03-أغسطس-2017

سياح مع مرشدهم في جنوب سيناء (دفيد دانير/Getty)

"رضينا بالهمّ والهمّ مش راضي بينا"، هذا هو لسان حال المرشدين السياحيين المصريين الذين تضطرهم ظروف عملهم للتعامل مع الأفواج السياحية الإسرائيلية. أغلب هؤلاء تخرّجوا من أقسام اللغات الشرقية بكليات الآداب وأمام تضاؤل فرص العمل وتراجع النشاط السياحي في السنوات الثلاث الأخيرة، لم يجدوا مفرًا من العمل كمرشدين سياحيين لأفواج السائحين الإسرائيليين الذين تدفقوا إلى مصر بأعداد كبيرة بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، التي سمحت للسياح الإسرائيلين بدخول مصر دون الحاجة إلى تأشيرة سفر. لكن حتى مع قبولهم العمل مع "العدو القديم" مقابل "لقمة العيش"، فوجئ هؤلاء بسماح الشركات السياحية الخاصة للسياح الإسرائيليين باستقدام مرشدين من بني جنسهم ووضعهم على قائمة أولوياتهم خلال رحلتهم إلى مصر، ليكون عليهم اختبار مأساة مزدوجة.

يعيش المرشدون السياحيون المصريون الذين يتقنون العبرية مأساة مزدوجة بعد تراجع السياحة واستقدام السياح الإسرائيليين لمرشدين معهم

فلم تتوقف الأمور عند حدود تسريح المرشدين السياحيين المصريين وتحويلهم إلى "عواطلية" بل تجاوزتها إلى ما هو أخطر من ذلك، فما إن يبدأ المرشد السياحي الإسرائيلي حديثه حتى يبدأ سيل الافتراءات والإهانات لمصر والمصريين لدرجة تتحول معها الأهرامات وغيرها من شواهد على عظمة الحضارة المصرية إلى دلائل على عظمة أجداده اليهود العبرانيين، في سيل جارف من الأكاذيب التي تمتد أيضًا لتطال الإسلام والمسلمين ونبيهم، لتعود وتثور تساؤلات أفراد الإرشاد السياحي المصري: من يقف وراء ازدياد ظاهرة المرشد الإسرائيلي في مصر؟ كيف تسلل هؤلاء إلى عقر دارنا وشاركوا مئات المصريين لقمة عيشهم المغموسة بذلّ التعامل مع العدو القديم والحديث والمعاصر؟ لماذا أصرّ هؤلاء على اقتحام مهنة الإرشاد السياحي في بلدنا رغم تاريخهم الأسود الحافل بكل أشكال الكراهية والحقد ضد مصر والمصريين؟ وهل من سبيل لإيقاف هذا المسلسل بكل ما يعينه من تجاوز وانتهاك للقانون؟

اقرأ/ي أيضًا: ​يعود إلى 4500 عام.. اكتشاف جديد في الهرم الأكبر

المشكلة يشرحها طارق عبد التواب، مرشد سياحي، في حديثه لـ "ألترا صوت" قائلًا: "أي مرشد سياحي إسرائيلي بمجرد أن تطأ قدماه أرض مصر يصبح الهم الأكبر والشغل الشاغل له هو تشويه صورة المصريين بأي طريقة، ومن ثمّ لا يدع أية فرصة أو مناسبة إلا ويكون حريصًا على اختلاق أكبر عدد من القصص والروايات الملفقة من وحي خياله لإظهار المصريين في صورة القتلة والإرهابيين ومصاصي الدماء".

وفي هذا الصدد، يروي عبد التواب واحدة من فصول تلك الروايات الإسرائيلية المضللة بقوله: "يبدو أن هناك شبه اتفاق بين المرشدين السياحيين من الإسرائيليين على اعتبار منطقة وادي الأربعين الواقعة خلف دير سانت كاترين في جنوب سيناء شاهدًا أساسيًا على مزاعمهم الكاذبة للسياح الإسرائيليين الوافدين إلى مصر، وذلك بادعائهم أن تسمية الوادي بالأربعين تعود إلى قيام المصريين بذبح 40 راهبًا في تلك المنطقة مع بدايات القرن السادس عشر الميلادي، بل والأخطر من ذلك زعمهم بأن الإمبراطور البيزنطي قسطنطين قام ببناء دير بعد تلك المذبحة لحماية الرهبان من وحشية المصريين، وهو ما يتنافى تمامًا مع كل الحقائق والشواهد التاريخية".

