05-سبتمبر-2019

انقلبت لعبة ماتيو سالفيني عليه (Getty)

مع الأخبار القادمة عن تشكيل الحكومة الإيطالية الجديدة، وما تثيره من جدل، وبالتزامن مع أداء الوزراء الجدد اليمين الدستوري اليوم الخميس، فإن ماتيو سالفيني ورابطته خارج اللعبة! هذا هو العنوان الطاغي على أيام وزير الداخلية الإيطالي، والذي فرض على اسمه الآن أن يقرن بوصف "سابق"، بعد أن كان الوجه الأكثر جدلًا في هذه الولاية الحكومية، وأحد أبرز أعلام اليمين الشعبوي وأكثرهم جسارة في تنفيذ مخططاته السياسية.

ماتيو سالفيني ورابطته خارج الحكومة الإيطالية! هذا هو العنوان الطاغي على أيام وزير الداخلية الإيطالي الحالية، والذي فرض على اسمه الآن أن يقرن بوصف "سابق"، بعد أن كان الوجه الأكثر جدلًا في هذه الولاية الحكومية

وتم تعيين لوسيانا لامورجيزي بدلًا منه في حقيبة وزارة الداخلية، وهي متخصصة في شؤون الهجرة، ومن الداعين إلى تعزيز سياسات الاندماج في المجتمع الإيطالي، كما أنها تتبنى مواقف يسارية داعمة للتحالف الأوروبي.

إثرَ تواجده داخل الحكومة، منذ يوليو/تموز 2018، سيطر سالفيني تمامًا على عملها لتنفّذ ما لم تكن تستطيع تنفيذه من قبل، ضاربًا قرارات الاتحاد الأوروبي الاقتصادية عرض الحائط والقوانين الدولية كذلك، تحديدًا فيما عرف بأزمة قانون المالية ومكافحة موجة الهجرة التي تستهدف البلاد. وها هو الآن مقصي من الإدارة، بعد الأزمة السياسية التي خلقها طامحًا في الانقلاب على الحكومة، وإعادة الأمور إلى الانتخابات التي رأى فيها درجًا لارتقائه سدة رئاسة الحكومة. رئاسة الحكومة التي عادت لجوسيبي كونتي بعد استقالته، وتكليفه ثانيًا بتشكيل فريق حكومي سالفيني مطرودٌ منه بعد خسارة مغامرته الأخيرة.

اقرأ/ي أيضًا: ماتيو سالفيني.. شعبوية مناهضة للحياة البشرية

تفاصيل الثورة الفاشلة

في الـ 8 من آب/أغسطس  أغسطس الماضي، فجر ماتيو سالفيني قراره في وجه الائتلاف الحكومي: "لنذهب مباشرة إلى البرلمان لنعلن نهاية الأغلبية الحكومية!.. وبعدها سريعًا إلى صناديق الانتخاب". ساحبًا الثقة من الحكومة في البرلمان، قالبًا أوراق حلفائه بالدعوة للعودة السريعة إلى انتخابات تشريعية استثنائية، بدا سالفيني ضامنها لصالحه حتى قبل النطق بها، قياسًا على اكتساحه الأخير في الانتخابات الأوروبية.

في ردة فعل كانت منتظرة لرئيس الوزراء، قدم جوسيبي كونتي استقالته من منصبه أمام البرلمان في جلسة الـ 20 آب/أغسطس الماضي، صابًا جام هجومه على سالفيني الذي حسبه "جر إيطاليا لأزمة سياسية خدمة للمصلحة الشخصية ومصلحة حزبه"، واصفًا رئيس داخليته بـ"غير المسؤول" الذي "خان قسمه الأول لإيطاليا وحكومتها". داقًا ناقوس الخطر في محاولة سالفيني لإعادة الحكم الفاشي، حيث يشترك هو وموسوليني بالمطالبة بـ "القوة الكاملة". "القوة الكاملة التي لا تحتاجها إيطاليا الديمقراطية، والممارسة الديموقراطية ليست هي دعوة الناخبين إلى الصناديق كل عام" يقول كونتي. بعدها بعشرين دقيقة صعد سالفيني المنصة ليلقي خطابه، وكانت نسبًا كبيرة منه حول سياساته لمكافحة الهجرة؛ الموضوع الذي يتعامل معه هذا الأخير بهوس يتعدى الاهتمام بحل أزمة. عند مغادرة فريق الرابطة قبة البرلمان اصطدم بمجموعة محتجين ضد زعيمه، صارخين عليه "ارحلوا يا مهرجين! ارحلوا يا مافيا!"، الشيء الذي دفع أحد نواب الرابطة ليرد بحركة بذيئة رافعًا اصبع يده الأوسط في وجه المحتجين.

