27-أغسطس-2017

إسماعيل غولجي/ باكستان

نشر "ألترا صوت" مقالًا أدبيًّا بعنوان "أطفال الأنابيب.. شعراء الأنابيب" للكاتب زاهر عبد الباقي، وقد انتبه الموقع بفضل أصدقائه الحريصين على مهنيّته إلى أن تعبير "أطفال الأنابيب" يحمل إساءة إلى فئة من البشر، ولأننا لا نقبل تمرير مثل هذه الإساءة، وكذلك كُتّابنا، فإننا نعتذر من القراء الأعزاء وننشر هذا التوضيح من الكاتب.

  • المحرر الثقافي

حَرجٌ ما بعده حرجٌ وضعني فيه الاعتقاد بالإساءة الذي تسلّل إلى أذهان البعض بسبب مقالي "أطفال الأنابيب.. شعراء الأنابيب"، لا سيما أنّ هؤلاء الأصدقاء والقرّاء خلصوا إلى أن هذا التشبيه قائم على خللٍ أخلاقي ونظرة دونية، تجلّت في توظيف تعبير "أطفال الأنابيب" ضمن المقال. 

لا توجد هناك إساءةً إلى العاقر أو العقيم حينما نستخدم مفردات مثل "العقم" أو "العجز"

وإذ أتفهّم أن يقال إن استخدام المصطلح هو استعارة غير موفقة، فلا بد من الاعتذار ممن ساءهم هذا الاستخدام، أو ممن لم، شاكرًا من نبّهني بكل صدق، لكن تبقى هناك عدة نقاط يجب توضيحها:

اقرأ/ي أيضًا: الشعر الميّت على فيسبوك

من نافل القول إن المقال لا يتناول الصحة الإنجابية، ولا أظن عاقلًا يتجرأ على تصنيف الأطفال وتفضيل مجموعة على أخرى. كل ما في الأمر هو استعارة مفهوم علميّ تحتوي صيرورته على نقاط مشتركة مع بعض كتابة الشعر، ومنها الافتعال والإرادوية والفورية. ولا أظن أن هناك إساءةً إلى العاقر أو العقيم حينما نستخدم مفردات مثل العقم أو العجز، وإلا وجب علينا الاعتذار طويلًا لجهات الأرض عن لغتنا وعن واقعنا.

هذا في الشق الأخلاقي أما فيما يخص حرية التعبير، فليس في الأمر دعوة إلى تكميم الأفواه، بل إلى التفكير والإحساس بالمسؤولية قبل أن يضيف المرء قبل اسمه كلمة "شاعر".

يبدو على كل كاتب مقال أن يبدأ أو ينهي مقاله بعبارات من قبيل "هذا المقال لا يتسع للعالم". ومن التذاكي نقاش أي رأي فيما لم يقل، الواضح أن المقال يعترض على الخفة والاستسهال في كتابة الشعر الظاهر في فضاء منصة تواصل رقمية اسمها الفيسبوك. سوء الفهم أو سوء النية هنا ممل ولا داعي للقول بأننا تعرفنا على أصوات شعرية متميزة من خلال الفيسبوك، بما أتاحه من سهولة في النشر للجميع، وتخطٍ للحواجز الجغرافية والرقابية والقمعية. وما مثّله من كسر لمركزية الثقافة الرسمية.

هذا الكلام معروف للجميع. ولست بوارد القيام بتحليل رباعي (SWOT analysis) للفيسبوك أو غيره، وإن كتبت سابقًا عن الموضوع في مقال عن كاثي أونيل.

لماذا يُفهم دائمًا أن استعادة أسماء شعرائنا الكبار وتراثهم، على أنها بكاء على الأطلال وحنين للماضي؟ لماذا لا يتحسس بعض الشعراء منجزهم بدلًا من الاكتفاء بإحصاء اللايكات وتوسيع شلل التصفيق والتصفير. ثم إن العملية النقدية للشعر معطلة، وجل ما يطرح عبارة عن ثرثرة دعائية، فالنقاد مشغولون بحسابات العلاقات العامة والربح والخسارة والشعراء الحقيقيون صامتون بفعل آداب المهنة والزمالة في أحسن تقدير، لذا لم يتبق إلا النقد من موقع القارئ المنحاز إلى الثقافة دون الاكتراث بشبكة علاقاتها الزبائنية. سيكون من المفيد جدًا أن نرى في قادم الأيام مقالات للشعراء الذين أخذوا على المقال قصوره وسطحيته، بل ورجعيّته، يتناولون فيها الشعر الذي يكتب هذه الأيام، بما يشير إلى ما فيه من قيم جمالية.

لماذا يُفهم دائمًا أن استعادة أسماء شعرائنا الكبار وتراثهم، على أنها بكاء على الأطلال وحنين للماضي؟

على الهامش، في بدايات النصف الثاني من القرن الماضي ساد جدل علمي حول تأثير تزايد انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وقد حُسم الجدل لصالح النظرية التي تقول إن الكوكب قادر على إصلاح نفسه بنفسه، وإن مصير هذه الغازات هو الذوبان في المحيطات بفعل الرياح والأمطار. طبعًا شكل دعم شركات النفط والصناعة عاملًا حاسمًا في الدفع بهذا الاتجاه.

اقرأ/ي أيضًا: زينة هاشم بيك.. الإرهاب الجميل للشعر

بالعودة إلى الثقافة، أعتقد أن السكوت عن الرداءة والاكتفاء بالفرجة إلى أن يغربل التاريخ منجزات الثقافة العربية قد يؤدي إلى نسفها بالكامل، سيما وأن هذا التوجه تعززه علاقات الارتهان والارتزاق المسيطرة في واقعنا. وبالربط بين العلمي والثقافي، والابتعاد عن فخ المصطلحات الطبية، ربما كان من الأدق أن يحمل المقال السابق عنوان "الاحتباس الحراري وشعراء التلوث".

 

اقرأ/ي أيضًا:

عباس كيارستمي.. ريح الشعر وأوراق السينما

ناجي رحيم.. لعبة أرشفة الخوف