اختص المرشدون السياحيون الإسرائيليون في تقديم الأكاذيب عن تاريخ مصر والتغيير في الوقائع ونسب أي عظمة لأجدادهم اليهود

أكاذيب التاريخ والحاضر

الأمر الأشد استقزازًا ما يورده المرشد السياحي عمر حسين بلهجة ساخرة ممزوجة بالأسى عن أنه منذ عدة سنوات مضت ابتدع مرشدو السياحة الإسرائيليون تقليدًا يحرصون فيه على اصطحاب أفواجهم السياحية إلى منطقة "مطلع شهيرة" الواقعة في الطريق بين طابا وشرم الشيخ، حيث قامت مجموعة من الإسرائيليين ببناء هرم صغير تخليدًا لاسم ضابط إسرائيلي قُتل بواسطة لغم خلال حرب 1967. ولا يفوت المرشد في تلك اللحظات أن يعدّد ويصوّر لأفراد مجموعته فظاعة الأفعال الوحشية التي ارتكبها المصريون ضد "الأبرياء" من "جيش الدفاع الإسرائيلي" خلال حروبهم معًا.

التشويه الإسرائيلي لا يتوقف عند الأكاذيب التاريخية بل يمتد إلى تقديم صورة مغلوطة عن حياة المصريين ونمط عيشهم، وهو ما يلفت النظر إليه صلاح علي، الخبير السياحي، قائلًا: "زيارة قصيرة يقوم بها المرشد الإسرائيلي مع مجموعته السياحية لإحدى خيام البدو في سيناء لكنها تنطوي على نوايا خبيثة للتدليل على رجعية المصريين وتخلّفهم، موضحًا أن تلك الزيارة التي تكون معدة سلفًا ضمن برنامج سياحي مغرض ينتهج سياسة الصيد في الماء العكر، تقضي بأن يمكث السائحون ويرافقهم المرشد الإسرائيلي داخل الخيمة عدة ساعات يشاهدون خلالها على الطبيعة عادات وتقاليد البدو ويتناولون معهم الخبز والشاي، ولكن بقدرة قادر يتحول كل ذلك إلى فرصة سانحة للمرشد الذي يسارع بالتأكيد لهم أن النمط البدوي الذي شاهدوه هو بالأساس نموذج حي لحياة أغلب المصريين".

غير أن أشهر الأكاذيب الإسرائيلية هي تلك المتعلقة بالأهرامات، والتي تظهر حين ينتقل السياح إلى موقعها في الجيزة، "فتنهال المعلومات الوهمية والروايات المختلفة التي تزعم بأن اليهود هم بناة الأهرامات"، كما يقول الباحث الأثري سامي توفيق لـ "ألترا صوت". ويضيف توفيق: "واليهود لم يبنوا فقط الأهرامات الثلاثة لكنهم أيضًا بناة أغلب المعابد التي شيدت بالأقصر وأسوان، تبعًا لما تردده ألسنة المرشدين الإسرائيليين بين أوساط السياح، بل ويزيدون على ذلك أن قبيلة التياها التي عاش أفرادها خلف جبال التيه بجنوب سيناء ليسوا سوى الأجيال المتبقية من بني إسرائيل وأن ولاءهم لا يزال حتى الآن لإخوانهم في إسرائيل وليس للمصريين أو العرب".

أشهر الأكاذيب الإسرائيلية هي ما يقوله مرشدوهم عن نسبة بناء الأهرامات لأجدادهم اليهود

وينبّه رأفت صبحي، مرشد سياحي، إلى نقطة أخرى خطيرة تكمن في إصرار المرشد الإسرائيلي على التطرق إلى مبادئ الدين الإسلامي وتعاليمه بأساليب مهينة تصل في الغالب إلى تحقير المعتقدات الدينية للمسلمين وإلصاق تهمة تحريف الإسلام بالمسلمين ليتماشى مع أهوائهم الشخصية.