عند هذا الحد كان ماتيو سالفيني مرتاحًا بنجاح مخططه لقلب الحكومة من الداخل، مراقبًا سير الأمور إلى انتخابات مبكرة، متأكدًا أنها الفرصة الأمثل لتمالك "القوة الكاملة". يوم الخميس 29 آب/أغسطس، أعاد الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا الثقة في رئيس حكومته مكلفًا إياه بتشكيلِ حكومة جديدة. حكومة جديدة "ديمقراطية اجتماعية تكرس التماسك الاجتماعي" كما صرح كونتي، بتحالف بين حركة النجوم الخمسة والحزب الديموقراطي ويستثنى منها سالفيني بطبيعة الحال.

هكذَا فشل تمرد سالفيني المفتعل، ولم يحصد منه إلا طردًا من الحكومة والعودة مجددًا إلى المعارضة. بينما جوسيبي كونتي يعد برفع لائحة الوزراء الجديدة منتصف الأسبوع إلى الرئيس ماتاريلا، وهو ما حصل بالفعل يوم الأربعاء.

حكومة انعدام الثقة من الأول

ليس الشقاق الأخير وسط الحكومة الإيطالية مستجدًا، فمنذ أول أيام التحالف الحكومي الإيطالي، بين الرابطة وحركة النجوم الخمسة، صارت الشكوك تلوح عن مدى استمراريته، وهو يجمع النقيضين؛ الأول حزب يميني شعبوي، والثاني شعبوي كذلك يميل أكثر إلى اليسار. في حين يزيد هذا التناقض الأيديولوجي احتدامًا والإدارتين؛ إدارة لويجي دي مايو زعيم النجوم الخمسة لحقيبة الاقتصاد، وإدارة ماتيو سالفيني لحقيبة الداخلية. تتعارضان من حيث الطبيعة مع بعضهما. هكذا، كالزيت والماء لم تمتزج مكونات التحالف، والشقاق بينهما بلغ أشده منتصف السنة الجارية مع استعار حمى سالفيني ضد المهاجرين وضد أوروبا على حدٍ سواء.

ظلٌ آخر أخذ يلوح بثقله على رأسي التحالف الإيطالي الحكومي موسعًا الهوة بينهما، وحزب سالفيني يحقق نجاحًا ساحقًا في الاستحقاقات الانتخابية الأوروبية ويحصد شعبية واسعة. فالأمر كان حتمًا ليستثير لويجي دي مايو، الذي ليست له الثقة الكافية في إمكانية خلق تعاون سياسي متكافئ بين حزبه وحزب الرابطة، زد على ذلك دعمه لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الذي عارضه سالفيني داعيًا حزبه إلى رفض ترشيحها.

يضاف إلى ذلك، الدور الذي يبدو خافتًا لرئيس الوزراء جوسيبي كونتي في حسم النزاع من قبل، علمًا أنه هو الذي كان يتملك شروط استمرار الحكومة، وطالما هدد باستقالته إذا لم يصل الحليفان/الخصمان إلى اتفاق لفك حالة الاحتقان، وطلبه "من هذين القوتين السياسيتين الاختيار إذا مازالتا ترغبان في الاستمرار بالقيام بواجبهما الحكومي"، ما كان بمثابة تخليه عن هذه المهمة ورميها على عاتق الفرقاء الآخرين. تخلٍ زاد من حالة الخصام عوضَ أن يفكها، مع أنه جاء بلهجة تصعيدية ضد سالفيني، الذي وصفه بـ"جامع اللايكات من الفيسبوك على حساب سياساته التي لا تصب في مصلحة إيطاليا".

هذا رغم محاولة الحزبين إخفاء الشقاق بينهما، أو على الأقل لوجي دي مايو، الذي في تصريحٍ له على قناة راي الإيطالية، بتاريخ 19 تموز/يوليو الماضي، وصف ما يقع بـ "دينامية العمل الحكومي". في  تقديرٍ لم يكن صائبًا، انتهى بما الحال عليه الآن.

خيانة!.. سالفيني يقول

في رد فعلٍ لماتيو سالفيني وصف الأمر بـ"خيانة للناخبين" بالتحالف مع الحزب الديمقراطي، والانتقال من حكومة "تدافع عن الشعب" إلى حكومة "تحمي مصالح ميركل وماكرون" حسب ما غرّد على صفحته في تويتر. داعيا في تغريدة أخرى الرئيس ماتاريلا إلى وضع حد لما أسماه "سوق المقاعد الجديد".

