضايقون الخِرتي، الذي يعتبر، في نظر القانون، "مرشدًا سياحيًا بلا رخصة"، وإذا ضبط متلبسًا بالتحرش بالسياح سيدفع غرامة.

في بعض المناطق، تجنِّد الشرطة الخِرتية لضبط عمليات تجارة المخدرات والجنس والمثلية، ليس منعها، وجعلها تحت عينها. يعملون لحساب الشرطة رغم أن وزير الآثار المصري، خالد العناني، في تصريحات صحفية سابقة، من المظاهر السلبية لمنطقة الأهرامات.

تتعامل أجنحة الدولة بتناقض مع ظاهرة الخرتية، طرف يدعمهم ويستعملهم لتحقيق مكاسب أمنية، وطرف آخر يحاربهم دفاعًا عن السياحة

تتعامل أجنحة الدولة، طوال الوقت، بتناقض مع ظاهرة الخرتية، طرف يدعمهم ويستعملهم لتحقيق مكاسب أمنية، وطرف آخر يحاربهم دفاعًا عن السياحة، ففي كانون الثاني/ يناير 2011، كانوا هم أبطال موقعة الجمل، انطلقوا بدوابهم من نزلة السمان، منطقة المقهورين التي تتربَّح من السياحة، وتلقوا أمرًا من قيادات أمنية ورجال أعمال في عهد مبارك بضرب الثوار وإنهاء ما يجري في "التحرير" بمقابل مالي ضخم، وساهم الجيش في دخولهم الميدان وهتك عرض خيام المعتصمين.

والآن؟.. تلاحق الخِرتية اتهامات متتالية بانتهاك مهن السياحة، فهم لا يمثلون إضافة لها، إنما ثقلاً وحِملاً عليها بمضايقاتهم وخفة دمهم وحصولهم على أموال، تريد الدولة أن تحصل عليها بدلًا منهم، فبدلًا من أن يذهب السائح إلى خِرتي يدفع له خمسة دولارات مقابل إرشاده لشيء لماذا لا يتفق مع مكتب سياحة تابع للقوات المسلحة أو وزارة السياحة وتذهب تلك الدولارات إلى ميزانية الجيش أو الدولة؟ هذا هو المنطق الآن، ولهذا أصبحت الدولة وجهًا لوجه مع الخِرتية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"آخرها اغتصاب كبائن ستانلي".. هكذا يدمر البزنس المشبوه بحر الإسكندرية

دعارة القاصرين في مراكش.. وجهة الباحثين عن المتعة الشاذة