ويوضّح صبحي جانبًا خطيرًا من مسؤولية شركات السياحة المصرية عن استشراء الخطر الإسرائيلي: "أعمل مرشدًا سياحيًا بإحدى الشركات المصرية في جنوب سيناء منذ سنوات، وكثيرًا ما أرافق المجموعات السياحية القادمة من إسرائيل عبر منفذ طابا أو أصطحبهم لزيارة دير سانت كاترين وجبل موسى وغيرها من المعالم السياحية. ونظرًا لأن الطريق الذي نأخذه يستغرق نحو 3 ساعات فإن المرشد لابد له من التحدث عن الأماكن التي يمرّ بها وتاريخها والتعريف بالمنطقة وسكانها وكيف يعيشون إلى غير ذلك، لكن وبكل أسف لدينا أوامر من شركاتنا المصرية بترك عملية الإرشاد للمرشدين الإسرائيليين، ومن ثم تتحول دفة الحديث وإدارة الحوار لهم ويصبح الطريق أمام أي مرشد إسرائيلي خاليًا لادعاء أي افتراءات كاذبة تروق له من شأنها التقليل من منجزات الحضارة المصرية أو الدين الإسلامي".

شريف عبد الخالق، مرشد سياحي، يسير في الاتجاه ذاته مؤكدًا أن الحجاب والختان وغيرهما من الموضوعات العقائدية والاجتماعية الحساسة لدى المصريين عمومًا والمسلمين على وجه الخصوص، تحظى باهتمام غير عادي من جانب المرشدين الإسرائيليين، بخلاف محاولاتهم المتكررة إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام. ويعترف عبد الخالق أن المرشدين السياحيين المصريين لا يملكون من الأمر شيئًا سوى الوقوف مكتوفي الأيدي أمام هذه المهازل، لأنهم بكل بساطة "بياكلوا عيش" وإلا طُردوا من العمل، مدللًا على ذلك بواقعة زميل له تجرّأ ذات يوم وتشاجر مع مرشد إسرائيلي ومنعه من الاستمرار في إطلاق أكاذيبه فما كان من مدير الشركة إلا أن قام بإيقافه عن العمل ثم فصله نهائيًا معللًا ذلك بأنه "لا يريد مشاكل".

وما زاد الطين بلة، حسب قوله، صدور تعليمات مشددة من بعض أصحاب شركات السياحة المصرية للمرشدين العاملين بها بتسهيل مهمة المرشد الإسرائيلي المرافق للفوج السياحي وترك عملية الإرشاد له في حالة طلبه، وبالتالي ليس على المرشد المصري في تلك الحالة سوى القبول بسماع الشتائم والافتراءات والادعاءات الكاذبة دون تدخل وإلا حدث ما لا يحمد عقباه. ورغم كل هذه الوقائع والشكاوى التي يسردها عدد كبير من المرشدين والخبراء السياحيين، إلا أن حسن النحلة، نقيب المرشدين السياحيين، ينفي تمامًا أن يكون قد تبادر إلى أسماعه ما يتعلق بمسألة وجود أي مرشد سياحي يحمل الجنسية الإسرائيلية، مؤكدًا عدم تلقي النقابة لأية شكاوى أو تقارير رسمية تفيد بحدوث تجاوزات من أي نوع.

اقرأ/ي أيضًا: نفَّعني واستنفع.. مغامرة في عقل "خرتية" مصر "شركاء الداخلية وأعداء السياحة"

مسؤولية مَن؟

صدرت تعليمات مشددة من بعض أصحاب شركات السياحة المصرية للمرشدين العاملين بها لتسهيل مهمة المرشد الإسرائيلي

النفي الرسمي لا يدعمه ما قاله مصدر بوزارة السياحة المصرية لـ "ألترا صوت" حول أنه لا يستبعد بشكل نهائي إمكانية استعانة بعض الشركات السياحية بالأجانب في فترات ازدهار السياحة الإسرائيلية الوافدة إلى سيناء، في ظل قلة عدد المرشدين المصريين الذين يجيدون اللغة العبرية وتحول بعضهم إلى اللغات المطلوبة سياحيًا مثل الروسية والأكرانية، مع الأخذ في الاعتبار أن السياحة الإسرائيلية في تناقص مستمر بسبب التهديدات الأمنية.