الإشارة إلى "تدخل ميركل وماكرون في الحكومة الإيطالية" على ما يبدو هو أسطوانة سالفيني الجديدة لتفسير ما وقع. هكذا أعلنها صريحة في تجمع خطابي بولاية بيرغامو يوم الإثنين 2 أيلول سبتمبر، أنه "حسب نتائج الانتخابات المحلية الألمانية، ميركل خسرت في عقر دارها، هي الآن تعوض بفرض حكومة في إيطاليَا". في إشارة إلى نتائج الانتخابات المحلية في الولايات الشرقية لألمانيا، والتي اكتسح فيها حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف أمام تراجع حزب المستشارة الألمانية الاتحاد المسيحي الديموقراطي. رابطًا معالم مؤامرته المفترضة بالاتصال الأخير الذي تلقاه لوجي دي مايو، زعيم النجوم الخمسة، من زعيمة برلين والتي وضحت حسب ما تناقلته وسائل إعلام إيطالية: "يجب على التحالف الحكومي أن يتم، ويتم إيقاف سالفيني عند حده!".

معلقًا على إعلان رئيس الوزراء موعد الكشف عن التشكيلة الحكومية الجديدة: "أكل هذا تشبث بالكرسي، كم الأمر مثيرٌ للشفقة! أنا أتأسف لمن صوت للنجوم الخمسة وآمن بالتغيير، ها هم الآن يدعمون سمسار الحزب الديموقراطي (جوسيبي كونتي)".

وعودٌ بالانتقام

لم تقف ردة فعل سالفيني، الذي كان يقضي عطلته منتشيًا بانتصارٍ حسبه محققًا، عند التعليق وحشد الرأي العام بالحديث عن "المؤامرات" المفترضة على إيطاليا (إيطاليا التي هي سالفيني وحزبه). بل تعدى ذلك إلى رغبة جامحة في الانتقام مع إرجاء تقلده الحكم إلى الأحداث القادمة.

هكذا استغل الأيام الباقية له على رأس الداخلية ليوسع أزمة اللاجئين، بحظر شواطئه أمام رسو سفينة إغاثة لاجئين جديدة. هكذا تم منع سفينة آلان كوردي التابعة لمنظمة إغاثة ألمانية تنزيل حمولتها، 13 مهاجرًا، بلامبيدوزا أمام تزكية ماتيو سالفيني. ومحاولًا تقطير الشمع على الوافد الجديد في الحكومة، الحزب الديمقراطي الوسط يساري، قال في تغريدة: "إذا أراد الحزب الديمقراطي إعادة فتح الحدود أمام المهاجرين وتجار البشر، ما عليه إلا أن يصارح بها الإيطاليين!". فيمَا عسّر رسو سفينة أخرى، باشتراط تنزيل الأطفال والنساء والأشخاص المرضى فقط، وإعادة الرجال البالغين إلى شواطئ أفريقيَا، حسب تقرير لوكالة رويترز.

اقرأ/ي أيضًا: الفاشية الإيطالية المتجددة.. باقية وتتمدد!

على المستوى الداخلي، لوح سالفيني بالخروج إلى الشارع وقيادة مسيرات للإطاحة بالحكومة الجديدة. كما ورد في تصريح له نشر على وسائل التواصل الاجتماعي: "سيكون الـ 19 تشرين الأول/أكتوبر القادم يومًا لفخر إيطاليا!"، داعيًا إلى تنظيم تظاهرة في هذا الصدد، تحتضنها العاصمة روما. متوعدًا الحكومة: "لن تستطيعوا التخلص مني بلعبة قصر صغيرة، ها أنا ألاحقكم الآن!"، متحدثًا عن "رغبته الجامحة في إعادة بناء إيطاليا".

لوح سالفيني بالخروج إلى الشارع وقيادة مسيرات للإطاحة بالحكومة الجديدة. كما ورد في تصريح له: "سيكون الـ 19 تشرين الأول/أكتوبر القادم يومًا لفخر إيطاليا!"، داعيًا إلى تنظيم تظاهرة في هذا الصدد

عودة في الانتخابات المحلية، يدفع بها سالفيني، الذي غردَّ أنه "بينما الآخرون يتاجرون في الحقائب الحكومية"، فإنه هو وحزبه "يعدون إيطاليا المستقبل" التي لن يصمد أمامها خصومه طويلًا. في إشارة لاستعداداته للاستحقاقات الانتخابية المحلية التي ستعرفها البلاد يوم 27 تشرين الأول/أكتوبر القادم.

 

قرأ/ي أيضًا:

 اليمين الإيطالي وسيسيل كينغ.. ضربني واشتكى!