ولكن المصدر ذاته يلفت النظر إلى الباب الخلفي الذي يستخدمه المرشدون الإسرائيليون للعمل في مصر، رغم أن قانون الإرشاد السياحي 121 لسنة 1983، المنظم لمسألة عمل المرشدين السياحيين ونقابتهم، ينصّ في المادة الأولى على وجوب أن يكون المرشد السياحي مصري الجنسية، وكذلك قرار وزير القوى العاملة رقم 7 لسنة 1998 الذي يحدد شروط عمل الأجانب، إلا أن تصاريح الترجمة التي تصدرها وزارة السياحة باتت مربط الفرس الذي يستغله الأجانب عمومًا في العمل بالإرشاد السياحي. وقبل سنوات، استحدثت وزارة السياحة المصرية ما يُعرف بـ "تصريح ترجمة" في حالة عدم توافر مرشد سياحي مصري يجيد إحدى اللغات، وهو ما سمح بوجود مرافق أجنبي للفوج السياحي يترجم ما يقوله المرشد السياحي المصري بالإنجليزية إلى لغة الفوج المصاحب.

القرار المفترض تنفيذه في أضيق الحدود وبما لا يتعارض مع القانون المصري، أسيء استخدامه وأصبح المرشد السياحي المصري يجد نفسه في حالات كثيرة مجرد "خيال مآتة" بينما يضطلع المرشد السياحي الأجنبي بالمهمة كاملة، بداية من انطلاق الرحلة من البلد المصدر، وحتى العودة إليه. لكن حساسية تواجد عدد من المرشدين السياحيين الإسرائيليين للعمل داخل مصر ومزاحمة أبناء البلد في رزقهم، تمتد بظلالها لتطال مسألة التطبيع المصري-الإسرائيلي وتزايد مستوى التنسيق الأمني والتفاهم السياسي بين القاهرة وتل أبيب منذ وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، وهو الأمر الذي يمكنه توضيح ذلك الإصرار الرسمي من الجانب المصري على نفي التواجد الإسرائيلي في مهنة الإرشاد السياحي، بما هو نفي ضمني لمستوى غير مسبوق من التعاون مع "العدو" يسمح بخرق القانون المصري ولا يجد حرجًا في ترك المساحة خالية لسرد الروايات الإسرائيلية وما تحويه من أكاذيب وافتراءات.

يذكر أنه بعد شهور من ثورة 25 يناير 2011، أثار محمد ‬غريب، نقيب المرشدين السياحيين وقتها، أزمة وجود 29 مرشدًا إسرائيليًا يعملون في مصر بأمر من وزارة السياحة، وطالب الوزير بإيقاف تصاريح الترجمة للمرشدين الإسرائيليين وإلغاء تصاريح الترجمة التي تصدرها وزارة السياحة للأجانب "حتي لا نعطي الفرصة للأجنبي للعبث بتاريخ وثقافة هذا البلد"، وأشار محمد غريب إلى أن التصاريح التي تخرج من وزارة السياحة لا تفرق بين أي جنسية، ‬ولذلك فعملهم في هذه المهنة أمر وارد خصوصًا مع الوفود اليهودية. وأكد غريب في تصريحات صحفية لجريدة "الأخبار" أن هناك مَن يتعمد منهم تشويه سمعة مصر أثناء ممارسة هذه المهنة، ‬سواء بوازع داخلي أو لصالح جهات بعينها، ‬كما حمّلهم مسؤولية انتشار البطالة بين المرشدين السياحيين المصريين.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

ويشهد النشاط السياحي تراجعًا متواصلًا في مصر خلال السنوات الأخيرة حيث تصنف الوجهة المصرية بالنسبة لعديد الدول الأوروبية كوجهة لا يُنصح بالسفر إليها ويفسر ذلك بعدم الاستقرار السياسي إبان انقلاب 2013، والتهديدات الأمنية المتكررة وعديد الاعتداءات التي عرفها سياح بمناطق سياحية مصرية مختلفة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سرقات الآثار الكبرى في مصر.. تسريب التاريخ

المتحف المصري الكبير: مغارات الآثار والأربعين حرامي!